خبر إرث معركة... معاريف

الساعة 09:29 ص|30 أغسطس 2015

بقلم

(المضمون: ليس هناك شيء منعه الدين الاسلامي إلا ومارسه تنظيم داعش مثل القتل والاغتصاب والسرقة، وبالتحديد تجارة النفط والآثار المسروقة - المصدر).

شكل جثة د. خالد اسعد أذهل كل العالم. عالم الآثار السوري المعروف والخبير الدولي بأبحاث تاريخ تدمر قتل على أيدي تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وهو يبلغ 82. تم قطع رأسه وربطت جثته بعمود للكهرباء قرب المدينة التي وهبها حياته الطويلة. مُعلقو جثة د. اسعد لم يكتشفوا السبب الحقيقي لقتله، ولكن يمكن الافتراض أن لدى داعش دائما يوجد منطق وراء الجنون. منطق أعوج وجنائي، لكن له تفسير. اليكم الفرضية: تم ارسال الباحث الى العالم التالي لأنه رفض ارشاد آسريه عن مجموعة من الاشياء القديمة التي عرف عنها، وتقدر قيمتها بمئات ملايين الدولارات. زعماء داعش كما يحترمون الله، يحترمون ايضا آلهة المال.

بعد ذلك بعشرة ايام فجر التنظيم المعبد القديم « بعل شمين » الذي يقع بين آثار مدينة تدمر في الصحراء السورية. لقد فجروا هذا المعبد كي يستطيعوا في المستقبل تفجير مبنى آخر له قيمة، والحصول مرة اخرى على اهتمام العالم. إنهم يستمتعون في داعش من رؤية خيبة أمل الغرب المسيحي ومسلسل التنديدات بعد كل عمل كهذا. كانت هذه هي المرة الاولى، منذ سيطر التنظيم على تدمر القديمة قبل اربعة اشهر ونصف، التي ألحق فيها نشطاءه الضرر بالثقافة. وقبل ذلك ببضعة ايام هدموا دير مار اليان قرب مدينة حمص، والذي عمره 500 سنة. مدينة تدمر اعتبرتها اليونسكو من الآثار العالمية في عام 1980، وفي 2013 تم الاعلان عنها أنها في خطر بسبب الحرب الاهلية المستمرة في سوريا.

خبرة في سرقة الآثار

رغم الروح الاصولية، والشعارات والاسم، فان تنظيم الدولة الاسلامية بعيد جدا عن الدين، وليس هناك أي شيء محظور لم يفعلوه: القتل، السرقة، الابتزاز والاغتصاب. ومؤخرا تم نشر شهادة في الولايات المتحدة تقول إن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي قد اغتصب كيلا جين مولر، وهي عاملة مساعدة امريكية وقعت في أيديهم في سوريا، قبل اعدامها. إن اغتصاب النساء واستعبادهن في العمل، القتل والخطف من اجل المال، عادات أصيلة في صفوف التنظيم.

وهناك أمثلة اخرى كثيرة. مسلحون يزيديون حاربوا في صفوف البشمارغا الكردية اكتشفوا لدى نشطاء داعش الذين سقطوا في أيديهم بقايا مخدرات. والدين الاسلامي يمنع بشكل واضح تعاطي المخدرات، لكن هذا المنع غير وارد في القرآن. لكن علماء الاسلام استنتجوا ذلك. كذلك لا يوجد في دين محمد ما يسمح بالقتل، بل العكس: المصادر الاسلامية تمنع بشكل واضح قتل المسلمين، كما جاء في الجزء الرابع. والشريعة الاسلامية تسمح لقادة الجيش بقتل المسلمين اذا تم استخدامهم كدرع في وجه الانتصار على العدو. رجال داعش منحوا هذا تفسيرا حرا. الحديث يدور عن منظمة جريمة أكثر منها ممثلة لدين محمد. أهدافها الاساسية هي الحصول على القوة والمال. القوة – من خلال الاحتلال؛ والمال – بعدد من الطرق غير القانونية أهمها السيطرة على آبار النفط وبيعه. نصف آبار النفط القليلة في سوريا توجد الآن تحت سيطرة داعش، وفي العراق سيطر التنظيم على عشرات مصافي النفط حيث يستطيع استخراج كميات قليلة نسبيا، وهو يربح منها نحوا من مليون دولار يوميا. أحد زبائن داعش الاساسيين للنفط هو بشار الاسد. صحيح أن سوريا تفعل ذلك رغم رغبتها لأنها تحتاج النفط الاسود بسبب الاسعار المغرية التي يعرضها التنظيم الذي يضطر للبيع في السوق السوداء.

اضافة الى ذلك يفرض رجال داعش ضريبة الجزية في المناطق المحتلة تبلغ 50 دولار للبيت. وعندما لا يجدون الاموال يقومون بخطف أبناء الاثرياء للحصول على المال، أو يصادرون أموال البنوك.

ما علاقة كل ذلك بكارثة تدمر؟  الى جانب الخطف والسيطرة على آبار النفط وضريبة الجزية، يختص داعش ايضا بسرقة الآثار. سوريا والعراق هي اماكن غنية بالثقافة القديمة والمهمة وعلى رأسها الآشورية والرومانية. وعلى اراضيهما عشرات المواقع لهذه الثقافات وكذلك الادوات القديمة والتي تحفظ في المتاحف. وفي العالم الواسع يوجد الكثير من الذين يهتمون بذلك، وهم مستعدون لدفع اموال طائلة مقابل ادوات نادرة حتى وإن كانت مسروقة، وتخزينها.

طبيعة الانسان

« في العالم القديم كانت اعمال التدمير مقبولة »، قال عالم الآثار د. موتي افيعام من معهد طبرية للآثار في الجليل. « عندما صعدت المسيحية الى الحكم بدأت في تدمير المعابد. وعندما بدأ الحشمونئيين بالتمدد شمالا قاموا بمحو معبد السامريين، وكانت هذه الظاهرة مقبولة جدا في تلك الفترات. وهكذا تبدلت الثقافات. نحن في المرحلة العصرية لم نتوقف عن هذا. وكوننا أصبحنا غربيين ونحب الآثار ونقوم بالابحاث لا يعني أن طبيعة الانسان قد تغيرت. فطبيعة الانسان سيئة منذ الأزل ».

وحسب د. افيعام، فانه الى جانب معبد « بعل شمين » يوجد معبد آخر يسمى « بعل ». « بُني في القرن الاول للميلاد. وهو نتاج للثقافة الرومانية المتطورة لتدمر. وهي ثقافة سامية عربية مرت بعملية رومانية. »بعل شمين« هو السوري ويشمل اسم »بعل« المأخوذ من المصادر الدينية. وهو رأس الالهة في المكان الفينيفي السوري، ولدى الرومان حظي بوظيفة زيوس. على الاعمدة وعلى الحجارة كانت كتابات، بعضها تدمرية. إنها كتابة الثقافة العربية التي كانت بجوار ارض اسرائيل ».

وحسب رواية داعش فان الثقافات القديمة قبل الاسلام كانت تعبد الالهة، لذلك يجب تدميرها. هذا ما يزعمونه عند تدميرهم لبقايا الآشوريين والرومانيين في سوريا والعراق. لكن هذا مجرد غطاء لما يفعلونه سرا في تجارة الآثار، حيث استطاعوا الاتجار بأشياء ثمينة غير التي استطاعت بغداد ودمشق نقلها قبل أن تسقط في أيدي التنظيم. هذا ما فعله رجال الاسد في تدمر بالتعاون مع د. خالد اسعد، وهكذا فعل العراق قبل سقوط الموصل في صيف 2014 التي فيها المتحف الآشوري.

التشدد حسب ما يقول صموئيل جونسون، هو مهرب الانسان القبيح. جونسون هو شاعر ومترجم بريطاني، وقد كتب ذلك في القرن الثامن عشر، ولم يقصد الاصوليين المتدينين ولم يقصد المسلمين. لكن كلامه الكلاسيكي يصلح اليوم خارج حدود اوروبا وليس في المجتمعات العلمانية. والتشدد لدى تنظيم الدولة الاسلامية هو الايمان بالله. الايمان المشكوك فيه.