خبر قصة الراعي والذئب .. واتفاقيات المصالحة الفلسطينية ..د . وليد القططي

الساعة 07:40 ص|10 فبراير 2016

 

في القصة الشعبية المشهورة يُحكى أن راعياً أراد أن يمزح مع أهل قريته من خلال أكذوبة خطرت على باله حين كان يرعي قطيعه بالقرب من القرية . ترك الراعي غنمه في المرعى وأسرع إلى أهل القرية منادياً بأعلى صوته : النجدة فقد هاجم الذئب الغنم , صدّق أهل القرية كلام الراعي الكذّاب وأسرعوا معه إلى المرعى ليطردوا الذئب فلم يجدوه , فقال لهم الراعي معذرة لقد كنت أمزح معكم , فعاد أهل القرية إلى قريتهم غاضبين . ولقد كرر الراعي هذه المزحة الكاذبة مرات عديدة وكل مرة كان عدد أهل القرية الذين يصدقوه ويذهبوا معه يتناقص , حتى جاء الذئب حقيقة وهاجم الغنم فهرع الراعي إلى أهل القرية يستنجدهم لإنقاذ الغنم من الذئب فلم يصدّقه أحد , وبالتالي لم يذهب معه أحد لإنقاذ الغنم من الذئب .

وما أشبه قصة الراعي والذئب بقصتنا مع المصالحة أو قصة الشعب الفلسطيني مع حركتي فتح وحماس , مع الفارق في نهاية القصة حيث كان الراعي صادقاً رغم أن أهل القرية لم يصدقوه, بينما لم يتم التأكد من صدق أو كذب الراعي – فتح وحماس – في قصتنا بعد . بالرغم من أن أحداً من الشعب الفلسطيني لم يعد يصدقهم لنفس السبب الذي فقد أهل القرية الثقة بالراعي وهو تكرار الكذب على الشعب الفلسطيني بتكرار اتفاقيات المصالحة بدءاً باتفاقية مكة وحتى اتفاق الدوحة الأخيرة مروراً باتفاقيات القاهرة والشاطئ وغيرها , فما الذي سيجعل هذا الاتفاق الأخير مختلفاً عن غيره من الاتفاقيات والتفاهمات واللقاءات مع وجود نفس الشخصيات وأنماط التفكير التي سببت الانقسام وأدت إلى تكريسه ومأسسته كواقع يُمكن التعايش معه وإدارته في كلاً من الضفة وغزة .

ولقد تعودنا في كل جولة جديدة من المفاوضات بين طرفي الانقسام أن يُمهّد لها بحملة من التصريحات المبشّرة بقرب انتهاء عهد الانقسام وزوال مرحلة الخصام مصحوبة بسلسلة من المفاجآت السارة القريبة التي ستدخل البهجة والفرحة على أبناء الشعب الفلسطيني المُبتلى بالاحتلال والانقسام والحصار ... وما هي إلاّ أيام قليلة وأسابيع معدودة وينتهي شهر عسل المصالحة بالطلاق المدّوي , وتتبدّل التصريحات المبشرة بتصريحات منذرة , وتتغير المفاجآت السارة بمفاجآت محزنة , ثم يدخل الطرفان في جولة جديدة من الملاكمة السياسية تُستخدم فيها أسوأ مهارات الردح المتبادل الهابطة , وأردئ  فنون الشتائم والشتائم المضادة المتدنية , ثم يستنفر كل طرف عباقرة الانقسام وفلاسفة الخصام ليخرجوا على الناس بأسوأ ما لديهم من حجج تُلقي بالتهم على الآخر في تعطيل المصالحة واستمرار الانقسام مدعومين بقوى ضغط داخلية تعيش على استمرار الوضع الراهن وتخشى أن تفقد امتيازاتها الخاصة فيما لو انتهى الانقسام .

وحتى المصالحة الفلسطينية بوضعها الحالي ليست هي المطلوبة شعبياً ووطنياً , لأنها في ظل الواقع الحزبي الحالي إما أن تكون من أجل التقاسم الوظيفي للسلطة بين فتح وحماس يتم من خلالها المحاصصة وتوزيع الامتيازات على الطرفين , أو ترتكز على ادارة الانقسام وليس انهائه بمعنى ان تظل البنية التحتية للانقسام كما هي في الضفة وغزة على أن يتم تعديل البنية الفوقية للسلطة بحيث تظهر الأمور شكلياً كأنما هي سلطة واحدة أو رأس واحد ولكنه بجسدين . والمطلوب هو تغيير فلسفة المصالحة من الأساس بحيث ترتكز على إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني برمته التي تُعتبر المصالحة جزء من تلك الرؤية وممهدة لذلك النظام . وهذا النظام السياسي الفلسطيني أكبر من السلطة التي يجب أن لا يتجاوز دورها إدارة شئون السكان الفلسطينيين في الضفة وغزة ودعم صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه , على أن تترك قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد اعادة بنائها على أسس جديدة تنسجم مع الثوابت الوطنية ونهج المقاومة الشاملة لتضم كل مكّونات الشعب الفلسطيني وفصائله السياسية .

والخلاصة أن المصالحة الفلسطينية المرجّوة ينبغي أن تكون مبنية على أسس ثابتة وقواعد قوية وتتجاوز مسألة المصالحة العشائرية بين حركتي وحماس لتكون بداية لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني  وصياغة المشروع الوطني الفلسطيني الهادف إلى التحرير والعودة والاستقلال كي لا تتعرّض لانتكاسة جديدة يفقد فيها الشعب الفلسطيني الأمل في مستقبله الوطني والثقة بقيادته السياسية كما فقد أهل القرية الثقة بالراعي .