خبر إسرائيل وتغيير صورة وأنماط المخاطر المركزية ..حلمي موسى

الساعة 12:38 م|01 فبراير 2016

لا يختلف المراقبون داخل إسرائيل وخارجها على أن الدولة العبرية تعيش ما يعتبر عصرا ذهبيا لجهة ما كانت تعتبره مخاطر وجودية. وقد تحدث قادة إسرائيليون كبار مؤخرا عن زوال ما كان يعرف بالأخطار الوجودية التي تهدد دولتهم بعد تفتيت المنطقة العربية وانشغال الشعوب والحكومات العربية بهمومها ومشاكلها الداخلية وتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى. ولذلك لم يكن مفاجئا بشكل كبير إعلان رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال غادي آيزنكوت عن أن حزب الله ومنظومته الصاروخية والقتالية بات يشكل الخطر المركزي الذي يواجه جيشه. كما تتزايد في الآونة الأخيرة التقارير عن احتمالات تدهور الوضع إما على حدود لبنان أو مع قطاع غزة، حيث تسيطر حركة حماس، إن لم يكن بمبادرة مقصودة فقد يكون نتيجة سوء تقدير يعقب وقوع عملية صغيرة.

ولا يعني زوال ما يعرف بالأخطار الوجودية انتفاء أية أخطار من النمط القديم وبقاء فقط الأخطار الجديدة التي تدرجها إسرائيل تحت مسمى كيانات ما دون الدولة. فالزوال، من وجهة نظر إسرائيل، مؤقت ومرحلي وهو يعتمد كثيرا على مدى قدرة العرب في إيجاد حلول مناسبة لمشاكلهم الداخلية. وبديهي أن الحل غير المرغوب به من جانب إسرائيل هو عودة اللحمة والوحدة الداخلية إلى كل الأقطار العربية وعودة أشكال التضامن العربي بما في ذلك تفعيل منظومتهم الإقليمية بشكل ناجع.

ولكن إلى ذلك الحين تتجه أنظار إسرائيل نحو ما تعتبره الأخطار الفعلية القائمة والمحتملة في المستقبل المنظور. ورغم كثرة حديث الإسرائيليين عن مخاطر داعش عليها سواء على حدودها مع سوريا أو في شبه جزيرة سيناء فإنها لا تنكر أن خطر هذا التنظيم أكبر على العرب. فهو تنظيم يبث الفرقة بين العرب والمسلمين ولا يتقبل أي تعددية دينية أو سياسية وبالتالي هو وصفة مضمونة لاستمرار الاقتتال والصراعات الداخلية. وترى مثلا في الصراع بين داعش وأنصار تنظيم القاعدة أكبر دليل على ذلك. ولكن خطر هذا التنظيم، من وجهة نظر إسرائيل يتمثل في جانبين هامين: أولا تهديده المستقبلي لاستقرار أنظمة عربية معينة وخصوصا الأردن، ومنطق المحاكاة الذي قد يدفع فلسطينيين من المناطق المحتلة أو مناطق 48 للتشبه بعملياته. ومرارا لم يخف حتى وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون تأكيده أنه في الميزان بين إيران وحلفائها من جهة وداعش من جهة أخرى فإن إسرائيل لا تريد بقاء العدو الأول.

على أية حال ومن بين كل الأخطار الباقية التي تراها إسرائيل يبقى ساخنا خطر كل من حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة. وكثيرا ما تظهر تعليقات وتقديرات إسرائيل إلى هاتين القوتين وكأنها متشابهة رغم الفارق في ميزان القوة بين الجهتين لصالح حزب الله. وتعتبر إسرائيل أن ترسانة حزب الله الصاروخية هائلة ليس فقط بعددها وإنما أيضا بنوعيتها سواء على صعيد حجم رؤوسها الحربية أو دقة إصابتها. ومع ذلك فإن خطر حزب الله يبدو في الآونة الأخيرة وكأنه مكبوح جراء انشغال الحزب في الحرب الأهلية السورية.

ولكن التقدير الإسرائيلي الساري على حزب الله لا يسري تماما على حماس في غزة التي يتزايد التقدير مؤخرا بأنها ربما تضطر للخروج من ظرفها الراهن بالاندفاع قدما إلى مواجهة محدودة أو شاملة مع إسرائيل. فحال حماس في غزة يرتبط بشكل كبير بما يحدث على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية في القطاع الذي يعيش حصارا مكثفا منذ سنوات طويلة ومرّ بحروب مدمّرة ما زال يعاني من آثارها المدمرة. وتحسب إسرائيل يوميا لحماس قدرتها على ضبط نفسها في ظل الإحساس بأن ليس لحماس ما تخسره على المدى المباشر إذا كانت ظروف الحصار تدفعها وبشكل متزايد للخسارة على المدى البعيد.

وربما لهذا السبب تتكاثر في الآونة الأخيرة الأحاديث عن رغبة إسرائيل في التخفيف من معاناة أهالي قطاع غزة عبر إظهار تقديمها المزيد من التسهيلات في وصول البضائع وأحيانا في حركة الأفراد وتنقلهم. ويكثر قادة عسكريون، على وجه الخصوص، من المطالبة بتوسيع «التسهيلات» لمنع الانفجار المحتمل في القطاع. وضمن هذا التوجه تبذل جهود إسرائيلية لتحسين العلاقات مع تركيا على أمل أن يسهم ذلك في تقليص إحساس حماس بالاختناق والحصار.

ومؤخرا كثر التركيز الإسرائيلي على الأنفاق التي تحفرها حماس خصوصا الهجومية منها. وجاء استشهاد سبعة نشطاء لحماس أثناء ترميمهم أحد الانفاق الأقرب إلى الحدود مع إسرائيل شرق مدينة غزة ليلقي المزيد من الأضواء على المخاطر التي قد تقع نتيجة استمرار شد الخناق على القطاع. فحماس، ومعها فصائل المقاومة الأخرى في القطاع، لا تبدي تراجعا في حين يظهر الشعب الفلسطيني في القطاع قدرة هائلة على احتمال ظروف معيشية لا تطاق. ويبدو وكأن معركة عض الأصابع مع إسرائيل تقترب إما من مواجهة شاملة أو من هدنة طويلة الأجل.

الشيء المؤكد هو أن إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين والعرب صارت اليوم أكثر إقرارا بمحدودية قوتها. فاليمين الإسرائيلي الذي بنى سياسته على أساس القاعدة العسكرية التي نشأ عليها الجيش الإسرائيلي والقائلة بأن ما لا يتحقق بالقوة يمكن أن يتحقق باستخدام المزيد من القوة، صار يرى عجزه عن تحقيق أغراضه بهذه الطريقة. إن الجيش الإسرائيلي الذي كان طوال الوقت المحفز للحروب والاعتداءات يبدو حاليا وكأنه كابح لها ومن المؤكد أن الحلبة السياسية في إسرائيل، خصوصا اليمينية، تتجه للإقرار بذلك. ولكن ليس مستبعدا أن يأتي هذا الإقرار ليس قبل حرب مدمرة أخرى.