خبر المقاومة الفلسطينية الشعبية « البدائية » تستنزف إسرائيل.. عدنان أبو عامر

الساعة 08:50 ص|17 أكتوبر 2015

فلسطين اليوم

تقدم المواجهات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، لا سيما في الضفة الغربية والقدس وأراضي 48، دلائل إضافية على عودة الأساليب البدائية التي بادر إليها الفلسطينيون في أثناء انتفاضة الحجارة الأولى 1987، سواء عمليات الطعن أو الدهس، وبينهما إلقاء الحجارة والقنابل الحارقة، بعد أن تمكنت المنظومة الأمنية السائدة في الضفة الغربية من تجريدها من السلاح الناري، بمختلف أشكاله.

تعطي هذه العودة إلى الأساليب القديمة للمقاومة إجابة شافية على أنها كلما حاول المحتل الإسرائيلي اتباع تكتيك جديد، وقفت المقاومة له بالمرصاد، لتقطع الطريق عليه بإبداعها أساليب جديدة، ولو كانت قديمة، وهذا يفسر تزاحم الإبداعات الصغيرة، وإيجاد المقدمات للإبداعات الكبيرة، حيث استطاعت المقاومة التقاط هذه الإبداعات التي تفتقت عن العقل الجماعي الفلسطيني. واستناداً إلى ذلك، ما يجري في الأرض المحتلة، من نزول الشعب إلى معترك الانتفاضة، وهو لا يملك في البداية سوى إرادة المواجهة.

ويوماً بعد يوم، وليلة بعد ليلة، تمكن الفلسطينيون من تطوير أسلحتهم البدائية الشعبية وتحديثها، لتمسي أكثر فعالية من السابق، ولم ينتظر الشعب المنتفض حتى يصبح لدى غالبية مقاتليه أسلحة نارية، أو تحقق التوازن الاستراتيجي مع « الجيش الذي كان لا يقهر »، فساعة الانتفاضة أزفت، وليست مرهونة بوجود السلاح الناري أو عدمه، أو التوازن المختل دائماً لصالح الاحتلال، بل مرهونة بعوامل الانفجار الذاتي الفلسطيني.

وباستعراض أيام المواجهات، أخيراً، يمكن حصر أهم أسلحتها البدائية على النحو التالي:

أولاً: الحجارة

لجأت الجماهير الفلسطينية في تصديها للآلة العسكرية الإسرائيلية إلى استعمال أسلحة متعددة، أهمها: الحجارة، والمقاليع، والزجاجات الحارقة بأنواعها، والإطارات المشتعلة، والعصي، وكرات الحديد، والقضبان الحديدية، والمسامير وصفائح الصاج، والعبوات الحارقة، والسكاكين والأنابيب الزجاجية، وكرات القماش المشتعلة، لكن سلاح الحجر الأبرز في الأيام الجارية من أسلحة يمكن استخدامها في الصدام مع قوات الاحتلال.

وطالما أن مختلف أنواع الحجارة موجودة منذ القدم، فإن استخداماتها في المواجهات أخيراً أعطاها ملموسية أكثر في عملية التحديد، فهي كبيرة وصغيرة، حصباء الوديان المستديرة، بقايا طوب البناء، حجارة مقدسية ثقيلة، الحجارة التي تناسب المقاليع، وما يصلح للقذف من أعلى السطوح، والحجر المكور الأملس، والمخرشم، والمفرز، والصوان، كالحجارة الصغيرة المستعملة في أفران الحطب، وأغلب استعمالها في النقيفات.

كما استخدم الحجر، أخيراً، لإقامة الحواجز وإغلاق الطرق وبناء السواتر والمتاريس والكمائن، وإذا كان الأثر المادي لإلقاء الحجر لا يثير في الذهن صورة المعارك الملحمية، لكن رمزية التعبير مثقلة بالمعاني، فهي تمثل قوة التقابل بين الحجر والأسلحة المتطورة التي يملكها عدو يمتلك القنبلة النووية.

هذه العوامل وغيرها دفعت بأحد قادة الجيش الإسرائيلي إلى القول إن « جنرالات الحجارة أدركوا، بعمق حدسهم، أنهم وصلوا إلى المرحلة الثالثة من مراحل ماوتسي تونغ للثورة الشعبية، وتملكوا ناصية أسس التكتيكات الخاصة بالهجوم، وتطويق جناح الجيش، والكمائن والهجوم المضلل والتراجع التكتيكي ».

ثانياً: النقيفة والمقلاع

وسيلة من تكنولوجيا المواجهة الحاصلة، مكونة من مقبض على شكل حرف V أو رقم 7، يربط بها حبلان من الكاوتشوك المطاطي، فيهما قطعة من الجلد، يوضع فيها الحجر، ثم يتم إطلاقه بعد شد الحبلين، وتستخدم في قذف الحجر إلى مسافة أكبر، ومن يجيد فن التصويب ينجح بإحداث إصابات بين صفوف الجنود، وكثيراً ما تُشاهد دماؤهم تسيل، ويصرخون من الألم.

ومكونات النقيفة قطعتان من المطاط، متساويتان في الطول والعرض، طولها 40 سم، وعرضها 3 سم، بالإضافة إلى خشبة مأخوذة من شجرة ما على شكل Y أو علامة النصر، وقطعة جلد أو قماشة مستطيلة وصغيرة الحجم، مثقوبة من الجانبين لربط قطعتي المطاط بها، بحيث تكون هذه القطعة بعد التركيب حاملة الحجر الصغير الحجم.

تستخدم النقيفة في المواجهات الجارية ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه، ووسائط نقله المختلفة،

وتكمن أهميتها في الاستخدام غير المرئي، ما يربك قوات الجيش. وعلى الرغم من أن إصابتها بالعادة ليست قاتلة، إلا أنها تصيب بجروح قد تكون قوية، إذا كانت من مسافة قريبة، وكان الحجر قوياً، حيث يتراوح مداها بين 70 و120 متراً، وتعتمد على قوة الرامي، ونوعية المطاط المستخدم، فإذا كان من المطاط الجيد الليونة والقوي، يصل، أحياناً، إلى مدى أبعد قليلا، وكلما كانت المسافة قريبة، جاءت الإصابة أكثر فعالية وجدوى. فيما للمقلاع المواصفات نفسها، مع بعض التغييرات الطفيفة، توجد له قاعدة يوضع الحجر بداخلها، وله طرفان ممدودان، يقوم المقاوم بإدارته بصورة مكررة على شكل المروحة، بوضع عامودي، ثم يفلت أحد طرفي المقلاع، لينطلق الحجر بسرعة فائقة نحو الهدف.

 

ثالثاً: الحرائق والإطارات المشتعلة

ابتدعت قيادة المواجهات أسلوب الحرائق، في مواجهة السياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، خصوصاً المستوطنين، وللرد على طريقة التدمير المتعمد التي يقومون بها ضد الاقتصاد الفلسطيني، حيث يتعمدون إتلاف حقول القمح، واقتلاع أشجار الزيتون والحمضيات من مساحات شاسعة من الأراضي، وإحراق المرافق والمنشآت الزراعية والصناعية، بما في ذلك الغابات والمراعي.

اعتمد الفلسطينيون فتح جبهة واسعة، تطاول إحدى الخاصرات الرخوة للوجود الإسرائيلي في المناطق المحتلة، وأخطر تجسيدات الاحتلال ممثلة في الاستيطان، ففي وقت زادت فيه استفزازات المستوطنين، صعّدت الجماهير المنتفضة هجماتها على الشبكة الاستيطانية القائمة في المناطق المحتلة، من خلال: إحراق الغابات والأحراج والحقول التي سبق أن صادرها الاحتلال لخدمة الاستيطان، تدمير المنشآت الزراعية والصناعية، واقتلاع كروم العنب وبساتين الأشجار وإتلافها، تدمير خطوط الكهرباء والمياه التي تغذي المستوطنات، مهاجمة وسائل نقل المستوطنين بالقنابل الحارقة.

اندلعت حرب الحرائق في مناطق فلسطينية كثيرة، ما شكل دلالة أكيدة على توجه قيادة الأحداث إلى دفعها داخل حدود ما قبل خطوط 1967، ما جعل هذا الأسلوب ينال الاهتمام الأوسع لدى قادة الاحتلال الذين أصدروا التعليمات لطياري سلاح الجو عند التحليق بتدقيق المراقبة والملاحظة، وإبلاغ الجهات المختصة في الجيش فوراً عن وجود أية حرائق في أي مكان، لأن هذا الأسلوب عمل على تكبيد إسرائيل خسائر مادية كبيرة، فإشعال الحرائق ظاهرة قاسية جداً، هي عملية من السهل تنفيذها، ومن الصعب اكتشاف مرتكبيها، حتى إنها باتت توصف بـ« حزام النار ».

 

رابعاً: المتاريس والعوائق

أسلوب لجأت إليه المواجهات لإغلاق المداخل والشوارع في المدن والقرى والمخيمات، أمام آليات جيش الاحتلال ومركباته، ما ساعد الشبان ولجانهم الضاربة في توزيع مهمات الهجوم على القوات الإسرائيلية، ناهيك عن الانسحاب في الوقت المناسب، مع ضمان عدم نجاح مطاردتهم من السيارات والمدرعات العسكرية الاحتلالية.

اختلفت هذه العوائق والمتاريس بين المصيدة، وهي طريقة قديمة استخدمت في الغابة لصيد

« المنتفضون وظفوا زراعة المسامير على الطرق مع الإطارات المشتعلة، وبقع الزيت للقيام بعملية مقاومة واحدة، وفق ما اصطلح على تسميته »سلاح العوائق«

الحيوانات، وفي حقول الذرة لصيد الثعالب، وهو ابتكار فلسطيني خلاق، عكس مدى الإصرار على المقاومة، بحفر حفرة واسعة قليلاً، وعميقة كثيراً، في مساحة ما من ثلث الشارع الذي يعتقد أن الدوريات الإسرائيلية تمر منه، ثم تموه بشكل دقيق، بعد تغطيتها بالقش وأعواد البوص، وفي الثلثين المتبقين من الشارع تقام الحواجز، ليصبح المرور من الثلث الذي توجد فيه الحفرة المموهة إجبارياً.

وهناك المسامير، وهي سلاح ليس جديداً، لأنه استخدم منذ زمن قديم في الأراضي المحتلة، وأحد أهم استخداماته موجه ضد عجلات السيارات بهدف إعطابها، وعرقلة عملها، حيث تنصب المجموعات الضاربة، بعد توقف حركة سيارات الفلسطينيين، المسامير في أماكن معينة من الطريق العام الذي تستخدمه سيارات الاحتلال، وأعطت نتائج أولية لا بأس بها، بغرسها في الطرق مباشرة بعد نزع طبعاته، وزرعها في حبات البطاطا ونشرها على الطرق، ودق الكبيرة منها في قطع خشبية وتوزيعها على مسافات متفاوتة من الطريق، ووضعها في قطاع أنابيب الري البلاستكية السوداء. وقد قادت هذه التجربة المنتفضين إلى توظيف المسامير مع الإطارات المشتعلة، وبقع الزيت للقيام بعملية مقاومة واحدة، وفق ما اصطلح على تسميته »سلاح العوائق« ، المستخدم ضد دوريات الجيش وسيارات المستوطنين.

 

خامساً: حرب السكاكين

جزء من حرب الأسلحة الحادة المستخدمة باليد، وبشكل مباشر، ووجها لوجه، ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، ومنها: السكين، الخنجر، البلطات بالمقابض الخشبية، وأخرى بمقابض حديدية، وأخرى قصيرة ذات مقابض حديد ملحومة، عصي معدنية مع نهايات مدببة، أدوات طعن بمسامير وبدونها، مناجل وفؤوس، نصال الرماح، وشكلت السكاكين أكثر أسلحة المقاومة الشعبية استعمالاً بسبب وجودها في كل بيت، وتأثير استخدامها مهم جداً، ليس على صعيد

» للسكين تأثير سيكولوجي على نفسية الإسرائيلي الذي يرى ويعرف أن جنديه قتل بسكين، فيما هو يحمل بندقية آلية متطورة«

فاعلية ما يحدث عنها من قدرة القتل فحسب، بل ما يقوم به من تأثير سيكولوجي على نفسية الإسرائيلي الذي يرى ويعرف أن جنديه قتل بسكين، فيما هو يحمل بندقية آلية متطورة.

وأثار تزايد موجات الطعن بالسكاكين ضد جنود الاحتلال والمستوطنين على حد سواء الاهتمام بدراسة أهم خصائص هذا النوع الجديد من المقاومة ومميزاته، لأن اندلاعها جاء عقب تقلص أعمال الاحتجاج الشعبية، وتراجع الظاهرة الجماهيرية، ما أدى إلى التفكير بالانتقال إلى مرحلة العمل النوعي والمتميز، وشكلت حرب السكاكين أحد وسائلها وآلياتها.

ومن أهم الآثار الناجمة عنها أن حوانيت بيع الأسلحة في إسرائيل تشهد إقبالاً على شراء سلاح فردي للدفاع عن النفس، بعد تكرار حوادث الطعن، عقب حديث القادة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين عن عدم امتلاكهم حلاً سحرياً لوقف العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون بالسكاكين، لأن إبقاء السكاكين بعيدة عن أيدي الفلسطينيين صعب، فقوة الردع تضعف يوماً بعد آخر، والمفارقة أن إسرائيل قادرة على إعداد صاروخ »حيتس" الحديث المضاد للصواريخ، لكنها لا تنجح في تأمين سلامة مواطنيها أمام هجمات السكاكين.

 

سادساً: حوادث الدهس:

استخدم المقاومون السيارات ومركبات الأجرة في دهس جنود الاحتلال ومستوطنيه، خلال قيامهم بدوريات راجلة داخل المدن والمخيمات، وأمكن رصد عدد من محاولات الدهس التي نجحت، وأسفرت عن مقتل وإصابة عدد من الجنود. وأبدت أجهزة الاحتلال الأمنية تخوفها من تزايد عدد عمليات الدهس، متوقعة أن تنتقل العمليات من الكم إلى النوع، لاسيما مع وقوف أجهزة الشاباك والشرطة وحرس الحدود عاجزة عن وقف هذه العمليات التي أصبحت ظاهرة، كونها لا تتبع لتنظيم معين، وهي أعمال فردية. وبالتالي، لا تنفع معها الأساليب الأمنية، كزرع العملاء لتوقع حدوثها، ومما يزيد الأمر صعوبة على تحديد منفذي عمليات الدهس أنهم من فلسطينيي الداخل المحتل، ويحملون الهوية الإسرائيلية، ولا يمكن منعهم من تنفيذ عملياتهم.

أخيراً.. زخرت المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة بأنواع متعددة من الأسلحة التي استخدمها مقاتلوها، وشهدت تطوراً ملحوظاً، وجاء هذا التطوير النوعي لأدوات المقاومة في مواجهة المحتل الإسرائيلي متناسباً ومتناسقاً مع الفطرة البشرية التي زرعت في الإنسان، منذ بدء الخليقة، حين حرص على اختراع ما من شأنه توفير الحماية له، وسبل الدفاع عن نفسه.

ومنحت هذه الأسلحة البدائية حق المقاومة لكل أفراد الشعب الفلسطيني، فهذا يرفع متراساً، وذلك يشعل إطاراً، وثالث يصنع المولوتوف، ورابع يحفر خندقاً، وخامس يرش الأرض بالمسامير، بحيث تحولت الانتفاضة ورشة شعبية، يشارك بها الجميع.