خبر الانتفاضة... نحب الحياة... لكننا نحب الأرض أكثر ..د. فايز رشيد

الساعة 10:21 ص|26 نوفمبر 2015

■ يروجّون عن شبابنا الفلسطيني المقاوم بأنهم يقدّسون «ثقافة الموت» ولذلك، تراهم يذهبون إلى الموت، وهم يائسون زورا وبهتانا هذه الأقوال.

لا يدركون، أن الفلسطيني بحكم ظروف تشرده ومعاناته، هو أكثر شعوب الأرض عشقا للحياة. كثيرون من شبابنا، ذكورا وإناثا، استطاعوا الهرب بعد قيامهم بعملياتهم البطولية المقاومة. آخرون لم يستطيعوا، كما أن بعضا من الشهداء لم يكن في نيّتهم/نيّتهن القيام بعملية طعن للجنود، ولكن إمعانا في ما بعد الفاشية الصهيونية الحاقدة على كل ما هو فلسطيني، عربيا وإنسانيا، رأينا حالات جنود صهاينة يقتلون الشاب/الفتاة ثم يرمون سكينا بجانبه/بجانبها. كما أن عديدين طُعنوا لمجرد شك الجنود بهم، وبأنهم سيقدمون على عمليات طعن، وهذا هو الإعدام على النوايا.

نعم، يحب شعبنا الحياة ويعيش الأمل بتحرير الأرض، وأن يحيا بسعادة، حرا طليقا كما كل أبناء وبنات وأطفال شعوب العالم الأخرى، ولكن إذا كانت التضحية بالنفس هي الطريق الوحيد للخلاص من الاحتلال، ولا طريق غيرها.. فإن معظم أبناء شعبنا يبذلون أرواحهم في سبيل أرضهم وحقوق شعبهم الوطنية، ورفاهية أجياله القادمة من الفلسطينيين. الفلسطيني ومنذ الاحتلالات المتعاقبة على أرضه، خاصة الصهيوني منها، هو مشروع شهيد، فشهية عدونا مفتوحة، بل نهمة لقتل كل الفلسطينيين عن بكرة أبيهم، لذلك تمنوا ويتمنون «لو يبتلع البحر غزة»، وينزعجون من «صباح كل يوم يولد فيه طفل فلسطيني».. هم حتى يودون إخفاء كلمة «فلسطين» من قواميس اللغة، لأنها تذّكرهم باغتصابهم للأرض، بمشروعهم الدخيل، بزيف أساطيرهم، وبأن الطفل المولود سيقاتلهم يوما من أجل حقوق شعبه، بالتالي يدركون «أنهم العابرون في كلام وصفحة تاريخية عابرة».

الأم الفلسطينية هي اكثر أمهات الدنيا حبا لأبنائها وحرصا عليهم، لكنكم بالتأكيد تعرفون الخنساء، التي أحبت ابناءها وظلّت تبكيهم طوال ما تبقى من عمرها، بقصائد مبكية لمن يسمعها حتى اللحظة، لكنها قدّمتهم فداء لهدف نبيل.

المرأة الفلسطينية منذ مئة عام، عانت وتعاني قهرا وطنيا وحرمانا ومعاناة لا تتحملها الجبال، بسبب الاحتلالات للأرض الفلسطينية، ومع ذلك لا تسترخص ذهاب ابنها في عملية مقاومة لأعداء التاريخ والإنسانية والحياة، من السوبر فاشيين الصهيونيين الجدد. الأم الفلسطينية تبكي دما ودمعا على كلّ ابن لها يستشهد، تعيش مدى حياتها حزينة على ذكراه… تفديه لو استطاعت بروحها بدلا منه. الأم الفلسطينية يا سادة هي أم أولا وأخيرا.. فارحمونا بالله عليكم من تقييماتكم البائسة: بأنها تربي ابنها على ثقافة تقديس الموت، وأنها تدفعه دفعا للذهاب إلى العمليات، وأنها تفرح وتزغرد بعد استشهاده.. إلى آخر الترّهات على هذا المنوال نقول لكم: الام الفلسطينية إنسانة.

ليس الفلسطينيون من ابتكروا ما يسمى بـ»العمليات الانتحارية» أو «الاستشهادية» أو ا»الذهاب إلى الموت»..الخ، بل مارسها الاسماعيليون (الحشاشون)، اليابانيون (عمليات الكاميكاز)، السوفييت في الحرب العالمية الثانية. شمشون هدم المعبد على نفسه وعلى دراجون، في القرن الحادي عشر ق.م.. وغيرهم كثيرون. من عاش/يعيش ظروف الاحتلال الاقتلاعي للفلسطيني والسارق للأرض يوميا، والمحاول إذلال الفلسطينيين وقهرهم، يدرك استحالة تحمّل أساليبه اللاإنسانية، باختصار، هم يذبحون شعبنا بدم بارد.

هؤلاء المقصودون.. كما كل واصفي نضالات شعبنا الفلسطيني وانتفاضته الشعبية الحالية بــ»اليأس» و»الإحباط» هم المُحبِطون والمُحبَطـــون، هم ليسوا من شعبنا ولا أمتنا، هؤلاء لا يعرفون ما هو النضال التحرري، ولا أساليب حرب المقاومة الشعبية، لأنهم لم يقرأوها بالفعل، لو أن الشعوب الأخرى بحاجة إلى مقاومة واحدة.. فإننا بحاجة إلى عشر مقاومات، نتيجة لاستثنائية عدونا الاستيطاني، التهويدي، التهجيري والاقتلاعي الإحلالي الصهيوني السوبرفاشي حتى العظم. ماذا تريدون منا وهم يحرقون أطفالنا ويدمرون بيوتنا ويستبيحون مقدساتنا ويقتلعون أشجارنا؟ هل نرميهم بالورود؟ إذا كنتم عاجزين عن القتال فدعونا نقاتل، والزموا الصمت أمام عبق دم الشهادة الفلسطينية المقدس والطاهر. ما من رفاه أو حياة في ظل الاحتلال، تماما كما لا حياة ولا تعايش بين الجسم الإنساني والسرطان الخبيث. قلناها سابقا، إن مقاومة اللاعنف التي استخدمها غاندي ضدّ الاحتلال البريطاني للهند، لا تنسجم مع طبيعة عدونا الفاشي.. حتى هذه السياسة ولّدت الكثير من اللااستقرار والاضطرابات، وأسالت الكثير من الدماء، حتى أدّت إلى مجازر في الهند، ناهيك عن السجون ومواجهات الشوارع بين الشعب والقوات البريطانية. إن استراتيجية المقاومة الشعبية، وجعل العدو لا ينام الليل، وخرق كل ما يضع من قوانين، وتحويل احتلاله إلى مشروع خاسر بالمعنيين الديموغرافي (قتل جنود الاحتلال) والاقتصادي المُكلف، هي عوامل تصب في مجرى الانتفاضة الناجعة، في ظل ظروف الاحتلال الفريد من نوعه بالمعنى التاريخي. ماذا يريد هؤلاء من شعبنا حين تتواصل اعتداءات الجيش المحتل وقطعان المستوطنين والمستعربين ضده؟ خاصة الاعدامات الميدانية التي اتخذتها اسرائيل مؤخرا بحق أبنائه وبناته.

ما يثلج صدور الفلسطينيين في الوطن والشتات، هذه المظاهرات الرائعة في أوروبا وباقي أنحاء العالم، للتضامن مع نضالات شعبنا. جميع التظاهرات تطالب حكومات بلدانها، بوقف دعمها للحكومة الإسرائيلية، والكف عن تبرير انتهاكاتها المتواصلة لحقوق الإنسان في فلسطين. كما يرفع المتظاهرون أمام السفارات الإسرائيلية والأمريكية في مختلف انحاء، شعارات تطالب بالعدالة للفلسطينيين، ورفع أيدي الإسرائيليين عن المسجد الأقصى، كما تهتف بشعارات ضد ما يصفونه بالعمليات الإجرامية التي يقوم بها المستوطنون بحق الفلسطينيين أمام أعين شرطة الاحتلال. نعم، وتدعو هذه التظاهرات إلى مقاطعة إسرائيل.

نفتقد للأسف التظاهرات العربية في معظم العواصم العربية (باستثناء التي جرت وتجري بشكل قليل) وهذا أضعف الإيمان. نعم، إن النخب العربية كما الأحزاب من مختلف الاتجاهات تعقد مؤتمرات التضامن مع شعبنا، ومع تقدير ذلك، لكنه لا يضاهي ولو جزءا بسيطا مما يقوم به العالم. انتفاضة شعبنا بحاجة إلى تضامن عربي معها يتخذ أشكالا متعددة، سياسية، مادية، تضامنية معنوية، فالبيانات جميلة لكنها بحاجة إلى آليات تطبيق على الأرض.

للعلم الدفاع عن فلسطين في وجه الصهيونية، هو دفاع عن المستقبل العربي برمته والدول العربية منفردة، لأن المشروع الصهيوني يطال كافة الدول العربية بلا استثناء، من شمال العراق إلى جنوب السودان.. مرورا بإسقاط الطائرة المدنية الليبية، والهجوم على منطقة حمام الشط في تونس، اغتيال الشيد أبو جهاد، وتصدير آفة القطن إلى مصر، تدمير المفاعل النووي العراقي والهجوم على أهداف في سوريا، واغتيال الشهيد غسان كنفاني والشهداء الثلاثة، كمال عدوان، كمال ناصر وأبو يوسف النجار في بيروت، واغتيال الشهيد محمود المبحوح في دبي… وغير ذلك الكثير. تخطئون إخوتنا العرب إن تصورتم أن مشروع العدو سيقتصر فقط على الحلقة الفلسطينية، فأنتم والحالة هذه لا تقرأون التاريخ، وتجهلون طبيعة عدو الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

المجد لشعبنا المصمم على طرد محتلي أرضه، واستعادة كل حقوقه كاملة غير منقوصة، والخلود لشهدائنا. نعم، لن نموت ولكننا.. سننتزع الموت من أرضنا. نحن لا نقدس «ثقافة الموت».