خبر ثلاث رسائل متتالية للممثل الشرعي والوحيد.. بقلم/ د. جميل يوسف

الساعة 08:11 ص|01 يناير 2016

بقلم

المنطقي أن تدور السلطة السياسية في أي مكان حيث دارت ثوابت وأدوات وإرادة شعبها والعكس هو الاستثناء الذي ثبت أنه لم يحقق أيّ من الأهداف الوطنية التي قامت السلطة على أساسها. عندما تفشل السلطة السياسية في تحقيق آمال وتطلعات شعوبها تحاول الأخيرة إما تغيير هذا النظام السياسي أو العمل بعيدا عنه وبشكل منفرد أو بالتحالف مع قوى سياسية يعبر خطابها عن هذه التطلعات والأهداف الوطنية.

ما حدث في فلسطين من خلال انتفاضة الحجارة عام 1987 وانتفاضة الأقصى عام 2000 والانتخابات التشريعية عام 2006 وأخيرا انتفاضة القدس أكتوبر 2015 كانت في مجموعها تعبر عن خيبة أمل من الشعب الفلسطيني بممثله الشرعي والوحيد م.ت.ف والتي لم تستطع أن تحقق أهدافها بل على العكس انقلبت عليها وكذلك تنكرت لنضالاته وأدواته الجهادية والكفاحية، وعاشت القضية الفلسطينية حالة من التدافع وأحيانا التنافر الحدي بين المنظمة والشعر الفلسطيني ليس بسبب الفساد الذي تمارسه مؤسسات المنظم بل بسبب الانقلاب على ثوابتها ومرتكزات نشأتها.

بعيدا عن لغة الاتهام والانقسام لابد من قراءة وطنية مسئولة لحالة التدافع المتواصل بين م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد وبين الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة والعمل على توحيد هذا الجهد انطلاقا من قوانين السياسة والتاريخ أن النظام السياسي هو استجابة لإرادة وتطلعات وأدوات الشعوب.

كانت الرسالة الأولى في عام 1987 انتفاضة الحجارة حيث بدا أن خطاب م.ت.ف بعيدا تماما عن ثوابت الشعب الفلسطيني وبعيدا عن ميثاق المنظمة نفسها وحاول الشعب عبر انتفاضته أن يعيد الاعتبار لثوابته ومشروعه الوطني ونجح في سنوات الانتفاضة الأولى بامتياز، لكن المنظمة كانت تعتبر نفسها المقدس الأول في المشروع الوطني هذا المقدس الذي يجب ألا يمس بأي شكل بذلت جهود كبيرة لاحتواء الانتفاضة والإمساك بزمام المبادرة ليس من باب أنها رافعة لاستعادة روح المؤسسات الفلسطينية التي انهارت بعد رحلة الشتات عام 1982 ولكن باعتقادها أن هذه الانتفاضة تشكل رافعة لها وجواز مرور للنظام الدولي الإقليمي، أقدمت المنظمة على الاستجابة للمشيئة الدولية عبر اتفاق أوسلو هذا الاتفاق الذي لم يكن ضمن مشيئة أو مصلحة فلسطينية بقدر ما هوا هروب من حبات المطر خشية البلل لكن أوسلو أصابت كل الفلسطينيين بالبلل.

جماهير الانتفاضة كانت تراقب كل ذلك وقلبها يزداد خفقانا على هذه الانتفاضة، وبدأت تنحاز إلى الخيارات البعيدة عن م.ت.ف للبحث عن خيار سياسي يحافظ على الثوابت والأهداف، قطاعات كبيرة ومهمة انزاحت على حركتي الجهاد وحماس في تأكيد على ضرورة إعادة هيكلة وتفعيل النظام السياسي الفلسطيني كالمنظمة وكافة أطرها.

لكن النظام الدولي وأوسلو كانا أكبر مما نتصور، انتفاضة الحجارة وبدلا من أن تحاول المنظمة والسلطة الفلسطينية على مواجهة العدو الصهيوني بعدة اذرع منها التسوية والانتفاضة والأطر المقاومة، استدارت 180 درجة وأعلنت تدشين معركة جديدة مع الانتفاضة والقوى المجاهدة.

 

تعرضت الجماهير الفلسطينية تضليل إعلامي وترغيب بسنغافورة وترهيب بالأجهزة الأمنية.

أحدثت انتفاضة الحجارة بلاشك كيا في وعي م.ت.ف وأن قداستها تعرضت للتآكل ومع كل مخرجات اتفاق التسوية وما صاحبه من ترغيب وترهيب حدث الافتراق الأول بين الجماهير الفلسطينية المنتفضة والسلطة والمنظمة من جهة أخرى واحدث إرهاب اوسلو حالة من التراجع النسبي للانتفاضة وفصائل الجهاد والمقاومة.

التقط الشعب الفلسطيني أنفاسه وعاود الانتفاضة مرة أخرى والتي عرفت بانتفاضة الأقصى عام 2000 ليرسل رسالة أخرى لممثلة الشرعي والوحيد وللسلطة الفلسطينية أنه لن يقبل بأن تبقى م.ت.ف والسلطة تدور حيث دارت مصالح إسرائيل والنظام الإقليمي وإننا يجب أن نعيد السلطة للانتفاضة بأهدافها وأدواتها، حاول الرئيس الشهيد ياسر عرفات أن يجمع بين المتناقضات أوسلو والمقاومة ودفع حياته شهيدا ثمنا لهذه المحاولة مع العلم أن أبا عمار لم يحاول إعادة م.ت.ف والسلطة الفلسطينية إلى الشعب وخياراته بشكل قاطع أو يحاول العمل على استقلال المؤسسة السياسية الفلسطيني عن المشيئات الخارجية.

حاولت السلطة والمنظمة الجمع بين متناقضات وهي شرعية وحدانية التمثيل وعنوانها التسوية وأوسلوا والخيار الشعبي وسحب البساط من تحت أقدام البندقية المجاهدة فكانت فكرة انتخابات 2006 في محاولة لإعادة الاعتبار للمثل الشرعي والوحيد والعمل على نقل جزء من البندقية المجاهدة ونعني هنا حماس عبر هذه الانتخابات حضن المنظم كشاهد لا حول له ولا قوة إلا أن هذا الشعب الذي أرسل للسلطة مرتين عبر انتفاضة الحجارة وانتفاضة الاقصى رسائل لم تستجب لها م.ت.ف أكثر في رسالة ثالثة أن السلطة والممثل الوحيد هو الذي يجب أن يتقدم نحو البندقية المجاهدة وليس العكس وهو ما أكدته نتائج انتخابات 2006 على الرغم من عدم قناعتي بهذا الخيار وكذلك الكوارث التي نتجت نتيجة هذه الانتخابات.

الممثل الشرعي والوحيد لم يستجب أيضا للرسالة الثالثة ولم يعترف بها بل اعتبرها من الموبقات السبعة وأن هذه النتائج كانت أخطر عليه من المشروع الصهيوني وهذا ما نلمسه اليوم من الانقسام والحصار والانهيار الفلسطيني كل ذلك لا يهم الممثل الوحيد بل ما يهمه أن يبقى شرعيا ووحيدا حتى لو تغيرت كل المعايير وتغير الشعب الفلسطيني والواقع الإقليمي وكذلك حتى لو لم يحصد من التسوية إلا الصفر فإنه يرفض إعادة الراية على خيار الشعب الفلسطيني.

أدرك الشعب الفلسطيني أن رسائل الانتفاضتين لم تقطع أحلام الممثل الشرعي والوحيد كما أدرك ان ثلاثة حروب إجرامية على غزة في خلال 6 سنوات لم تقنع المنظمة أنها يجب أن تعيد بنائها من جديد انطلاقا من متغيرات ومعطيات فلسطينية جديدة وعلى راسها فشل خيارها.. الحروب..الانتفاضة..الانتخابات.. الانزياحات في الخارطة السياسية الفلسطينية وبدأ الشعب الفلسطيني متخوفا من أن بقاء م.ت.ف على ما هي عليه سيلقي بالشعب الفلسطيني وحقوقه إلى الهاوية.

أدرك الشعب الفلسطيني أن أية خطوات وطنية انطلاقا من غزة ستفسرها المنظمة بشكل معكوس وبأنها مؤامرة من القوى المجاهدة في غزة فاختار أن يرسل رسالة الأخيرة من خلال انتفاضة القدس هذه المرة من الضفة الغربية المعقل الرئيسي للمثل الشرعي والوحيد وعلى بعد كيلو مترات قليلة من مقر السلطة والمنظمة.

اختارت الانتفاضة توقيتها هذه المرة بعناية بالغة وتعقيدات خطيرة كما اختارت أدواتها البسيطة والسهلة والمتوفرة في كل مكان.. ارتبكت السلطة في رام الله كما ارتبكت المنظمة وبدا هذا الارتباك من خلال التسمية بالهبة من خلال تأييدها اللفظي والتصدي لها عمليا في مناطق الاحتكاك، مواصلة التنسيق الأمني والملاحقة والاعتقال.. محاولة فتح عناوين جانبية كالمصالحة والكهرباء.. واصلت انتفاضة القدس خطواتها بشكل مذهب ووطني مسئول ولم تحاول أن تبدد طاقاتها هنا وهناك بل ركزت أنظارها على هدف سهل ومحل اجماع وطني وقابل للتحقيق وهو الأقصى والمستوطنات لكن كانت الرسالة الأعمق أن شعار الممثل الشرعي والوحيد يجب أن يعاد صياغته من جديد على أساس إعادة البناء والتفعيل.

انتفاضة الحجارة والأقصى والانتخابات والقدس كلها رسائل متتالية وطنية بامتياز تصرخ من قلوب تعشق فلسطين الأرض والإنسان والثوابت وتقول يجب على الممثل الشرعي والوحيد أن ينفض عنه غبار التسوية والانحراف والمحاصصات والتدخلات الخارجية ويطل على شعبه بوجهه الأصيل وجه الكفاح المسلح كخيار وحيد وفلسطين من النهر والبحر وأن الشعب الفلسطيني هو كل لا يتجزأ وعندما تصبح الانتفاضة هي الممثل الشرعي والوحيد هي نفسها م.ت.ف هي نفسها الجهاد الإسلامي وحماس ونبقى في مرمى حجر من الوصول إلى أهدافنا.