من الناحية الامنية

تحليل هل الانفصال عن الضفة الغربية قبل الاتفاق الدائم ممكن ؟

الساعة 09:23 ص|06 ديسمبر 2015

بقلم: جلعاد شير وافنير هليفي

نظرة عليا« ، مركز بحوث الأمن القومي،  جامعة تل أبيب، تشرين الثاني 2015.

       صرح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهوفي زيارته الاخيرة لواشنطن، ان »خطوة احادية الجانب مع الفلسطينيين هي بالتأكيد ممكنة ولكن شريطة ان يتم الاخذ بالحسبان الحاجات الامنية لاسرائيل وان يشتمل ذلك على موافقات دولية تحظى بدعم واسع". على اية حال، فمن المهم ان يتم دراسة هل يمكن ضمان الامن حتى في إطار انفصال احادي الجانب بمبادرة من اسرائيل.

          ان الانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، هو اجراء من دون إطار اتفاق دائم وخطة بديلة للوضع الذي يتبين فيه بصورة واضحة انه لا يمكن الوصول قريبا الى اتفاق كامل مع الفلسطينيين على اساس مبدأ حل الدولتين لشعبين.  مضمون مثل هذا الانفصال، هو لترسيخ حدود مؤقتة تخلق امرا واقعا لدولتين قوميتين، من دون إحباط إمكانية الاستمرار في المفاوضات، ومن خلال تحسين واقع حياة الفلسطينيين لحين احراز الاتفاق. الانفصال الاحادي، كما هو الحال في اي إتفاق جزئي او اتفاق مؤقت، يشمل على ما يبدو إخلاء حوالي 100 الف من المستوطنين من المستوطنات التي تقع خارج الجدار الامني/ بحد اعلى من بين 380 الف اسرائيلي يقيمون خارج الخط الاخضر، وان تبقى التجمعات الاستيطانية الكبرة في مكانها، حيث يتواجد فيها العدد الاكبر من المستوطنين. نقطة الانطلاق للنقاش هي انه على اجراء كهذا من الانفصال الاحادي عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، ان يضمن الامن الشخصي لمواطني اسرائيل والامن القومي بشكل عام، وذلك لكي يصبح هذا الاجراء ممكنا.

          بسبب طبيعة المساحة الضيقة بين الضفة الغربية ومراكز التجمعات السكانية والعمق الاستراتيجي فإن اسرائيل تظل عرضة لاطلاق النار والعمليات الاخرى انطلاقا من هذه المناطق. ولذلك، فإنه يتوجب على الجيش الاسرائيلي ان يبقى مسؤولا عن الامن بها طالما لا يوجد ترتيبات امنية متفق عليها مع الفلسطينيين. فعلى العكس من غزة، فإن نموذج المحافظة على الامن في الضفة الغربية يجب ان يبنى اساسا على المنع المسبق للارهاب وعلى محاربة الارهاب كما هو مطلوب وان يتم تقليل الاعتماد على الردع. وان هذا يتطلب منع بناء بنى تحتية ارهابية تتيح تطوير او تهريب الوسائل القتالية، التسليح، المواد مزدوجة الاستخدام والمساعدات والمدربين من الخارج. من اجل ذلك، على الجيش الاسرائيلي ان يستمر بعزل غلاف الضفة الغربية: المحافظة على السيطرة الاسرائيلية الامنية في غور الاردن، والمعابر مع الاردن، والمعابر من الضفة الغربية الى اسرائيل، وكذلك على المجال الجوي لهذه المناطق. في إطار هذا الوصف يتم المحافظة على القدرة الاستخبارية من اجل إحباط الارهاب والعنف ومحاربتهما حسب المطلوب. وفي سيناريو اشد خطورة كمحاولة حماس السيطرة بالقوة على مناطق الضفة الغربية، فإن اسرائيل سوف تمنع مثل هذه السيطرة، ويجب ان توضح مسبقا ان هذه هي نيتها.

          وعدا عن الحاجة لمنع الارهاب من الضفة الغربية، فإن للاعتبارات الامنية الاستراتيجية الاسرائيلية مكان رئيسي على ضوء انعدام الاستقرار السياسي في الشرق الاوسط والتحديات الامنية التي من شأنها ان تتطور لتصل من الشرق الى الاردن. ان الامن الاستراتيجي يستوجب استمرار سيطرة الجيش الاسرائيلي على غور الاردن، وان يحافظ على المرونة الفاعلة المطلوبة. وذلك، طالما لم يتم إحراز اتفاق امني ملائم مع الفلسطينيين و/ او ترتيبات امنية اقليمية مناسبة، وطالما لم يطرأ تغيير جوهري واساسي على مستوى الاستقرار الاقليمي.

          وكجزء لا يتجزأ من الرؤية الامنية الضرورية، هناك الاجراءت غير العسكرية. وهذه مطلوبة لمساعدة السلطة الفلسطينية على إقامة نظام مستقر وسيطرة فاعلة، ومن اجل إضعاف جذور الارهاب والتهديد الامني في مناطقها وللمساعدة من خلال ذلك في تحقيق المفاوضات للتوصل الى اتفاق دائم. وهذه الاجراءات الاساسية، تتمثل في تقليص تدخل الجيش الاسرائيلي والادارة المدنية في نسيج الحياة المدنية للفلسطينيين، ونقل غالبية الصلاحيات المدنية التي ما زالت بأيدي اسرائيل الى السلطة الفلسطينية بالتنسيق معها، ومنع حدوث ازمة اقتصادية في الضفة الغربية  عن طريق تسهيل حرية الحركة والتنقل الاقتصادي للفلسطينيين، وتشجيع رجال الاعمال الفلسطينيين بالتعاون مع عناصر فلسطينية وعناصر خارجية، وكذلك طرح مقترحات للشراكة والمساعدة من اسرائيل في بناء بنية تحتية اقتصادية للدولة الفلسطينية.

          بالاضافة الى ذلك، فمن اجل تعزيز شرعية السلطة الفلسطينية في اعين جمهورها يتوجب على الجيش الاسرائيلي ان يقوم وبالتدريج وبصورة مراقبة بتخفيض الاسلوب الذي يعمل بموجبه من اجل ضمان الامن في الضفة الغربية، طالما استمر التنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية ولا يوجد اي اندلاع لموجات عنف من هذه المناطق. في هذا الاطار يكون هناك حاجة للانتقال بالتدريج وبحذر لمستوى منخفض من تواجد الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية وخاصة في المناطق الفلسطينية المأهولة. وذلك وفقا لخطة عملية يستخدمها الجيش الاسرائيلي تتركز قدر المستطاع على نشر قواعد عسكرية بالقرب من محاور الطرق الرئيسية ولمناطق الغلاف، وتنتقل بصورة مراقبة الى الرقابة والسيطرة عن بعد. هذه الخطوات يجب ان تتخذ وان يتم احتسابها في إطار الاعتبارات المتعلقة بإجراء الانفصال، مثل مراحل تنفيذ عملية اخلاء المستوطنين والوضع الامني السائد، ومن خلال المحافظة على القدرة العملياتية للعودة والعمل في عمق المنطقة حسب المطلوب. واذا تم وخلافا للمطلوب، وان اوقفت السلطة التعاون الامني مع اسرائيل كرد على الاجراء الاحادي الجانب، فإن الامر سوف يثقل على تنفيذ الاجراء ويستوجب تحمل مشاق الرؤية الامنية. وكلما تقدم الاجراء الامني بصورة ناجحة، يكون بالامكان دمج خطوات اضافية، مثل: نقل الصلاحيات الامنية للسلطة الفلسطينية في مناطق (ب) ومناطق (ج)، التي لم يتبق بها مستوطنات اسرائيلية، وكذلك إعادة دور مدني معين على المعابر مع الاردن للفسطينيين، ودمج مراقبين دوليين في عمليات الفحص الامني على المعابر، وكل ذلك مع الابقاء على الصلاحيات الامنية العليا في المعابر بايدي الاسرائيليين.

          وهناك تحدي امني داخلي يتمثل بمواجهة الانقسام الكبير للمجتمع الاسرائيلي حول موضوع تقسيم ارض اسرائيل ومستقبل الضفة الغربية. وهناك تخوف من القيام باعمال عنيفة من قبل الاسرائيليين ضد مبادرة الانفصال الاحادي او ضد إ خلاء مناطق ومستوطنات، وخاصة عندما يدور الحديث عن خطوة لا تتم في إطار اتفاق دائم. مثل هذه التصرفات متوقعة من اللحظة التي يتم فيها طرح فكرة الانفصال الاحادي، او اي اتفاق جزئي، للنقاش العام او الحكومي، وان تستمر الى ما بعد البدء بعملية الاخلاء، وخلالها، وكذلك بعدها. ان الاعمال العنيفة من شأنها ان تكون ضد اليهود وضد العرب، وان تتم في القدس، وفي حدود الخط الاخضر، او في الضفة الغربية، وان تكون موجهة ضد الاشخاص، وضد المجموع، ضد افراد او ضد الجيش الاسرائيلي. ان بناء رد مناسب لمثل هذا الخطر يستوجب التخطيط والاستعداد لذلك بشكل مسبق من خلال عمل هيئة اساسية وشاملة للجهات الامنية ذات العلاقة بالموضوع.

          في الرؤية الامنية التي وردت اعلاه يوجد تخطيط امني للانفصال احادي الجانب عن الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية وردا مناسبا ومدروس لمسألة الامن، وهي ذو صلة للاتفاقات الجزئية او الاتفاقات المؤقتة الاخرى، التي لا تصل الى درجة الحل الدائم. بالاضافة الى ذلك، يكون من المطلوب جدا ضم هذه الرؤية الى جهد التوصل الى اتفاق بعيد المدى عن طريق خطوات لتحقيق وقف لاطلاق النار بعيد المدى وتحسين مراقب للوضع في القطاع – هدفان مطلوبان لاسرائيل من الناحية السياسية والامنية. ومن المؤكد هنا ان هذه الرؤية الامنية لا تتطرق للترتيبات الامنية الشاملة المطلوبة للاتفاق الدائم، والذي يتطلب لمصلحته ترتيبات مختلفة.

          ضمن هذا الوصف، فإن الانفصال عن الضفة الغربية يتختلف بشكل جوهري عن الانفصال عن قطاع غزة. فعلى المستوى المدني – فإن الاخلاء هو جزئي من دون التجمعات الاستيطانية الرئيسية، والتي يقيم بها غالبية المستوطنين، والتي ستبقى في مكانها. وعلى المستوى السياسي – فإن السلطة الفلسطينية ستستمر في كونها شريكا، والمفاوضات معها من اجل التوصل الى اتفاق دائم سوف ستستمر، اذا كانت هي مهتمة بذلك، ولكن ليس مع حماس. وعلى المستوى الامني – فإن الجيش الاسرائيلي سيظل في الضفة الغربية ويستمر في تحمل المسؤولية الامنية، على الرغم من الثمن السياسي المرتبط بذلك على الساحة الدولية، وخاصة الامتناع المتوقع من قبل العديد من الجهات لدعم مثل هذا الاجراء، بأن اسرائيل فعلا انفصلت عن الضفة الغربية وان الاحتلال توقف.