خبر خلاصات « إسرائيلية » وتوصيات بتغيير التعاطي مع القدس

الساعة 06:39 ص|21 أكتوبر 2015

فلسطين اليوم

تُشغل الانتفاضة الفلسطينية، بامتياز، ليس دوائر السلطة التنفيذية فحسب، سواء على المستوى السياسي المتمثل بحكومة بنيامين نتنياهو، أو المستوى التنفيذي المتمثل بقيادات الجيش والشرطة، بل أيضاً مراكز الأبحاث التي ترصد وتُقدّم توصياتها بناء على دراستها لمظاهر الانتفاضة ومميزاتها، للجهات المعنية، سواء قُدمت هذه التوصيات، بقنوات رسمية سرية، أم عبر صفحات المجلات العلمية والمواقع على الشبكة أو من خلال أيام دراسية.

وفي هذا السياق جاءت دراسة تقدير موقف لمعهد أبحاث الأمن القومي، وضعها الجنرال احتياط أودي ديكل، وتم نشرها أمس الثلاثاء. ويستهل ديكل دراسته في تقدير الموقف بالإقرار بأن انتفاضة القدس التي يُشكّل الشباب القوة المحركة لها، وهم شباب سكان القدس المحتلة، الذين يُبدون استعداداً للتضحية عبر وقوفهم أمام قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية.

ويعتبر ديكل أن الانتفاضة الفلسطينية، دحضت عملياً ونسفت ثلاث فرضيات أساسية عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، انطلاقاً منها وبالاعتماد عليها، أولها الاعتقاد بإمكانية المحافظة على الوضع القائم « الستاتيكو »، ليس فقط في المسجد الأقصى وإنما أيضاً في الوضعية الاستراتيجية الإقليمية لدولة الاحتلال لفترة زمنية طويلة، لأنه ستكون هناك إسقاطات وتداعيات أكثر سلبية لكل بديل آخر في الوضع القائم حالياً.

الفرضية الثانية التي نسفتها انتفاضة القدس هي القائلة بإمكانية عزل إسرائيل عن تأثيرات التحوّلات الحاصلة في العالم العربي، لا سيما تعاظم قوة الروح الراديكالية التي يبثها تنظيم « الدولة الإسلامية » وعناصر أخرى. أما الفرضية الثالثة فهي القول بأن القدس موحّدة بحدودها الواسعة (الموسّعة التي وضعها الاحتلال بعد العام 67 بضم قرى فلسطينية محيطة بها وجعلها جزءاً من القدس)، وأنها ستبقى كذلك.

وبحسب الجنرال ديكل، فإن هذه الفرضيات الثلاث التي نسفتها انتفاضة القدس، توجب وضع سياسة بديلة للتعامل مع الوضع الجديد الناشئ على الأرض في القدس، وإقليمياً في محيط إسرائيل المباشر. وقبل أن يعدد الخطوات الأربع التي يقترحها، يرصد ديكل أن الشباب الفلسطيني الثائر في القدس، يشعر حالياً بأنه هو المنتصر، فهو المبادر للعمليات وهو الذي تمكّن من زرع الخوف في نفوس الإسرائيليين، وهي مشاعر تؤثر سلباً على الحركة التجارية في إسرائيل.

في المقابل يقر ديكل بأن الوسائل والخطوات التي اتخذها الاحتلال ويتخذها لوقف هذه الانتفاضة، بدءاً بتغيير أوامر إطلاق النار وهدم البيوت وفرض القيود على حركة المقدسيين، وحتى التلويح بسحب البطاقات الزرقاء، لا تؤدي حالياً، إلى ضرب أو خفض الحماس والدوافع المحرّكة لهؤلاء الشباب، وبدلاً من ذلك خلقت شعوراً عاماً بأن إسرائيل تمارس عقوبات جماعية. كما بيّنت الأحداث أن قدرات ومفاتيح التأثير الإسرائيلية على شباب القدس محدودة وضعيفة للغاية، خصوصاً بعد أن قامت إسرائيل والسلطة الفلسطينية بكبح وتحجيم وقمع القيادات المقدسية المحلية ومنعت ظهور قيادات جديدة.

ويقترح ديكل أربع طرق لمواجهة الوضع الجديد في القدس، يصفها بأنها « خطوات لبلورة سياسة جديدة مطلوبة »، ثلاث منها للمدى القريب المباشر، وواحدة للمدى البعيد.

الخطوة الأولى التي يقترحها ديكل وتنطوي على نوع من التضليل، هي تشكيل لجنة تنسيق لتحديد وفحص « الستاتيكو » في المسجد الأقصى بمشاركة إسرائيل والأردن والولايات المتحدة و« ممثلي السكان الفلسطينيين » في القدس (أي يصبح الأقصى بحسبه شأناً مقدسياً محلياً) مع إمكانية دعوة دول عربية للمشاركة في اللجنة كدول مراقبة وليس كأعضاء، مثل السعودية ومصر والمغرب، وذلك بالاعتماد على رقعة المصالح المشتركة بين إسرائيل وبعض هذه الدول.

أما الخطوة الثانية، وهي أيضاً للمدى القصير، فتتحدث عن خطوات اقتصادية لمواجهة التراجع والتردي في النشاط الاقتصادي بفعل الأوضاع، وخصوصاً في القدس. وتبنّي سياسة كهذه يجب أن يشمل أيضاً وبموازاة ذلك، برامج وخططاً لتأهيل وإيجاد أماكن عمل للشباب الفلسطيني المقدسي الذي يعاني من البطالة واليأس وانعدام الأفق، وبالتالي هناك حاجة لاستيعاب « المتعلمين العرب » في وظائف مناسبة.

فيما تقوم الخطوة الثالثة، وخلافاً للجو الإسرائيلي العام المحرض على القيادات العربية في الداخل، على اتخاذ موقف مناقض تماماً يدعو بدلاً من التحريض والانتقاد لهذه القيادات، إلى ضرورة دمجها في عملة التفكير والتخطيط وصنع القرار، وخصوصاً أن هذه القيادات بحسب ديكل، تبدي لغاية الآن مسؤولية وتمنع اشتعال الأوضاع في الداخل. وهو يرى أن هناك حاجة لتكثيف الحوار مع هذه القيادات واستشارتها واتخاذ خطوات بالتنسيق معها لتهدئة الأوضاع.

أما الاقتراح الأخطر، والذي يبدو أنه يعتمد أيضاً على سلسلة جلسات عقدتها بلدية الاحتلال، فهو يتحدث عن مأسسة رسمية لفصل الأحياء الفلسطينية في القدس وإخضاعها لسلطة بلدية مستقلة يتم ضمها لشرقي القدس الأردنية مع توسيع منطقة نفوذ بلدية القدس العربية (التي كانت قائمة حتى العام 67). ومع أن ديكل يقول إن بالإمكان منحها حكماً ذاتياً مع حق الانتخاب لسكانها العرب، إلا أنه يقترح إبقاءها مع ذلك تابعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية وتحت رحمة ميزانياتها لتطوير الأحياء العربية فيها وذلك لتصحيح غبن كون 40 في المائة من سكان القدس المحتلة هم من الفلسطينيين العرب الذين يحصلون فقط على 15 في المائة من الميزانيات.

وبحسب ديكل، فإن إقامة مثل هذا الجسم سيخدم المصالح الإسرائيلية سواء استمر الوضع السياسي القائم أم تم التوصل إلى تسوية تقوم على دولتين لشعبين، مع وجود عاصمتين في محيط القدس. مثل هذه البلدية العربية ستسمح بنشوء وظهور قيادة فلسطينية محلية من أبناء الأحياء والقرى وليس قيادة تفرضها جهات من الخارج، وستعمل هذه البلدية المقترحة على تولي المسؤولية عن احتياجات السكان العرب في مختلف المجالات، وتكون صاحبة السلطة والتأثير على الشباب الفلسطيني الذي يفتقر اليوم لقيادة يخضع لها.

ولا ينسى ديكل أن يشير إلى أن إسرائيل لن تخسر من الترويج لمثل هذه الفكرة، لأنه في حال سعت السلطة الفلسطينية لإحباطها، سيثبت ذلك مرة أخرى أن السلطة تحبط كل فرصة عملية لتحسين الأوضاع في شبكة العلاقات المركبة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.