خبر هدم بيوت الشهداء تعبير مكثف عن المشهد.. راسم عبيدات

الساعة 08:02 ص|11 أكتوبر 2015

انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي والمحطات الفضائية صورة لوالد الشهيد غسان أبو جمل « أبو معاوية »، وهو جالس على أنقاض منزل ابنه غسان الذي هدمته قوات الإحتلال يوم الثلاثاء الماضي، والصورة تظهر مدى الألم والحزن البادية على ملامح وجهه، وكذلك حالة الذهول والصدمة من الحقد الذي وصل إليه المحتل، فهم لم يكتفوا بإبعاد زوجة الشهيد وأطفاله الثلاثة الذين يحتاج اثنان منهم لرعاية صحية وعلاج دائمين، وما يقومون به من إقتحامات وإستفزازات شبه يومية بحق عائلة ابو جمل، ناهيك عن الإستدعاءات والاعتقالات المتكررة، بل وفي إطار إرهاب العائلة وإبقائها في حالة من القلق والخوف وعدم الإستقرار داهمت منزل الشهيد أكثر من مرة وطلبت من أهله إخلائه من أجل تفجيره.

وبقيت الأمور تراوح على هذه الحالة لعدة شهور،حتى جاء قرار« الكابينت » الإسرائيلي مساء الإثنين الماضي بتسريع هدم بيوت الشهداء، ولتأتي الى جبل المكبر قوة تزيد عن (1500) جندي وشرطي، مع ساعات الفجر الأولى مولدة انطباعاً عند الناس بأن الأمر يتعلق بإعادة إحتلال ليس المكبر فقط، بل القدس من جديد، حيث بدأت بحصار وعزل بلدة المكبر عن العالم الخارجي وحاصرت أحياء ابو جمل والجعابيص والأحياء المجاورة، وقامت قوات كبيرة بإخلاء العائلات المجاورة لبيت الشهيد غسان،اطفالاً، ونساءً وشيوخاً، ولتحاصرهم في العراء من خلال قوات كبيرة ضربت طوقاً عليهم، ولتشرع وحدات المتفجرات بزرع الديناميت في جدران منزل الشهيد غسان، حيث التفجيرات التي حصلت مسحت بالكامل بيتي الشهيد غسان وشقيقه معاوية، وأحدثت تصدعات كبيرة في البيوت الملاصقة والمجاورة، ناهيك عن التخريب المتعمد في السيارات المتوقفة حيث أطلق الجنود الرصاص المطاطي على زجاجها وقاموا بتمزيق إطاراتها،وما حصل في بيت الشهيد غسان تكرر في بيت الشهيد محمد جعابيص،وفي بيت الشهيد معتز في منطقة الثوري.

جلوس والد الشهيد غسان على أنقاض بيت ابنه غسان،لخص حجم الكارثة والمأساة والصدمة، حيث على أبواب فصل الشتاء التشرد في العراء لعائلات وأسر هؤلاء الشهداء.

ما قام به جنود الإحتلال بحق أسر هؤلاء الشهداء، يثبت بأن المسألة ليست فقط عقوبة جماعية وعملية انتقامية وثأرية، بل حقد على الإنسان الفلسطيني، مستمد مما اطلقته غولدا مائير في حينه عندما قالت بأن الكوابيس تلاحقها مع ولادة كل طفل فلسطيني، وقبل عدة أيام فقط قالت ما يسمى بوزيرة ثقافة الإحتلال المتطرفة ميري ريغيف« متى يتوقف هذا النباح الصادر عن كلاب محمد » المقصود الآذان المرتفع من المسجد الأقصى،وفي نفس السياق المتطرف يقول نفتالي بينت« على عباس ان لا يحلم بإطلاق سراح المزيد من »القتلة « و »الإرهابيين« .

نعم صورة والد الشهيد أبو جمل تعبير مكثف عن المشهد فما حدث هو أشبه ب »التسوناني« ويعيدنا الى مناظر مخيم جنين وحي الشجاعية في القطاع،ولذلك في ذروة الحدث وبلاغته ودلالاته، مطلوب من كل ابناء شعبنا وفي المقدمة منهم السلطة الفلسطينية وبالذات وزير شؤون القدس ومحافظها،وكل القوى والمؤسسات المجتمعية،ان تقوم بدورها تجاه عائلات هؤلاء الشهداء، فلا يجوز ولا يحق لنا ان نتركهم وحيدين بدون مأوى ورعاية، يجب أن يكون أبناء شعبنا حاضنة لهم، فهم ضحوا بأعز وأغلى ما يملكون فلذات أكبادهم الثمن الأغلى، والان يجري تشريدهم في العراء بنسف وتدمير بيوتهم، تلك الكارثة والمصيبة المتلخصة فيما يرتسم من هموم وحزن وألم وصدمة على تقاطيع وتعابير وجه والد الشهيد غسان أبو جمل الجالس على أنقاض بيت إبنه.

المشهد يا أبا غسان مربك ومرتبك، انا ادرك تماماً بأنك وأنت جالس فوق ركام بيت ابنك، كانت تدور في خلدك وفي ذاكرتك الكثير من الأسئلة،هل ستبقى بيوتنا ومقدساتنا مستباحة من قبل الإحتلال..؟؟وهل سيبقى شعار القدس عاصمة الدولة الفلسطينية،مجرد شعار يرفع للتغني والمتاجرة، ومن باب »الفرقعات« و »الهوبرات« الإعلامية..؟؟وهل سيبقى المقدسيون وحيدين في مقارعة الإحتلال..؟؟وألف هل وهل كانت تختمر وتعتمل في رأسك في تلك اللحظات.

ومن المؤكد ان الدموع غالبت عينيك وأنت ترى ما حل ببيت ابنك الشهيد الذي رحل، وتسأل بكل مرارة وألم، كم رحلة سنرحل يا غسان أنت ورفاقك وإخوتك الشهداء قبل ان نتمكن من العودة وتشييد بيتك من جديد ونزوج أبناءك في هذا البيت الذي ولدت وترعرعت فيه وأستشهدت من أجل ان يكون حراً هو وبيوت كل أبناء شعبنا المأسورة كأسر شعبنا بأكمله؟؟؟.

أبا غسان شعبنا تعود أن ينهض من تحت الرماد كطائر الفنيق،اكثر من مرة حاولوا أن يجهزوا عليه بالضربات العسكرية والمؤامرات والمشاريع السياسية،وأن يدمروا كل مقومات وجوده،ولكن هذا الشعب إستوعب كل الضربات، ومن بعد كل ضربة كان يخرج أقوى من السابق وأكثر إصراراً على نيل حريته وحقوقه، وأطفاله المدافعين عن أقصاه ومقدساته وقدسه، والذين حلم أحد مؤسسي وقادة الحركة الصهيونية بن غوريون بأن كبارهم سيموتون وهم سينسون، يقولون له ولكل قادة الحركة الصهيونية، هنا باقون، ولن نتخلى عن حقنا في العيش بحرية وكرامة كباقي أطفال بني البشر، والتاريخ يعلم بأن الإحتلال مهما طغى وتجبر وأمعن في الظلم والقهر، فهو إلى زوال، وما قام به من هدم لبيوت الشهداء وتدمير عدد آخر من البيوت المجاورة لها، وسن المزيد من التشريعات والقوانين العنصرية والجائرة والمخالفة لكل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، وكذلك المتعلق منها بحماية وحقوق الأطفال، هي علامات ودلائل إفلاس وليس قوة، فلا عقوبات جماعية، ولا تشديد أحكام جائرة ولا غرامات باهظة على اهالي الأطفال، ولا إعتقالات إدارية ولا إبعاد عن الأقصى والقدس ولا »توحش« و »تغول" الإستيطان ولا عربدة سوائب المستوطنين ستفرض على المقدسيين الإستسلام ورفع الراية البيضاء، فأهل القدس باتوا على قناعة بأنه لا خيار أمامهم سوى الصمود، فهم امام إحتلال ليس له هم سوى طردهم وتهجيرهم والإستيلاء على أرضهم.

أبا غسان يقول لكم لا هدم بيت غسان ولا بيت محمد ولا اغلاق بيت معتز ولا طردنا ولا تهجيرنا سيخضعنا ويذلنا، ولا عقوباتكم الجماعية ستخمد جذوة الصراع والتصعيد، فمن يريد للصراع ان يهدأ عليه أن يعترف بحقوقنا المشروعة ووجودنا.

أبا غسان لخصت وكثفت المشهد والرسالة من تلك القعدة على ركام بيت ابنك الشهيد غسان يجب ان تصل للمعنيين ويستوعبها الجميع.