خبر كيف يتم التخلص من الغواصات النووية ؟

الساعة 07:51 م|20 سبتمبر 2015

فلسطين اليوم

كانت الغواصات النووية لفترة طويلة هي المفضلة في الخيال الشعبي، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال العديد من الأفلام مثل (The Hunt for Red October) بالإضافة إلى المسلسل التلفزيوني الطويل (Voyage to the Bottom of the Sea)، حيث  الغواصات النووية تصور دائماً على أنها أداة حربية رائعة تعبر عن القوة الجيوسياسية للدولة المالكية، فهي تنزلق بهدوء في الأعماق القاتمة في مهمات سرية، وخطيرة، ولكن مع انتهاء عمرها الافتراضي، تصبح الغواصات عبارة عن خطر نووي عائم، تحتوي في أعماقها على الوقود النووي القاتل الذي لا يمكن إخراجه منها إلّا بصعوبة كبيرة، ولكن من جهة ثانية، يصعب على القوات البحرية النووية التعامل مع أساطيلها المتضخمة والقديمة من الغواصات النووية القاتلة التي تحمل الصواريخ البالستية والتي تعود إلى الحرب الباردة.

نتيجة لذلك، تم إنشاء عدد من أغرب المقابر الصناعية على كوكب الأرض، والتي تمتد من المحيط الهادئ شمال غرب الولايات المتحدة، مروراً بالدائرة القطبية الشمالية إلى موطن الأسطول الروسي في المحيط الهادئ في فلاديفوستوك.

تأخذ مقابر الغواصات أشكالاً عديدة، ففي بحر كارا شمال سيبيريا، أصبحت هذه المقابر عبارة عن مستودعات نووية، تفيض بمفاعلات الغواصات والوقود المتناثر الذي ينتشر إلى عمق 300 م في قاع البحر، ويبدو بأنه في هذه المنطقة كان الروس مستمرين في التخلص من غواصاتهم النووية حتى  أوائل تسعينيات القرن الماضي بذات الطريقة التي كانوا يتخلصون فيها من غواصاتهم التي تعمل بالديزل، وهي إلقائها في المحيط.

بقايا صدئة

في مستودع الخردة الخاص بغواصات الديزل حول خليج أولينيا شمال غرب شبه جزيرة كولا القطبية الروسية، يتكشف مشهد مذهل، هذا المشهد يتمثل بأنابيب الطوربيد الصدئة المكشوفة في الداخل، والأبراج المتآكلة والمقلوبة في وضعيات مختلفة وغريبة، والهياكل الممزقة وكأنها أصداف بحرية تحطمت على الصخور بفعل طيور النورس.

بحسب مؤسسة بيلونا النرويجية، والوكالة الدولية للطاقة البيئية التي يقع مقرها في أوسلو، فإن السوفييت حولت بحر كارا إلى “حوض مائي يفيض بالخردوات المشعة” حيث يمتلئ قاع البحر بحوالي 17,000 حاوية بحرية للنفايات المشعة، و16 مفاعل نووي، وخمس غواصات نووية كاملة، إحداها ما تزال مفاعلاتها ممتلئة بالوقود بالكامل.

تعتبر منطقة بحر كارا الآن مقصداً لشركات النفط والغاز، ولكن وتبعاً لـ(نيلس بوهمر)، مدير إدارة بيلونا، الحفر بطريق خاطئة في مثل هذه النفايات يمكن – من حيث المبدأ- أن يؤدي إلى اختراق حاويات المفاعلات، مما يؤدي بدوره إلى انبعاث المواد المشعة وانتشارها في مناطق الصيد.

عادةً ما تكون مقابر الغواصات الرسمية أكثر وضوحاً بكثير، لدرجة أنه يمكنك رؤيتها على خرائط جوجل أو (Google Earth)، فكل ما عليك فعله هو تكبير الصورة على منطقة أكبر مستودعات للخردوات النووية الأمريكية في هانفورد، في واشنطن، أو في خليج سايدا في شبه جزيرة كولا في القطب الشمالي، أو مرسى السفن بالقرب من فلاديفوستوك، ففي منطقة هانفورد يمكنك رؤية صفوف من الحاويات الصلبة الضخمة، التي يصل طول كل منها إلى حوالي 12م، كما يمكنك رؤية الحفر الترابية التي تنتظر الدفن الجماعي في المستقبل، وصفوف الحاويات وهي مرتبة على رصيف خليج سايدا، أو تطفو على مياه بحر اليابان، أو مربوطة إلى رصيف الميناء في قاعدة الغواصات الروسية في بافلوفكس، قرب فلاديفوستوك.

التخلص والإزالة

تعتبر عملية التخلص من الغواصات النووية عملية دقيقة للغاية، فأولاً، يتم سحب الغواصات المنتهية الصلاحية إلى منصة آمنة ليتم إفراغ حجرة المفاعل فيها من جميع السوائل والكشف عن الأجزاء المكونة للمفاعل النووي، ومن ثم يزال كل جزء منها ويوضع في حاويات للخردوات النووية، ووضعها في قطارات آمنة للتخلص منها في مستودعات للنفايات على المدى الطويل أو محطة إعادة المعالجة.

يتمثل هذا المرفق في الولايات المتحدة بمنشأة للمفاعلات النووية التابعة للبحرية في المختبر الوطني في أيداهو المترامي الأطراف، أما في روسيا فهناك مصنع “ماياك” لإنتاج البلوتونيوم وإعادة تدوير النفايات النووية في سيبيريا.

على الرغم من أن آلات المفاعلات النووية – مولدات البخار والمضخات والصمامات والأنابيب – لا تحتوي اليوم على  اليورانيوم المخصب، إلّا أن المعادن في هذه المفاعلات النووية جرى تخفيض إشعاعاتها أيضاً من خلال عقود من تسليط النيوترونات على ذراتها، مما أدى إلى تفتيتها، لذلك وبعد إزالة الوقود، يتم سحب الغواصة إلى أحواض جافة يتم فيها استخدام أدوات للقطع حيث تُفصل مكونات وأجزاء المفاعل عن هيكل الغواصة، إضافة إلى جزء مفرغ على كل جانب من جانبي المفاعل، وبعد ذلك يجري لحام سدادتين من الصلب السميك على الجانبين، ولهذا فإن الحاويات هي ليست عبارة عن أوعية وحسب، بل هي شرائح صلبة عملاقة ذات ضغط مرتفع من الغواصة النووية نفسها، أما ما يتبقى من هيكل الغواصة من أجزاء غير مشبعة، يتم إعادة تدويره فيما بعد.

تستخدم روسيا أيضاً هذه التقنية، لأن الغرب يخشى من أن ؤدي اتباع عمليات تفكيك غير صرامة إلى وضع المواد الانشطارية في أيدي غير صديقة، ففي خليج أندريفا، قرب سايدا، على سبيل المثال، لا تزال روسيا تخزن الوقود المستهلك من 90 غواصة تعود لفترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ولذلك بدأت مجموعة الدول الثمانية الكبرى، في عام 2002، برنامجاً يمتد على فترة 10 سنوات، وبكلفة 20مليار دولار، لنقل تكنولوجيا التخلص من الغواصات النووية إلى روسيا الاتحادية، حيث أن هذا سيساهم بشكل كبير في تحسين تكنولوجيا التخزين في منشأة تفريغ الوقود في سيفيرودفينسك ومنشأة تفكيكها، وبناء رصيف للتخزين البري للمفاعلات التي تم الاستغناء عنها.

الخطر العائم

تبعاً لـ(بوهمر)، الوصول إلى تقنية تخزين برية أكثر أماناً يعتبر من الأمور المهمة للغاية، وذلك لأن مخازن المفاعل ما تزال عائمة في خليج سايدا، حيث أن أجزاء المفاعل الجانبية التي امتلأت بالهواء جعلتها قابلة للطفو، وفي بافلوفكس قرب فلاديفوستوك ايضاً، لا تزال هناك 54 حاوية طافية تحت رحمة الظروف الجوية.

يضيف (بوهمر) بأن إجراء عملية التفكيك بهذه الطريقة لا تكون متاحة دائماً، كون بعض الغواصات السوفيتية تحتوي على المعادن السائلة لتبريد المفاعلات – وذلك عن طريق استخدام مزيج من رصاص البزموت لإزالة الحرارة من الداخل – بدلاً من المفاعلات التقليدية التي تستخدم الماء المضغوط (PWR)، ففي المفاعلات الباردة والمنتهية الصلاحية،  يتجمد مزيج الرصاص البزموتي، مما يحولها إلى كتلة صلبة يصعب التعامل معها، ولكن وتبعاً لـ(بوهمر)، فإن غواصتين من هذه الغواصات لا تزالان تحت الخدمة، لذلك كان لا بد من نقلها إلى حوض للسفن في مكان ناءٍ في خليج غريميخا، في شبه جزيرة كولا أيضاً، من أجل مراعاة احتياطات السلامة.

باستخدام طريقة وحدة المقصورات الثلاث، استطاعت روسيا إخراج 120 غواصة نووية من الخدمة حتى الآن من أسطول الشمال و75 غواصة من أسطول المحيط الهادئ، كما استطاعت الولايات المتحدة، في الوقت نفسه، تفكيك 125 غواصة تعود إلى حقبة الحرب الباردة بهذه الطريقة، واستخدمت فرنسا أيضاً الإجراءات ذاتها، أما في بريطانيا، فقد تم تصميم الغواصات النووية التابعة للبحرية الملكية بحيث يمكن إزالة وحدة المفاعل النووي فيها دون الحاجة إلى فصل أجزائها عن القسم الوسطي، حيث يشير متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية، بأن هيكل المفاعل النووي يمكن أن تتم إزالته كقطعة واحدة، وتغليفه، ومن ثم نقله وتخزينه.

المخاوف المائية

عبرت جماعات حماية البيئة عن مخاوفها بشأن تخزين الوقود في الولايات المتحدة، حيث يعتبر المختبر الوطني لولاية أيداهو المقصد النهائي الذي تستخدمه البحرية الأمريكية لدفن وقودها المستهلك منذ تصنيع أول غواصة نووية، والتي كانت تدعى (USS Nautilus)، في عام 1953، فتبعاً لـ(بياتريس برايليسفورد)، وهو ناشط في إحدى جماعات الضغط البيئية، منذ أن تم اختبار نموذج المفاعل النووي للغواصة (USS Nautilus) في مختبر أيداهو، أصبح هذا الموقع في أيداهو مقصداً لكل الوقود المستهلَك من المفاعلات التي تستخدمها البحرية، والمشكلة أنه يتم تخزين هذه النفايات تحت طبقة المياه الجوفية في منبع نهر (سنيك) الذي يعتبر ثاني أكبر تجمع للمياه الجوفية في قارة أمريكا الشمالية.

يضيف (برايليسفورد) بأنه يتم تخزين الوقود المستهلَك فوق سطح الأرض، ولكن يتم دفن بقية النفايات فوق طبقة المياه الجوفية، ويمكن لهذه الممارسات أن تستمر لمدة نصف قرن آخر من الزمن، مما سيشكل مصدر قلق للكثير من الأشخاص في ولاية ايداهو، فالمياه الجوفية ليست هي الشيء الوحيد الذي سيكون في خطر، بل أيضاً محاصيل الدولة، والبطاطا ستتأثر أيضاً.

على الرغم من اتخاذ أقصى إجراءات الأمان المشددة، إلا أنه يمكن للمواد المشعة أن تتسرب أحياناً، وقد يحدث ذلك في بعض الأحيان بطرق غريبة، فعلى سبيل المثال عانى كل من مختبر ايداهو القومي، ومختبر هانفورد من إشعاع غير عادي انتقل بفعل الأعشاب التي تتطاير بذورها وأجزاؤها قرب برك تبريد النفايات، بعد أن التقطت الماء الملوث، ومن ثم نقلتها الرياح إلى محيط المنشأة.

إن الإجراءات المكلفة وطويلة الأمد التي يجب تطبيقها لجعل الغواصات المنتهية الصلاحية آمنة، لا يبدو بأنها تثني المخططين العسكريين عن بناء المزيد من الغواصات، فتبعاً لـ(ايدوين ليمان)، الخبير في الشؤون النووية، بالنسبة للقوى البحرية في الولايات المتحدة فإنها ترى الغواصات النووية نجاحاً كبيراً وبديلاً عن الغواصات الموجودة في الخدمة.

والولايات المتحدة ليست وحدها، فروسيا لديها أربعة غواصات نووية جديدة قيد الإنشاء في سيفيرودفينسك وقد تبني أكثر من ثمانية أخرى قبل عام 2020، وتبعاً لـ(بوهمر) على الرغم من أن ميزانية روسيا الدفاعية محدودة نوعاً ما، إلّا أنها لا تزال مصرة على بناء أسطولها النووي مرة أخرى، والصين تقوم بالمثل، لذلك يبدو بأن مقابر الغواصات النووية ومدافن وقودها المستهلَك ستظل تنتشر على الدوام.