خبر الصراعات والمحاور الإقليمية وفق توقيت القدس وفلسطين ..د.وليد القططي

الساعة 11:30 ص|28 يناير 2016

منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني في منتصف الستينات من القرن العشرين والجدل داخل تياراتها الفكرية والسياسية مستمر حول طبيعة علاقتها بمحيطها العربي والإسلامي والعالمي وما يتبلور داخله من محاور سياسية وما يندلع بينها من صراعات باردة أو ساخنة . ولقد تأرجح هذا الجدل داخل تيارات الثورة الفلسطينية بين قطبين أحدهما ينأى بنفسه عن تلك المحاور وصراعاتها مفضلاً الحياد حفاظاً على القضية والثورة من التأثر بالنتائج السلبية لتلك الصراعات , والآخر يتخذ موقفاً منحازاً إلى الطرف القريب منه حسب التقسيم الثنائي للأمور مؤيداً التقدمي ضد الرجعي والقومي ضد القُطري والاشتراكي ضد البرجوازي و الإسلامي ضد العلماني . ولوضع رؤية سياسية واضحة من تلك المحاور وصراعاتها ينبغي تقسيم الموضوع إلى قسمين هما الصراعات والمحاور .

في موضوع الصراعات المحلية والإقليمية في المحيط العربي والإسلامي لا ينبغي للثورة الفلسطينية أو أي فصيل فيها أن يكونوا جزءاً من هذه الصراعات أو الانحياز لأحد أطرافها ضد الطرف الآخر مهما كانت طبيعة هذه الصراعات على المصالح أو المبادئ أو صراعات سياسية أم مذهبية طالما أن أسبابها وأهدافها بعيدة عن فلسطين والقضية الفلسطينية , وطالما أن بوصلتها تشير إلى كل الاتجاهات ما عدا القدس وفلسطين . والأفضل للثورة الفلسطينية وقياداتها السياسية المختلفة أن تتخذ موقفاً مؤيداً للحوار الوطني في الصراعات المحلية للوصول إلى التوافق الوطني والتعايش المجتمعي الذي يضمن حقوق الجميع داخل الوطن الواحد . وكذلك تتخذ موقفاً مؤيداً للحوار الإقليمي في الصراعات الإقليمية العربية والإسلامية للتوصل إلى كلمة سواء تؤدي إلى توافق عربي وإسلامي ينسجم مع وحدة الأمة وعلى أرضية المصالح المشتركة والروابط الموّحدة كالإسلام والعروبة والخطر الصهيوني المشترك.

وهذا الموقف من الصراعات المحلية والإقليمية المحيطة بنا له مبررات أخلاقية وتاريخية وواقعية . فمن الناحية الأخلاقية عندما يندلع صراع محلي بين فئات الشعب الواحد أو صراع إقليمي بين دول الأمة الواحدة , فمن الصعب تصنيف أحد فئات الشعب أو أحد المحاور على أنه يمثل الخير المطلق والحق المطلق بينما يتم شيطنة الطرف الآخر باعتباره يمثل الشر المطلق والباطل المطلق , فالخير والشر في مثل هذه الصراعات نسبيان , كما أن أي طرف قد يتملك جزءاً من الحق بينما يمتلك خصمه الجزء الآخر خاصة إذا اختلطت المبادئ بالمصالح وتداخلت الايدولوجيا بالسياسة . ومن الناحية التاريخية فقد أثبتت التجارب التاريخية السابقة التي انحازت فيها الثورة الفلسطينية أو أحد فصائلها الرئيسية لأحد أطراف الصراع المحلية والإقليمية حدوث ارتدادات مدّمرة على فلسطين الشعب والقضية والثورة , وفي بعضها تم إعادة إنتاج مأساة الهجرة والتشرد , وفي بعضها الآخر تم تكريس معاناة الشعب الفلسطيني أو جزء منه على أرضه وما حدث في الأردن ولبنان والكويت خير دليل على ذلك . وما تجربتي سوريا ومصر منا ببعيد . ومن الناحية الواقعية فإن الانحياز لأحد أطراف الصراع لن يفيده من الناحية العملية ولن يؤثر على مجريات الأمور ونتائجها داخل تلك الدول أو بينها وربما جاءت النتيجة معاكسة لما أردناه . ذلك بأن حجم الثورة الفلسطينية السياسي أو أحد فصائلها مهما كان كبيراً فلن يصل إلى درجة التأثير الفعلي في تلك الصراعات واتجاهاتها .

في موضوع المحاور والدول المنتمية لها أو غير المنتمية لأي محور إقليمي فينبغي للثورة الفلسطينية أو أي فصيل فيها أن تبني موقفها على أساس معايير ثابتة تكون فلسطين وقضيتها محور الرحى في هذه المعايير باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى والمركزية , بحيث تكون فلسطين هي القطب الذي توّجه إليه بوصلة الصراع في المنطقة وبقدر صوابية اتجاه البوصلة نحو فلسطين والقدس من هذه المحاور والدول تكون بوصلة علاقتنا معهم قُرباً أو بُعداً , فبقدر اقترابهم من فلسطين الشعب والقضية والثورة والمقاومة يكون اقترابنا منهم , وبقدر ابتعادهم عن فلسطين الشعب والقضية والثورة والمقاومة يكون ابتعادنا عنهم . ففلسطين وثورتها لا ينبغي أن يكونوا جزءاً من أي محور لا تكون فلسطين قضيته والقدس وجهته , فالقضية الفلسطينية أسبق من كل المحاور وأقدس من كل القضايا .

وعدم الانتماء لمحاور إقليمية لا تكون فلسطين قضيتها المركزية والقدس وجهتها الرئيسية لا يعني عدم حاجتنا إلى وجود عمق عربي وإسلامي ودولي داعم لصمود العشب الفلسطيني فوق أرضة وداعم لمقاومة الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه , وهذا العمق العربي والإسلامي سواء كان من خلال محور أو مشروع أو جبهة مقاومة وهو الأفضل , أو كان من خارج الانتماء للمحاور , فهو يصب في صالح الأمة أيضاً لأن الكيان الصهيوني يشكل خطراً على الأمة جمعاء فهو رأس حربة المشروع الغربي في المنطقة الهادف إلى إبقاء الأمة العربية الإسلامية تحت السيطرة الغربية فحاجتنا كثورة فلسطينية إلى هذا العمق الداعم لصمود الشعب الفلسطيني والحاضن لثورته والحليف لمقاومته هي حاجة أساسية , كما أن حاجتنا إلى ضبط معايير العلاقة مع هذه العمق وتلك المحاور وفق توقيت القدس وفلسطين هي حاجة أكثر من أساسية.