خبر اعتقلوني.. عبد الستار قاسم

الساعة 08:47 ص|14 فبراير 2016

الكاتب من أكثر الكتاب العرب تعرضا للإجراءات القمعية من قبل العرب والإسرائيليين في العصر الحديث. تعرض لإطلاق النار مرارا وأصيب مرة بأربع رصاصات، وتعرض للحرمان من الوظيفة في الأردن وفلسطين، وللاعتقال مرارا من قبل الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية وللإقامة الجبرية والمنع من السفر، ومن شاء أن يكتب حول الإجراءات التعسفية التي يتعرض لها الكتاب والمثقفون العرب فإن الكاتب هو العنوان الذي تتجسد فيه صنوف الملاحقات.

مجددا وللمرة السابعة تقوم السلطة الفلسطينية باعتقال الكاتب وذلك بتاريخ 2 شباط/ فبراير2016 على خلفية دفاعه عن ضرورة تطبيق القوانين المعمول بها والصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.

أجرت فضائية « القدس » التي تبث من بيروت لقاء معي حول الوضع الفلسطيني طالبت فيه بإعادة الحياة إلى قانونين فلسطينيين وهما القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية الصادر عام 1979، وقانون الانتخابات الصادر عام 2005 والذي يحدد مدة رئاسة السلطة الفلسطينية بمدة أربع سنوات فقط. هناك نصوص في القانون الثوري الفلسطيني تقول إنه يعاقب بالإعدام كل من يتخابر مع إسرائيل أو يتعاون معها أو يعرقل عمل قوات الثورة ضدها، الخ، وقد ذكرت النص على الهواء. علما أن القانون الثوري هذا معمول به حتى الآن وتم محاسبة بعض عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية الذين هربوا من غزة أمام قوات حماس عام 2007، لكن أغلب الناس بمن فيهم بعض القانونيين لا يعرفون عنه شيئا.

يبدو أن أركان السلطة الفلسطينية قد راعهم وأرعبهم التنبيه إلى هذين القانونين لأنهم يخالفون بنود القانون الواردة، ورئيس السلطة الفلسطينية يخالف قانون الانتخابات لأنه أمضى حتى الآن أحد عشر عاما في الرئاسة على الرغم أن مدة انتدابه قد انتهت عام 2009. فقررت افتعال ضجة عبر تلفزيون فلسطين. وهذا ما حصل. استضافت القناة شيخ ليصدر فتوى إخراجي من ملة الإسلام، وأستاذا جامعيا لإخراجي من ملة العلم. لم يقرأ أي منهما نصي القانونين للمشاهدين، واكتفيا بكيل الاتهام بأنني أدعو إلى قتل الرئيس إعداما. حقيقة أنا لم أدع إلى قتل أحد أو إعدام أحد لأن هذا الأمر من شأن المحكمة وليس من شأني، وجدليتي أن الأمم التي لا تحترم القانون لا يمكن لها أن تقف على أقدامها أو أن تتحرر. وطبعا أصرت المذيعة المسكينة على كيل الاتهامات والتوجه بأسئلة للانتقاص من مكانتي العلمية.

مراحل الاعتقال

كنت على وعي بأن السلطة الفلسطينية ستقدم على اعتقالي، وكنت جاهزا بخاصة أن شنطة ملابس السجن جاهزة على الدوام. وبينما كنت على مدخل بيتي بتاريخ 2 شباط/ فبراير 2016 فوجئت بسيارة الشرطة الفلسطينية تقف أمام منزلي. هبط من السيارة أربعة من رجال الشرطة الفلسطينية وهجموا علي قائلين: « هات الهوية وهات الهاتف الخلوي ويا الله معنا ». طلبت منهم أن يتريثوا قليلا لكي أبلغ زوجتي « زين النساء » عن الاعتقال، وآتي بشنطة الاعتقال وأقفل باب البيت. لقد رفضوا وتصرفوا بعنجهية مطلقة. كان من الملحّ أن أتحدث مع زوجتي لأننا عائلة معرضة للاعتداءات من قبل زعران وبلطجية وشبيحة النظام، وإذا كان لها ألا تتواصل معي فإنها ستهيم حزينة جدا وحائرة. المهم أنهم رفضوا، علما أن الضابط الصهيوني الذي اعتقلني عام 2014 قدم كل التسهيلات لي لكي أتحادث مع عائلتي.

التحقيق كان هو المرحلة الثانية، ووجه لي وكيل الادعاء ثلاث تهم وهي النيل من هيبة الدولة، والترويج لأخبار كاذبة، وذم مقامات عليا، أي رئيس السلطة الفلسطينية. بالنسبة للنيل من هيبة الدولة، نفيت وجود دولة فلسطينية، وما هو موجود فقط حكم ذاتي لا هيبة له. أما الترويج لأخبار كاذبة فتبين أن وكيل الادعاء يتحدث عن خبر نشره أحد أركان السلطة الفلسطينية حول إجهاض 200 محاولة فلسطينية ضد الصهاينة. أما الثالثة فقلت إنها غير صحيحة لأنه لا يوجد لنا في فلسطين مقامات عليا، إذ لا يوجد من الناحية القانونية رئيس للسلطة الفلسطينية.

عودة زين النساء (أم محمد)

اتصلت أم محمد بي على الهاتف الخلوي ولم تجد جوابا، وعادت بمفردها إلى البيت. وجدت باب البيت مفتوحا، وبحثت عني دون جدوى. طفقت تسأل الجيران، ولم يسعفها أحد برؤيتي. لقد ارتابت جدا بخاصة أننا مهددون كما قلت. انهارت ابنتي ميس باكية، وقام جارنا بفحص البيت ووجد أن غرفة مقفلة بالمفتاح فكسر الباب ظنا منه أنني بالداخل ميتا. ازداد التوتر مع عدم وجودي داخل الغرفة. فتذكرت زوجتي آلات التصوير المنتشرة حول بيتي وقامت بفحصها ورأت على الشاشة سيارة الشرطة ورجالها. وقد نشرت فضائيات عدة صور الشرطة الفلسطينية على الملأ.

المرحلة الثالثة تتمثل بإيداعي السجن. أخذوني إلى سجن الجنائيين في مدينة نابلس وذلك لأنهم يعملون جاهدين دائما على عدم الاعتراف بوجود سجناء سياسيين لديهم مخافة رد فعل بعض الدول الأوروبية. وضعوني في غرفة الصكوك المالية الراجعة.

الغرفة قذرة جدا ورائحتها كريهة ومكتظة بالمعتقلين. مرافقها الصحية غير صحية ولا يمكن للمصلي أن يتطهر فيها. أما الصراصير فتتجول في الغرفة براحتها، وقد دخل صرصور (أو على رأي الممثلة المصرية صرصراية) في أذني أثناء نومي.

المحكمة

عقدت محكمة نابلس جلسة لتمديد توقيفي، وقد رد القاضي طلب الإفراج بالكفالة ومدد توقيفي 15 يوما لاستكمال التحقيق على الرغم أن وكيل الادعاء قد قال لي إن التحقيق قد انتهى. قدم المحامي طلب إخلاء سبيل بعد ثلاثة أيام وقبل القاضي الطلب وخرجت بتاريخ 7/2/2016. أي أن المسألة لم تنته، وأنا بانتظار المحكمة، والريبة الآن ليست مباشرة من القاضي وإنما من القوى الخارجية التي تضغط على القاضي.