خبر جدار حي- معاريف

الساعة 11:04 ص|25 يناير 2016

فلسطين اليوم

جدار حي- معاريف

بقلم: كلمان ليبسكند

 (المضمون: الخطاب المتكرر حول اقامة جدار حول المستوطنات في المناطق سخيف، بالضبط مثلما ليس مناسبا ان نرتدي السترات الواقية في شوارع القدس - المصدر).

 

       الحوار الذي بدأ مرة اخرى الاسبوع الماضي بعد قتل دفنة مئير في عتنئيل – هل نحتاج الى جدار حول البلدات، هل الجدار مفيد وهل ثمة مكان لموقف  ايديولوجي يرفضه، يستحق بحثا جديا. اولا من المهم الايضاح بانه عندما يجري الحديث عن « جدار »، لا يقصد بذلك السور الصيني، بل شيء ما يمكن اجتيازه بمقص أسيجة أو بجهد دقيقتين.

 

          ثانيا، يجدر بالذكر بان الشواهد في المقابر في يهودا والسامرة تعرف كيف تروي عن غير قليل من اليهود الذين قتلوا على ايدي مخربين تغلبوا على هذا الجدار دون أي مشكلة. ثالثا، لغرض البحث فقط يجدر الانصات ايضا لاقوال رجال الامن في المناطق ممن يدعون بان المنطقة الامنية الخاصة التي تنتشر فيها الكاميرات حول البلدات توفر أمنا اكثر بكثير من كل الجدران.

 

          الاحساس الذي يخلقه هذا الحوار، عندي على الاقل، هو أن محاولة التعليق بتنفيذ العملية بالجدار الذي لم يكن هي ابنة عم محاولة القاء مسؤولية قتل الفتيان الثلاثة على السفر بالمجان. من اين يأتي هذا؟ من المكان الذي يرتاح فيه اولئك الذين يصدقون الفلسطينيين ورغبتهم في السلام بصرف البحث والانشغال بالجدار وبالسفر بالمجان بدلا من الانشغال بجيراننا ممن اختار ابناء شعبهم ذبحنا. لماذا لا يسأل احد ماذا كان سيحصل لو أنه كان فقط جدار في دوما؟ اذهبوا لتعرفوا اذا كان للفلسطينيين جدران لكان أصعب بكثير اجراء عمليات ذات تدفيع الثمن لهم واحراق عائلة دوابشة. نحن لا ننشغل بهذا لانه لا يثير الاهتمام. لانه عندما يقتل الناس، يتعين علينا أن نتحدث عن القتلة وليس عن الوسائل الفنية التي لعلها كانت ستعيقهم.

 

          هناك اسباب عديدة لعدم تركيب جدار حول البلدات التي لا تريده. والسبب الاهم يسمى الحالة الطبيعية. فالناس يريدون ان يعيشوا حياة طبيعية حتى لو جلس معهم احد ما وهو يحمل دفترا وقلم رصاص وشرح لهم بانهم اذا ما تنازلوا عن بعض من هذه الطبيعية،          فسيكون لهم احتمال أقل في التعرض للاذى. خذوا مثالا من مكان آخر. في 2015 قتل في حوادث الطرق 357 شخصا. في سنة واحدة فقط. هذا عدد مجنون. في موجة الارهاب التي نحن في ذروتها قتل اقل من عُشره. واضح لنا جميعا انه لو عدنا للسفر بالعربات والجياد لكان يمكننا ان نوفر هذه الحياة العزيز التي تضيع هباء. أتعرفون، دعكم من العربة. لو أننا نقرر الا تتجاوز السرعة المسموح بها 40كم في الساعة لكان يمكننا أن نوفر معظم القتلى. فلماذا لا نفعل هذا، رغم ان كل واحد منا يعرف كيف يتحدث عن الحياة الاكثر قدسية من اي شيء آخر. لاننا نريد أن نعيش حياة طبيعية؟ فان يكون المرء على الطريق لست ساعات في اليوم بدلا من ساعة هو أمر غير طبيعي، حتى لو كانت حاجة لان ندفع لقاء ذلك ثمنا باهظا بحياة الانسان.

 

          وبشكل عام، ففي مفترق غوش عصيون، على الطريق، هناك احتمال أكبر لان يدهس المرء او يطعن او يصاب بالنار مما في داخل البلدات نفسها. فلماذا يسافر الناس على هذه الطرقات؟ لماذا لا يبقون في البيوت او على الاقل ينتقلون للسفر في باصات محصنة من النار؟ الجواب هو ذات الجواب. الطبيعية. من يبني بيته في عتنئيل ومن يسافر على طرقات غوش عصيون لا يمكنه ولا يرغب في ان يشعر كل الوقت بانه يعيش في ملجأ. انظروا ما حصل في تل أبيب، ليس في غوش عصيون، بعد دقيقة من العملية في ديزنغوف. رغم انه قتل ثلاثة اشخاص ورغم أن الانباء تحدثت عن مخرب مسلح يتجول بحرية في المدينة، معظم السكان نهضوا في الصباح وخرجوا الى الشارع لعمل يومهم. مجانين، أليس كذلك؟ لا.

 

          وماذا عن كل اولئك الذين طعنوا في شوارع القدس؟ فلو كانوا يلبسون سترات واقية، لنصفهم كانوا على قيد الحياة معنا اليوم. فهذه السترة يمكنها أن تنقذ اشخاصا اكثر مما يمكنه أن ينقذ الجدار في عتنئيل. ولكننا لا نسأل ابدا اي امرأة تتجول في القدس لماذا لا ترتدي سترة واقية عندما تخرج لتبحث عن قميص جديد في شارع يافا. لاننا نفهم بان هذه المرأة تريد ان تعيش حياة طبيعية. هذه كل القصة. فضلا عن الحقيقة البسيطة بان العرب واليهود يحتكون في مليون مكان. كل هذه الاماكن – من قسم اللحوم في « رامي ليفي وحتى محطة الـ 95 اوكتان في سونول » – فهل نضرب جدارا عليها؟

ان من مهامة الدولة هي أن تفعل كل شيء كي تحمي مواطنيها وتسمح لهم بحياة طبيعية قدر الامكان. مهامتنا هي الا نروي لانفسنا القصص. انه العدو العربي الذي يقتلنا، هو وليس اي شخص آخر. لا اليأس ولا الاحتلال، لا السفر بالمجان ولا الجدار.