خبر انتصار ساحق لاردوغان في تركيا: -هآرتس

الساعة 09:43 ص|02 نوفمبر 2015

فلسطين اليوم

رئيس واحد لشعبين

بقلم: تسفي برئيل

 (المضمون: نتائج الانتخابات في تركيا ستُمكن اردوغان من اقامة حكومة الحزب الواحد، الامر الذي سيُمكنه ايضا من تغيير الدستور وتحويل الرئيس الى القائد الاعلى وادخال الدين في الدولة - المصدر).

 

          لم تفتح قيادة حزب العدالة والتنمية والرئيس اردوغان زجاجات الشمبانيا هذه الليلة لانهم متدينون، لكن لديهم جميع الاسباب لفعل ذلك. ومراهنة اردوغان على الذهاب الى انتخابات جديدة في تركيا نجحت اكثر مما هو متوقع. اذا كانت النتائج الحقيقية لفرز الاصوات ستبقى كما هي فانها تشير الى حصول الحزب على 10 بالمئة اضافية على الاقل مقارنة بالانتخابات التي جرت في 7 حزيران – وبالتالي سيكون للحزب اكثر من 50 بالمئة من الاصوات. نسبة التأييد المرتفعة ستُمكنه من اقامة حكومة حزب واحد دون الحاجة الى الائتلاف، وهكذا يستطيع اردوغان التقدم وتعديل الدستور الامر الذي سيجعله رئيسا حسب النمط الامريكي.

 

          يوم متوتر من قضم الاظافر والضرب والاعتقالات والشكاوى حول تجاوزات في الصناديق ومقاطعة الانتخابات في قرية صغيرة. ايضا بعد اغلاق الصناديق وبدء عملية الفرز لم يتلاشى التوتر. هل سيدخل الحزب الكردي الى البرلمان أم سيبقى هذه المرة في الخارج؟ هل حزب العدالة والتنمية سيتجاوز 330 مقعدا في البرلمان، واذا حدث هذا فهل سيحصل على الـ 400 المطلوبين من اجل منح الرئيس اردوغان الصلاحيات التي يريدها بدون استفتاء شعبي؟ هل ستبدأ تصفية الحسابات؟.

 

          هذه الاسئلة ما زالت مفتوحة طالما أن فرز الاصوات لم ينته، ويجب انتظار فرز الاصوات لمعرفة اذا كان الحزب الموالي للاكراد قد تجاوز نسبة الحسم التي تبلغ 10 بالمئة، الامر الذي سيحدد عدد الاصوات الزائدة وعدد المقاعد التي سيحصل عليها كل حزب. حسب طريقة توزيع المقاعد المعقدة التي توجد في تركيا هناك امكانية لأن يحصل حزب العدالة والتنمية على أكثر من نصف المقاعد في البرلمان. وبالتالي ستكون أكثر من 330 مقعدا. اذا كانت هذه هي النتيجة النهائية فان الحزب يستطيع تغيير الدستور لكن من خلال استفتاء شعبي. لكن اذا كان عدد المقاعد النهائي 367 على الاقل فلن تكون حاجة الى الاستفتاء الشعبي، وهذا ما يسعى اليه اردوغان.

 

يمكن أن ننسب بعض النجاح لحزب العدالة والتنمية للاحداث التراجيدية الاخيرة التي حدثت في الدولة والعمليات التي قام بها نشطاء حزب العمال الكردستاني، والاعمال المنسوبة لتنظيم الدولة الاسلامية داعش، مثل المجزرة في مدينة سوروتش التي حدثت قبل اسبوعين في محطة القطار في انقرة. إن اعتبار جميع الاكراد سكان معادين قد ساهم في تراجع التأييد للحزب الكردي الذي تراجع من 13 بالمئة الى حوالي 10 بالمئة. ايضا الكثيرين من مؤيدي الحزب القومي الذي فقد أكثر من 4 بالمئة فضلوا اعطاء اصواتهم لاردوغان الذي ظهر كمحارب ضد الاكراد اكثر من رئيس حزبهم دولت بهتشالي. ومثل الدول الاخرى التي تعيش الحرب ضد الارهاب، يبدو أن المواطنين يتجندون تحت لواء قائد يشجع الاعمال العسكرية رغم أن هذا الامر ليس جديدا ولم يمنح الهدوء والامن.

 

          القوة السياسية التي فاز بها حزب العدالة والتنمية، خلافا لاستطلاعات الرأي التي توقعت 42 – 43 بالمئة، تحمل عدة بشائر جيدة وعدة تهديدات على الاقتصاد التركي الذي تراجع مؤخرا حيث تراجعت قيمة الليرة التركية الى مستويات غير مسبوقة، ونسبة البطالة تجاوزت الـ 9.5 بالمئة وتراجع الدخل من السياحة.

 

          مستثمرون اتراك وغرباء جمدوا في الاشهر الخمسة الاخيرة استثماراتهم وجمدوا المشاريع حتى يتبين أي حكومة ستنشأ في تركيا. عندما قرر اردوغان عدم الذهاب الى حكومة ائتلاف، واقامة حكومة مؤقتة واجراء انتخابات جديدة، دخل الاقتصاد التركي في حالة من الفوضى. وفي غياب اليقين أي نتائج ستأتي من الانتخابات الجديدة. كان يوجد خوف من غياب الاستقرار السياسي الذي قد يستمر لفترة طويلة. تركيا التي جربت حكومة الائتلاف التي دفعتها الى الافلاس لن ترغب في المقامرة. والآن تستطيع الاعمال في تركيا وخارجها أن تتنفس الصعداء. حزب العدالة والتنمية والرئيس اردوغان معروفان في تركيا كمسؤولين عن النجاح الاقتصادي في السنوات 2002 – 2012، هذا النجاح الذي أدى الى ازدهار كبير وارتفاع في مستوى الحياة وتضاؤل الديون الخارجية واستقرار البنوك.

 

          هذه النتائج اذا بقيت كما هي يجب أن ترضي الشركاء الاستراتيجيين لتركيا مثل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والحليفة الجديدة السعودية. هذه الدول يمكنها أن تكون مرتاحة حول الاتفاقات والتحالفات مع تركيا – مثل اتفاقية التعاون العسكري في الحرب ضد داعش التي وقعت، ومثل اتفاق كبح تدفق اللاجئين من تركيا الى اوروبا. نتائج مختلفة كانت تستوجب انشاء ائتلاف (أو الذهاب الى انتخابات اخرى كما كانت التقديرات في حال حصلت هزيمة) كان من شأنها أن تشوش على هذه الاتفاقات وتؤثر على الخطوات السياسية والعسكرية التي تحاول الولايات المتحدة القيام بها لا سيما في سوريا.

 

          لكن الى جانب تنفس الصعداء في الوسط الاعمالي والمجتمع الدولي، فان انتصار حزب العدالة والتنمية هو بشرى مريرة لاوساط كثيرة في تركيا. أولها وسائل الاعلام التي تعرضت لضربات قوية في السنوات الاخيرة، الامر الذي تصاعد عشية الانتخابات السابقة والحالية. فقد اعتقل وحوكم عشرات الصحفيين؛ اتحاد العمال والصحافة لعلي آيباك « كوزا آيباك » منع من قبل الدولة (في الاسبوع الماضي تم طرد المحررين الخمسة من وسائل الاعلام وعين بدلا منهم اشخاص تابعين لاردوغان)؛ اتحاد « دوان » الذي يملك مجموعة اخرى من وسائل الاعلام الناقدة، قد يكون هو الضحية القادمة، بعد أن تلقى ضربات من قبل اردوغان؛ ايضا عدد من الصحفيين الآخرين الذين لم يقفوا الى جانب النظام، يمكن أن يدفعوا ثمن انتصار اردوغان.

 

          الرئيس الذي لم يتردد في الهجوم على السلطة القضائية عندما قررت خلافا لموقفه، سيعود لينتقم منها ليس فقط بواسطة الاقالة وتغيير الاشخاص كما حدث في العامين الاخيرين، على خلفية قضايا الفساد التي تورط فيها وزراء وأبناء عائلة اردوغان. الرئيس التركي الذي ينوي تطبيق اصلاحات جوهرية في الدستور لن يتنازل عن حملة تعيينات جديدة حيث يضع مؤيدوه. موضوع الدستور ستحدث فيه ثورة. اذا استطاع الاستناد الى اغلبية برلمانية واضحة تمنح صلاحيات واسعة لرئيس الدولة – أي له. ويسعى اردوغان الى أن يكون رئيس اعلى، أي رئيس السلطة التنفيذية والقائد الاعلى للجيش، يعين الوزراء (مع أو بدون رئيس حكومة)، وقد يستطيع ايضا حل البرلمان. عمليا هذه الصلاحيات متوفرة وبشكل واسع لاردوغان، وخصوصا بسبب وقوف البرلمان الى جانبه مدة 13 سنة كرئيس للحكومة وكرئيس للدولة.

 

          لكن اردوغان يطمح كما يبدو الى تغيير المميزات التاريخية لتركيا التي ما زالت تُعرف في الدستور كدولة علمانية تعمل بناء على المباديء التي وضعها كمال اتاتورك. الاوساط العلمانية الليبرالية والاوساط الدينية التي لا تريد تغيير شكل الدولة تخشى من الثورة التي ستعيد تشكيل تركيا من جديد، وتربط بين الدين والدولة. فعليا تمت بضع خطوات في هذا الاتجاه مثل منع بيع الكحول للشباب، والامر الذي يمنع الكحول في الطيران الداخلي في الخطوط التركية؛ السماح للنساء بالظهور مع غطاء الرأس في الاماكن العامة أو طلب اردوغان من النساء التركيات بأن يلدن الكثير من الاولاد. لكن وضع الدين في مكانة رسمية يهدف ومن شأنه أن يؤثر على مضامين التعليم ومنح مكانة مهمة واولى للدين الاسلامي في التشريع.

 

          ستكون لنتائج الانتخابات تأثيرات حقيقية على طابع الدولة الديمقراطي، حيث أنه مع تشكيل البرلمان الجديد سيكون نفس الحزب ونفس الرئيس لمدة 17 سنة متواصلة. حيث أن السعي الى تغيير النظام والذين على رأسه، قد تلقى ضربة قوية. الطريقة الوحيدة للتأثير قد تنتقل الى الشوارع كما حدث في قضية بارك غازي في 2013، حيث اندلعت المظاهرات الكبيرة في شوارع تركيا ضد نية اردوغان تحويل البارك في اسطنبول الى مركز تجاري.

 

          علامة سؤال متكدرة تحلق فوق رؤوس الاقلية الكردية التي من المشكوك أن يدخل حزبها الى البرلمان. ايضا اذا تجاوز نسبة الحسم فان تأثيره سيكون هامشيا. والسؤال هو هل سيعود اردوغان الى مسار المصالحة مع الاكراد من اجل تهدئة الهجمات الارهابية التي رافقت فترة الانتخابات أم أنه سيلتصق بالخط القومي المعادي للاكراد.

 

          اذا قيل عن تركيا بعد انتخابات حزيران أنها تقف على مفترق طرق، فيبدو أن مفترق الطرق قد زال الآن، وبدلا منه يوجد مسار واضح: نظام رئاسي قوي يمثل نصف السكان فقط، دون خيار منظور لتغييره.