خبر انشغالات إسرائيل المستقبلية بالأخطار المستجدة ..حلمي موسى

الساعة 11:20 ص|08 فبراير 2016

تنشغل أوساط إسرائيلية كثيرة في الآونة الأخيرة بتحليل معطيات الصراع على أكثر من جبهة في ظل تفاقم الخلاف بين هذه الأوساط حول أفضل السبل لتلافي تصعيد محتمل يقود إلى مواجهة كبيرة أو شاملة. ورغم التغيير الجوهري في تشكيلة المخاطر الاستراتيجية التي تعاني منها الدولة العبرية فإن انتقال الثقل من التهديدات التقليدية إلى التهديدات المتنوعة أثار جملة تساؤلات حول مواضع تركيز الجهود والموارد. وخلافا للأنماط المعهودة التي كان فيها معظم الجهد الإسرائيلي يوجه ضد دول عربية وجيوشها التقليدية بل وحتى ضد إيران ومشروعها النووي صار التركيز علنا على خطر حزب الله وحماس.

ويبدو أن تصريح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي آيزنكوت عن أن الجيش الإسرائيلي صار يتعامل مع حزب الله بوصفه موضع التهديد المركزي في الواقع الراهن أثار سجالا في أوساط مختلفة داخل الدولة العبرية. إذ اعتبره البعض خطأ جسيما لأنه بدل أن يركز على الخطر الإيراني، كما يتعامل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، صرف الأنظار عن هذا الخطر وتوافق مع الرؤية الأميركية واعتبر حزب الله هو الخطر المركزي. وطالب بعض هؤلاء رئيس الأركان بإعادة النظر في هذا المنطق الذي يعيد تغيير الحسابات في هيئة الأركان بشأن سلم أولويات بناء القوة وتحديد الاحتياجات.

وكان بعض المعلقين الإسرائيليين قد رأوا في كلام آيزنكوت توافقا مع نظرة تطالب الجيش بتقليص حصته من كعكة الميزانية العامة لتوجيه المزيد من الموارد نحو أهداف التطوير الاجتماعي. وقد تعمقت هذه المطالبة مع تنامي التململ الاجتماعي داخل الدولة العبرية من تراجع مكانة الشباب في الحياة الاقتصادية وصعوبة إيجاد مسكن ملائم وهو ما قاد قبل أعوام إلى تظاهرات كبيرة. حينها بدا وكأن الجيش هو من يمنع تحسين أوضاع الشباب الذين هم أصلا عماد الجيش وخريجيه.

ولا ريب في أن تناقص المخاطر الوجودية أتاح للعديد من المفكرين الاستراتيجيين في الدولة العبرية ادعاء أن إسرائيل ليست بحاجة إلى منظومة بناء القوة التي تملكها وتطورها وأن المخاطر الجديدة تستدعي تغيير الوجهة. ولاحظ البعض في هذا السياق كيف أن قيادة الجيش الإسرائيلي صارت على استعداد للتخلي، أوليا، عن إحدى الغواصات بقصد التحرر من بعض النفقات. كذلك صار الجيش أكثر استعدادا للتخلي عن أسراب من الطائرات بحوزته وبيعها كعتاد قديم لجيوش أخرى. ولكن كل هذه الخطوات من جانب الجيش لم تغير من جوهر المعادلة شيئا. فميزانية الدفاع الإسرائيلية في تزايد مستمر. ورغم كل المطالبات بتقييدها فإنها في العام الجاري تزيد عن 17 مليار دولار.

وإلى جانب ذلك يبدو واضحا، كما كان حال الإسرائيلي البسيط في العقدين الأخيرين، أن المهم هو توفير الأمن الشخصي. وإذا كانت إسرائيل بفعل ما أحدثته من تغييرات على واقع علاقتها مع الفلسطيني: انفصال في غزة وجدار فاصل في الضفة، قلصت من خطر العمليات الاستشهادية فإن ذلك قاد إلى مخاطر من نوع جديد. وهكذا مثلا في كل ما يتعلق بالفلسطينيين، نشأ خطر الهبة الشعبية والتي تسميها إسرائيل «إرهاب الأفراد». وهكذا بعد شهور من اندلاع هذه الهبة والتي اتسمت بمظاهر الطعن والدهس شبه يومية وفي مختلف المناطق، ينشأ لدى بعـــض الإسرائيليين إقرار بأن الحـــل لا يكمن في الضربات العسكرية أو في استمرار القمع. وأن على إسرائيل أن تتحمل مسؤوليتها وتخفف عن الفلسطينيين بأن تمنحهم أملا بالحياة وربما بأفق سياسي.

ولهذا السبب نجد أنه رغم كل التهديدات للفلسطينيين في الضفة يحاول الجيش الإسرائيلي منع الانفجار عن طريق ما يسميها بـ «القيود المتنفسة». وخلافا للقيادة السياسية يحاول الجيش الانفتاح على السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية في محاولة لمنع الانفجار. وهذا الحال يسري بأشكال مختلفة على موقف الجيش مما يجري في قطاع غزة حيث يبدو الخلاف أشد اتساعا بين العسكريين والسياسيين. فالقناعة التي تولدت لدى الجيش الإسرائيلي في الحرب الأخيرة هي أن الحصار لا يشكل حائلا دون تنامي قوة المقاومة الفلسطينية، خصوصا حماس، طالما ليس لعموم الفلسطينيين في القطاع ما يخسرون. وبعدها تزايد الاهتمام الإسرائيلي بالسماح بدخول قدر أكبر من المساعدات والبضائع وإبداء رغبة في إعادة إعمار ما دمرته الحروب.

ولكن المفارقة التي يتحدث عنها قادة الجيش هي أن كل تخفيف للحصار المفروض على القطاع يفيد بشكل غير مباشر سلطة حماس وبالتالي مكانة هذا التنظيم وقوة ذراعه العسكري. ولهذا السبب نجد الجيش الإسرائيلي يتأرجح في موقفه تجاه مواد البناء أو ما يسميه المواد ذات الاستخدام المزدوج: العسكري والمدني. لكنه أيضا لا يخفي امتعاضه من واقع أن سماح إسرائيل بدخول البضائع بشكل مكثف للقطاع يزيد أيضا من واردات سلطة حماس من الرسوم عليها. وتجري في إسرائيل دراسات مستجدة لمعرفة مدى خطر استمرار الانقسام الفلسطيني بين الضفة والقطاع في نطاق خطر انسداد الأفق السياسي.

ومن الواضح أن إسرائيل تبدي في الأسابيع الأخيرة اهتماما واسعا، لأسباب شعبية، بما يجري في القطاع خصوصا بعد زيادة الاهتمام بحفر الأنفاق. فالخوف من الأنفاق لا ينبع من ضجيجها بقدر ما ينبع، في نظر الإسرائيليين، من إيمان حماس بجدواها وإمكانية استخدامها كسلاح استراتيجي في الحرب المقبلة. صحيح كانت نتائج الأنفاق قاسية على الإسرائيليين في الحرب السابقة لكن ليس هناك ما يضمن أنها أقل قسوة في الحرب المقبلة.