خبر ابو مازن الحقيقي -هآرتس

الساعة 10:05 ص|13 يناير 2016

فلسطين اليوم

بقلم: يوسي كوبرفاسر

مدير مشروع في مركز القدس للشؤون العامة والسياسية

كان رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات ومدير عام وزارة الشؤون الاستراتيجية

 

(المضمون: اسرائيل ملزمة بان تستغل تصريحات عباس والرجوب كي تكشف عن الوجه الحقيقي للقيادة الفلسطينية. لا خوف، فالفلسطينيون لن يكرهونا اكثر، ولكنهم كفيلون بان يصلوا الى الاستنتاج بان استمرار الارهاب لن يكون مجديا لهم - المصدر).

 

          لخص محرر وكالة الانباء الفلسطينية « معا » مؤخرا ما قاله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في حديث معه، وكذا في الخطاب للامة الذي القاه في بيت لحم الاسبوع الماضي. بعض مما قاله عباس حسب هذا التلخيص – مثل الجملة التي قالت ان السلطة الفلسطينية لن تنهار، وأنها لن تختفي الا بعد أن تقوم دولة فلسطينية – حظي بنشر في وسائل الاعلام. وبالمقابل، فان اقوالا اخرى قالها – وكذا اقوال قالها مؤخرا جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لفتح – لم تصل الى آذان مستهلكي الاعلام الاسرائيلي والعالمي. فقد تلقى هؤلاء تقريرا محدودا عن اقوال الرجوب وعباس، الذي يحظى بالحصانة.

 

          هكذا، مثلا، قال عباس، ان الوضع الامني في تل أبيب وفي القدس اصعب مما هو في غزة او في رام الله؛ وان « الانتفاضة الشعبية ستستمر حتى انهاء الاحتلال، ولن تكون عودة الى المفاوضات دون اعتراف بكل حقوق الفلسطينيين »؛ وان « التقدم نحو التسوية يجب أن يتحقق بالتدخل الدولي »؛ وان « الانتفاضة كانت ستكون بالطرق السلمية لو لم يكن جنود جيش الاحتلال يقتلون المتظاهرين الفلسطينيين، ولكن الان لكل عملية، لكل سكين ولكل اطلاق نار فلسطيني يوجد تفسير، وحكومة اسرائيل هي المسؤولة عن سفك الدماء في الطرفين ». وفي تناوله لدعوة بنيامين نتنياهو يهود فرنسا للهجرة الى اسرائيل قال عباس « انه يضع ثقته في الزمن وفي الصراع الديمغرافي ليسقط النظرية الصهيونية ».

 

          اما الرجوب فقد أعلن بان فتح ترى في الـ 17 « شهيدا » الذين دفنوا في الاول من كانون الثاني في الخليل (مخربون سلمت جثامينهم للفلسطينيين) ابطالا، وهي تشجع الشبان الفلسطينيين على السير في طريقهم. وعلى حد قوله، فقد طرح الموضوع في اللجنة المركزية للحركة (التي يترأسها عباس) وتقرر تأييد هذه الاعمال.

 

وبدلا من التقرير عن هذه التصريحات تلقى مستهلكو الاعلام الاسرائيلي والعالمي تقريرا عن مخاوف جهاز الامن من انهيار السلطة وعن مؤشرات دلت، وكشفت عن التغيير في موقف عباس من هجمة السكاكين والدهس، تغيير وجد تعبيره في منع الشبان الفلسطينيين الذين كانوا في طريقهم الى نقاط الاحتكاك وتشديد المساعي للتضييق على خطى حماس. يدور الحديث عن نقص في فهم موقف عباس، الذي يواص تشجيع الارهاب بغير وسيلة السلاح الناري، ومستعد للتعاون بشكل محدود مع اسرائيل في المسعى لمنع حماس من تنفيذ عمليات بالسلاح الناري. على أي حال، كانت تكفي هذه التقارير لتدفع نتنياهو الى القول ان علينا عمل كل شيء لمنع انهيار السلطة.

 

ما الذي يمكن ان نتعلمه من تصريحات عباس والرجوب؟ اولا، انه سواء كانا مسؤولين عن بدء معركة الارهاب الحالية ام لا – الان يتحملان عنها المسؤولية. فهما لا يمتنعان فقط عن شجبها، بل يشجعانها. بمعنى انه لا يمكن مواصلة عرض عمليات الارهاب كجملة احداث يقوم بها افراد. يجب أن نعترف بان هذه معركة وطنية، المقاتلون فيها، اولئك الطاعنين والداهسين، يعملون علنا وفق توجيهات قيادتهم، التي لا تحتاج الى تنظيم وتوجيه مرتبين كي تضمن استجابة الجمهور. فانعدام الامن الذي يخلقه عملهم في شوارع القدس وتل أبيب هو الاداة التي تتوقع القيادة من خلالها ان تقطف الانجازات على المستوى السياسي.

 

الاستنتاج الثاني هو ان عباس اكثر وعيا مما كان يمكن ان نستنتج من تهديدات الجهات المختلفة في اسرائيل ومن تبجحاته نفسه. فهو ليس فقط يستعد امكانية الانهيار، الذي استخدمه كي يهدد اسرائيل، بل انه يعترف لاول مرة ايضا بان الكيان السياسي الذي يقف على رأسه هو « سلطة » وليس دولة. كل العلائم الخارجية التي حاول ان يتبناها هي إذن عديمة المعنى حتى من ناحيته. واضافة الى ذلك، ولما كان الانهيار لن يحصل، فان اسرائيل ايضا لن يتعين عليها ان تواجه تحدي اليسار الاسرائيلي والكثيرين في الغرب في أنه سيتعين عليها ان تختار بين دولة يهودية ودولة ديمقراطية.

 

الاستنتاج الثالث، ولعله الاهم، هو ان عباس يواصل التعويل على أن الزمن والديمغرافيا سيؤديان في النهاية الى انهيار الصهيونية. اهدافه الاستراتيجية لم تتغير، ولهذا فانه يصر على رفضه الاعتراف باسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي. وهذا يفسر ايضا معارضته لمشاركة عرب اسرائيل في العملية – فهو يخشى أن يحركوا مسيرة تؤدي الى الترحيل.

 

اسرائيل ملزمة بان تستغل هذه التصريحات كي تكشف عن الوجه الحقيقي للقيادة الفلسطينية. لا خوف، فالفلسطينيون لن يكرهونا اكثر، ولكنهم كفيلون بان يصلوا الى الاستنتاج بان استمرار الارهاب لن يكون مجديا لهم.

 

ان من يحاول أن يبيع للجمهور الاسرائيلي عرضا عابثا وبموجبه يوجد في الطرف الفلسطيني شريك حقيقي للسلام، لا يعرف الاساس الفكري الفلسطيني. فعباس مستعد فقط لتسوية لا تتعارض وتطلعه الاستراتيجي لانهيار الصهيونية. من عرض تحقيق تسوية كهذه كهدف اسمى لاسرائيل لا يجب أن يتفاجأ من أن اغلبية الجمهور لا تعطيه الثقة. اذا ما تحرر اليسار والوسط الاسرائيلي من هذا الوهم، فنددا بالسياسة الفلسطينية ودعيا الدول الغربية الى عمل ذلك ايضا، سيزداد التأييد لهما، ويحتمل أن ينشأ احتمال بتغيير الاهداف الفلسطينية. اما في هذه الاثناء فان عباس يقود شعبه نحو تخليد المعاناة إذ لا يوجد أي احتمال في أن تخضع اسرائيل للارهاب.