خبر سلطة الانتفاضة لا « انتفاضة السلطة »..بقلم د. جميل يوسف

الساعة 06:48 ص|21 ديسمبر 2015

بقلم/ د. جميل يوسف

جاءت انتفاضة القدس خطوة متقدمة وضرورية لمواجهة كل التهديدات التي بدأت تضيق الخناق على عنق المشروع الوطني الفلسطيني وكانت تدرك تماما ماذا تفعل وماذا تريد وليس كرد فعل عفوي، كانت صرخة مهند الحلبي مفجر هذه الانتفاضة المباركة في حالة وعي تام عندما أعلن قبل استشهاده بقليل « أن الانتفاضة الثالثة قد بدأت ».

لم يجهل الفلسطينيون حجم التهديدات التي تلاحق طموحاتهم الوطنية سواء في القدس والضفة وأراضي 48 أو في باقي الأماكن التي يتواجدون فيها.. ولم يكن السكون المؤقت والنسبي الذي عاشته الضفة الغربية مقياساً للرضا بالواقع بل كانت الإرادة الفلسطينية تراكم قوتها وأدواتها من خلال كل أدوات المشروع السياسي بأحزابه وفصائله المجاهدة والرافضة لكل مساومة أو اقتراب من التسوية، وعلى رأس هذه الأدوات كانت حركة الجهاد الإسلامي التي تربي على أفكارها ومبادئها المفجر مهند حلبي وضياء التلاحمة وكل من صدقوا وعاهدوا الله على ذلك وكل المنتظرين أيضا.

أكثر من 120 شهيدا منذ بداية الانتفاضة حتى الآن إضافة إلى آلاف الجرحى ومئات الأسرى، ولازال التهديد الأخطر الذي يلاحق الفلسطينيين يتمثل في موقف أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية التي لا زالت تلاحق المجاهدين وتواصل مهزلة التنسيق الأمني وتعتقل مجاهديه كما حدث قبل ثلاثة أسابيع في طوباس عندما اعتقلت مجموعة من الشباب الثائر لمجرد أنهم فكروا في القيام بواجبهم الوطني والأخلاقي، الملاحقات ضد المجاهدين بالاعتقال أو الاستدعاء لازالت مستمرة إضافة إلى منع المتظاهرين من الوصول إلى نقاط التماس والمواجهة. يعرف كل الفلسطينيين أن مشروع الانتفاضة يتعارض كليا مع مشروع السلطة حتى لو بقيت الانتفاضة الشعبية. إصرار سلطة التسوية على استمرار الدوران حول مشروع التفاوض والتسوية التي تجرع منها الفلسطينيون السم من ابتلاع اغلب اراضي الضفة الغربية وتهويد للقدس والأقصى، هذا الإصرار يدفع بانتفاضة القدس إلى الشك بسلطة التسوية وأن هذه السلطة باتت غير قادرة على حماية الإنسان الفلسطيني أو المحافظة على التراب الوطني أو توفير متطلبات الحياة الضرورية، هذا الأمر أكده استطلاع رأي أجراه معهد العالم العربي للبحوث والتنمية من الفترة 1-7 ديسمبر 2015 للفئة العمرية 16-35 سنة عندما عبر 24% عن استيائهم من دور وممارسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة. الأطر الوطنية والجهادية لا يمكن أن تكون بعيدة عن هذه الانتفاضة فالهوية الوطنية والشعارات التي تهتف بها الشعب الفلسطيني كانت من تأثير العمل الوطني المتواصل الذي قامت به الفصائل الوطنية التي رفضت هوية التسوية والمفاوضات وظلت متمسكة بخيار التناقض والمقاومة ضد هذا العدو الصهيوني، ولعل نموذج الشهيد ضابط الأمن الوطني الفلسطيني مازن عربية كان إشارة واضحة أن ثقافة المقاومة هي التي تحرك أهلنا في كل مدن الضفة الغربية وعلى رأسها القدس والخليل كما أكدت عملية عربية أن ثقافة التسوية هي طارئة ومتنحية لا يمكن لها أن تنبت في العقل الفلسطيني.

الانتفاضة حققت ثلاثة أهداف بطلقة واحدة ضد أخطر التهديدات التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني حيث وضعت مشروع الاستيطان في الضفة الغربية في مأزق حقيقي وبدلا  من أن يكون المكان الأكثر أمنا للصهاينة في حرب غزة 2014 البنيان المرصوص تحول مشروع الاستيطان إلى هدف مطارد من انتفاضة القدس وهرول المستوطنون منذ سكين مهند إلى خارج الضفة، ولعل المزيد من الضغط على المستوطنين سيجعلنا على موعد مع رحيل كل المستوطنات كما حدث لمثيلاتها في قطاع غزة عام 2005، كما وضعت هذه الانتفاضة مكانة الأقصى والقدس في الفكر الصهيوني في مأزق كبير بحيث باتت هذه المدينة الأقدس عند المسلمين إلى عنوان لمشروع المقاومة في فلسطين.

تلقت هذه التهديدات « التسوية والاستيطان وتهويد القدس » ضربة قاسية على يد انتفاضة القدس وإن الدعوة لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني التي أطلقها الدكتور رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في مقابلة مع فضائية الميادين وقبلها في احتفال انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي عام 2013 تضع الجميع أمام واجب حتمي وهو كيفية توحيد الجهد الفلسطيني لمواصلة الضغط على التهديدات السابقة لتفكيكها لتصبح هذه الانتفاضة هي الممر الإجباري الفلسطيني الذي يجب أن يعبره من يرغب في المشاركة في إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني. إن قناعة الكل الفلسطيني أن انتفاضة القدس هي المدخل الإجباري لإعادة الاعتبار لمشروعنا الوطني تتطلب من هذا الكل الفلسطيني أن يدخل الانتفاضة بالعباءة الوطنية وليس الثوب الحزبي مهما كانت أهميته وقداسته لكن العباءة الوطنية هي التي يمكن أن تلتحم بالمشروع الوطني أما وزن الانتفاضة بميزان الحزب أو الفصيل فلا يناسب انتفاضة نجتهد أن يلتحق بها كل الشعب الفلسطيني على الأقل في المرحلة الحالية؛ فالفصيل وسيلة لكل المشروع الوطني هدفاً وواجباً ومصير وطن.

إن المحافظة على عافية انتفاضة القدس تكتسب أهمية سياسية ووطنية في ضوء ما تقدم هذه العافية تتحقق من خلال عافية الإنسان الفلسطيني في الضفة من خلال أن تنحاز كل القوى السياسية والأمنية والمؤسسات إلى خيار الشارع المنتفض ولا يجوز أن تنحاز الانتفاضة إلى خيار القوى والمؤسسات السياسية ، أن تصبح انتفاضة القدس بأهدافها وخطابها ووسائلها هي السلطة الحقيقية للشعب الفلسطيني وكذلك السلطة الحقيقية للسلطة الوطنية في رام الله أو أي سلطة في غزة. الانتفاضة قامت ضد التسوية وأضافتها للمشروع الوطني وهنا يقع الواجب الوطني على كل أطراف التسوية أن تتوحد مع الانتفاضة ضد التسوية وأن أية حسابات أخرى لن تكون في مصلحة الفلسطينيين.

كما أن نداء الاستغاثة الذي وجهته الانتفاضة لغزة الانتصار والمواجهة يتطلب أن تكف كل الأطراف عن جعل غزة رهينة للمساومات أو المصالحات بين هذا الطرف أو ذاك، فكل الأطراف الفلسطينية يجب أن تكون رهينة لغزة والضفة والمشروع الوطني. إن الفصائل الوطنية والفلسطينية تدرك أن انتفاضة القدس هي إرادة وفعل شعبي بامتياز لكن هذا الفعل انطلق من تحت العباءة الفكرية والسياسية للفصائل المجاهدة والتي دفعت أقمارا أمثال ضياء التلاحمة ومهند الحلبي من اطلاق صرخة هذه الانتفاضة. ويبقى الآن الهم الرئيسي لهذه الفصائل المجاهدة في كيفية توسيع دائرة الانتفاضة شعبيا وجغرافيا لتصبح ساحة لكل فئات الشعب الفلسطيني وعلى كل محاور الاحتكاك مع العدو. وأن الفصائل التي تتشرف بدعم وإسناد هذه الانتفاضة سوف تتحمل الواجب الأخلاقي والوطني في القيام بأعباء تكلفة هذه الانتفاضة المادية لأنها تدرك أن هذه الانتفاضة تمثل روحا جديدة تسري في المشروع الوطني.

إن استدعاء القوى العربية والإسلامية الشعبية والحزبية لتبني هذه الانتفاضة يبقى أيضا واجبا على عاتق القوى الوطنية والإسلامية في فلسطين وأن نرفض جميعا أن تكون هذه الانتفاضة ملفا للتفاوض حولها وعليها. أمر في غاية الأهمية الاستراتيجية هو كيفية تحويل أجهزة الأمن الفلسطيني من راعية للتسوية إلى مكون رئيس للانتفاضة، ومن هنا تأتي أهمية دفع العشرات من أمثال الشهيد عربية للقيام بقتل هذا العدو ورفض التنسيق، والفصائل قادرة على دفع مناصريها لنيل هذا الشرف. الانتفاضة منحة من الله سبحانه وتعالى للشعب الفلسطيني كله، وعليه أن يتوحد في رعايتها والحفاظ على عافيتها وأن يكون شعارنا « نريد سلطة الانتفاضة لا انتفاضة السلطة ».