خبر من الصحافة إلى الدعاية .. معاريف

الساعة 09:33 ص|30 أغسطس 2015

بقلم

في أرشيفات غوغل توجد قصة عن فنان الشارع الشهير بنكسي، الذي زار غزة بعد الجرف الصامد وخلف هناك بضع رسومات حائط. نهض احد السكان في الصباح واكتشف رسما على باب ما كان ذات مرة بيته، فباع الباب مع الرسم لجارة بـ 175 دولار، حين اكتشف ان اعمال بنكسي تباع بمئات الاف الدولارات، ندم، على أي حال، ونشب نزاع قانوني. في غزة توجد سبل أصيلة لحل حالات مؤسفة كهذه. فالى المكان وصلت شرطة حماس وببساطة صادرت القطعة الفنية.

وطالما كان الحديث يدور عن فنان متآمر جاء ليرسم على الجدار من الجانب الفلسطيني، أبدت الصحافة اهتماما في القصة. ولكن من اللحظة التي صودرت فيها القطع الفنية، إذهب لتعرف ماذا حصل. مرت نصف سنة واحد لم يبلغ عن التطورات، بحيث لا يتبقى سوى التخمين عما حصل لمصير القطعة الفنية.

هذه القصة صغيرة وهامشية، ولكنها رمزية. اذا كان لحماس انجاز هائل، فهذا هو التجند غير الواعي لقسم من وسائل الاعلام لمساعدتها. اما افعال حماس فببساطة احد لا يبلغ عنها. وهذا يذكرنا بحالات العنف داخل العائلة، حين يكون كل الجيران يعرفون ماذا يحصل ولكنهم يفضلون غض النظر، وان كانت الدوافع في هذه الحالة مختلفة تماما. هذه نتيجة اجندة يفترض بها ظاهرا أن تساعد الفلسطينيين.

أمر مشابه يحصل الان ايضا. فمستوى التقارير في وسائل الاعلام العالمية عن عمليات الدهس، الطعن، الحجارة والزجاجات الحارقة هامشي، اذا كان قائما اصلا. وفي وسائل الاعلام المحلية وان كانت تبلغ عن هذه الاحداث، ولكن بلا أبالية العادة الدموية. عن التحريض أو المصالح القائمة خلف هذه العادة السائدة نكاد لا نسمع شيئا.

في زمن الحروب نميل الى الملل: كيف حصل أن الاعلام الاجنبي لا يبلغ عن مطلقي الصواريخ من حماس المتواجدين في المستشفيات وفي المدارس؟ كيف لا يروون عن استخدام المدنيين كدروع بشرية؟ فيلم القناة 1 في موضوع البي.دي.اس الذي بث قبل نحو اسبوع  كان شاذا في هذا المشهد – وأخيرا اظهر بعضا من سكان غزة ممن وافقوا على أن يرووا عن سلطة الحيوانات، عن العنف الفظيع وعن الخوف المميت الذي يدفع كل الغزيين لمواصلة الصمت ولكن بسبب « الاجندة الليبرالية » في وسائل اعلام عديدة، لا يوجد الكثير من الناس في العالم ممن يعرفون هذا. هذا يخرج عن خط الاجندة التي بموجبها ينبغي التبلغ عن النزاع فقط في جانب المظالم التي تحيقها اسرائيل بالفلسطينيين. اما الباقون فمن حقهم ان يفعلوا بالفلسطينيين كما يشاءون، ولكن هذا ببساطة ليس جزءا من القصة التي يبلغ عنها العالم.

كما أن الجدال الداخلي عندنا بشكل عام يتركز على « حماس ضد اسرائيل » وبالعكس، ولكن لا توجد أي جمعية، وسيلة اعلام أو جهة اخذت على نفسها مهامة انقاذ الفلسطينيين من قيادة الارهاب لديهم. مصدر المعاناة الرئيسة للفلسطينيين بقي في الظلام.

عندما ننظر الى هذا هكذا، فجأة يصبح الوضع الذي علقنا فيه مفهوما اكثر. كيف تحصل حماس على الشرعية؟ هكذا بالضبط. هكذا ايضا تبتعد قيادة الفلسطينيين كل الوقت عن أي قدرة على اقامة دولة مستقلة، بدلا من تحسين قدرتها. كما ان الاتهامات احادية الجانب تجعل اسرائيل في موقف الدفاع والسكان التوجه يمينا. وبالتوازي يؤمن الفلسطينيون بانهم يستحقون اكثر، وعليه يهبط استعدادهم للمساومة، ورغبتهم في الحاق ضرر باسرائيل في الساحة الدولية تصبح هي الهدف.

بكلمات اخرى - فان امكانية الوصول الى اتفاق ما آخذة في الابتعاد. والاجندة لم تتحول فقط من الصحافة الى الدعاية، بل اصبحت دعاية غير ناجحة. وباستثناء هذا – فانها بالتأكيد رائعة.