خبر واقع الصراع العربي الإسرائيلي يزداد تعقيداً وتشابكاً ..حلمي موسى

الساعة 10:12 ص|25 يناير 2016

فلسطين اليوم

تبدو الحلبة الفلسطينية هذه الأيام في أسوأ حالاتها، رغم استمرار الهبّة الشعبية الرافضة لمنطق الأمر الواقع الذي تسعى إسرائيل لفرضه على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. فالانقسام لا يزال على حاله بل صارت جهات عديدة تقر به وتتعامل على أنه أمر واقع يستدعي التعامل معه وكأنه حالة أبدية. وبالمقابل فإن الوضع العربي المشرذم والمنقسم على نفسه والمقاتل لذاته والذي يكاد البعض يعتبره في أشد حالات انتحاره الذاتي، يعكس نفسه سلبا بشكل واسع. فهو يعني انشغال العرب وبالتالي فقدان الفلسطينيين لحاضنتهم المركزية التي من دونها يبقون سياسيا وماديا وعسكريا وكأنهم يحاربون طواحين الهواء.

ورغم ما تتفاخر به حكومة إسرائيل من انجازات عسكرية واقتصادية فإن الحلبة الداخلية تعاني من مشاكل جمة ظهرت بشكل واضح مؤخرا. فالسجال داخل الحكومة حول الوجهة التي ينبغي لإسرائيل اتخاذها صار أشد حدة من أي وقت مضى في ظل الاتهامات من جانب قادة البيت اليهودي، خصوصت نفتالي بينت، لنتنياهو والمقربين منه بالجمود الفكري. وكذلك فإن الليكود نفسه يعتمل بالكثير من الخلافات التي تصب في نهايتها ضد نتنياهو. ومن الجائز أن الصدام بين اليمين المتطرف وقيادة الليكود مؤخرا حول إخلاء منزلين قام مستوطنون باحتلالهما في مدينة الخليل قرب الحرم الإبراهيمي يشهد على عمق الخلاف.

ولا يمكن القفز عما ظهر علنا من خلافات بين المؤسستين السياسية والعسكرية حول التعامل مع الاتفاق النووي الإيراني وعواقبه ومع الهبّة الشعبية الفلسطينية. ويمكن لخطاب رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت أن يشكل العنوان الأكبر لهذا الخلاف حيث كشف عن اعتبار المؤسسة العسكرية الاتفاق النووي فرصة إلى جانب مخاطر في حين رأت الحكومة أنه «يوم أسود». ولا يقلّ أهمية عن ذلك أن ما يعلنه نتنياهو والمقربون منه كل يوم تقريبا حول السلطة الفلسطينية وتحريضها وأنها كفّت عن أن تكون شريكة وجد الاعتراض عليه بتأكيد ىيزنكوت على مصلحة إسرائيل في استمرار الاستقرار الاقتصادي للفلسطينيين من جهة واستمرار التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية من جهة أخرى.

وفي كل حال فإن مشكلة القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية كل مع جمهورها تظهر شدة الأزمة التي تعيشانها. وقد سبق للقيادة الفلسطينية أن هددت بحل السلطة وتسليم المفاتيح ومؤخرا أعلنت أن السلطة انجاز وطني لا يمكن التخلي عنه. ورغم شدة الصراع على خلافة أبو مازن داخل فتح ومنظمة التحرير والصراع على السلطة بين حماس وفتح فإن الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع يبدو وكأنه وبشكل متزايد لم يعد ينشغل بذلك. وفيما يلجأ قسم من الفلسطينيين إلى الاستكانة للواقع يحاول قسم آخر تفجير غضبه من استمرار الوضع بالابتعاد عن السلطة من ناحية والعمل ولو فرديا ضد إسرائيل ومستوطنيها من جهة أخرى. وكانت استطلاعات رأي فلسطينية قد أظهرت حجم الهوة التي تفصل الفلسطينيين عن سلطتهم في الضفة والقطاع.

وفي الجانب الإسرائيلي حدّث ولا حرج في كل ما يتعلق بالمفارقة الكبيرة التي تعيشها الحلبة الداخلية. ورغم أن الكثيرين صاروا يتحدثون عن تحولات جوهرية تقود نحو تنامي وتعزيز الفاشية في إسرائيل فإن آمال البعض بانتعاش اليسار والعقلانية تتلاشى بشكل سريع. وتقريبا يرى كل الخبراء في الشأن الداخلي الإسرائيلي بأن فرص إزاحة اليمين عن الحكم في الدولة العبرية تبدو صفرا في المستقبل المنظور. ويرى هؤلاء أن البديل الوحيد لنتنياهو هو في الغالب شخصية يمينية قد تكون أكثر تطرفا منه. وقد تزايدت مؤخرا الأصوات في اليمين الداعية إلى تغيير نتنياهو حيث يبدو أن المؤهلين الحاليين لمنافسته ثلاثة هم جدعون ساعر في الليكود، وهو أكثر تطرفا، ونفتالي بينت من البيت اليهودي وأفيغدور ليبرمان من إسرائيل بيتنا.

وعلى الصعيد الشعبي تبدو الصورة أشد قتامة في نظر نتنياهو. فالزعيم الذي عرض نفسه كساحر قادر على حل أية مشكلات تعترض إسرائيل وتفاخر بأنه «السيد أمن» و «السيد اقتصاد»، لم يعد قادرا على مواصلة التشدق بهذه الصفات. وأظهر استطلاع نشرته صحيفة «يديعوت» أن أكثر من ثلثي الإسرائيليين غير راضين عن معالجته لما يسمى بموجة الإرهاب الأخيرة. وقال 68 في المئة ممن شاركوا في استطلاع لصالح برنامج «واجه الصحافة» في القناة الثانية أنهم غير راضين عن أداء نتنياهو الأمني مقابل 28 في المئة فقط أبدوا رضاهم. وفي تأكيد لاهتزاز صورته الأمنية أشار الاستطلاع إلى أن 30 في المئة من الإسرائيليين يرون أن أفيغدور ليبرمان هو الرجل الأكثر ملاءمة لمعالجة المشاكل الأمنية لإسرائيل. بل أن نفتالي بينت نال في الاستطلاع 13 في المئة كرجل مناسب لحل مشكلات إسرائيل الأمنية وكل هؤلاء نالوا أكثر من نتنياهو الذي لم يحصل إلا على 11 في المئة فقط.

وبالعموم فإن الواقع القائم حاليا في إسرائيل يقود إلى ما يعتبره مراقبون شللا في الحياة العامة. فلأسباب داخلية تعجز حكومة نتنياهو عن الإقدام على خطوات مطلوبة دوليا يمكن أن تساهم في تقليص العزلة. وبين هذه الخطوات التقرب من الدول العربية المعتدلة والتي لا يمكنها قبول ذلك من دون أن تلاحظ ولو شكليا تحركا سياسيا إسرائيليا نحو حل المسألة الفلسطينية. وعلى مستوى العلاقة مع السلطة الفلسطينية فإن الحكومة عاجزة عن التجاوب بشكل واسع مع مطالب المؤسسة العسكرية التي تحاول أن تمنع انفجار الوضع. ولكن في ضوء ما يتفاقم في الحالة الفلسطينية فإن التوقعات بانفجار الوضع قريبا سواء في الضفة أو القطاع ليس مستبعداً.