خبر السكري« و »الفقر" يفتكان بأطفال غزة

الساعة 11:16 ص|25 أغسطس 2015

فلسطين اليوم

بعد أن حقنت نفسها بجرعة من الأنسولين في عضدها الأيسر، شعرت الطفلة ناريمان الجرو (12 عامًا) بدوار في رأسها كاد أن يفقدها وعيها، بسبب حدوث هبوط في نسبة السكر بالدم، جراء عدم إقدامها على إجراء اختبار لمعرفة النسبة.

وتبرر الطفلة الجرو، عدم إجراء الفحص المسبق، بنفاد شرائح الفحص لديها، وعدم قدرة والدها على شراء شرائح جديدة.

وتقول الطفلة التي يعاني أيضاً شقيقها الأصغر محمد (9 سنوات) من المرض ذاته، إن أخاها يحتاج لإجراء الفحص أكثر منها، فهي أكثر وعيًا منه، وتستطيع  أن تشرح حالتها الصحية لوالدتها إن شعرت بآلام.

ويحتاج مرضى النوع الأول من مرض السكري، أو ما يعرف بـ« سكر الأطفال »، إلى إجراء اختبار لفحص نسبة السكر في الدم، عدة مرات يوميًا، لا تقل عن 4، بواسطة شرائح خاصة بذلك، قبل أن يتناولوا جرعات من الأنسولين.

ويعجز والد ناريمان الذي يعمل في سمكرة لدهان الأجهزة الكهربائية، ويتقاضى راتبًا يقدر بـ 300 دولار شهريًا، عن توفير الأدوية والشرائح لطفليه بشكل دائم، كما تقول مَحْضِية، والدة.

وتشير الأم (42 عاماً) إلى أن تكاليف شراء الشرائح التي تحتاجها لطفليها شهريًا تُقدر بـ 550 دولارا أمريكيا، فضلاً عن أدوية أخرى وفيتامينات قد يضطرا لتناولها.

وتضيف: « بالكاد نوفر الطعام لأبنائنا الـ 7، فكيف إن كان لدينا مريضين اثنين بالسكر، زوجي بحث كثيرًا عن عمل إضافي لكنه لم يجد، ولا توجد مؤسسات تولي اهتمامًا لمرضى السكري، ووزارة الصحة في غزة لا توفر الشرائح مجانًا لمن هم في ضائقة مالية مثلنا ».

وبحسب الأم، فإن أقلام الأنسولين التي تحصل عليها من الوزارة، غير مناسبة لطفليها، وليست ذات جودة بسبب كبر حجم إبرتها.

أما طفلها محمد، فيقول: « كتير بتعب (أتعب) وأنا في المدرسة، ومرة (في إحدى المرات) وأنا مروح (عائد) أُغمى عليا (فقدت الوعي) في الشارع، وعمي شافني (رآني) ورجعني (أعادني) إلى البيت ».

ويستطرد بقوله:  « بابا ما معه مصاري (لا يملك نقودًا) عشان (حتى) أروح على المدرسة في باص، وما أتعب من المشي ».

إلى ذلك، ينشغل الطفل أحمد أبو طاحون (13 عامًا) في وضع المطهرات على إبهام يده، استعداداً لإجراء فحص معدل السكر في دمه.

بصوت ضعيف، يقول الطفل الذي يتعرض لحالات إغماء لعدة أيام، بشكل شبه مستمر: « أشعر دائماً بألم في معدتي ورأسي، أحب أن ألعب مع أصدقائي، لكن لا أستطيع ».

ويضيف الصغير وقد بدا هزيلاً جدًا: « لقد تحول جزء من رمش عيني اليسرى للون الأبيض بسبب المرض، هكذا قال الطبيب، وتراجع مستواي العلمي في المدرسة ».

وأصيب أبو طاحون بمرض السكري عندما كان في الرابعة من عمره، ويدخل كثيرًا في غيبوبة ارتفاع السكر، كما تقول والدته رانية، حيث يفقد الوعي لعدة أيام مما يضطره للمكوث في غرفة العناية المكثّفة في المشفى.

وتتابع الأم: « أحمد لديه غذاء خاص يجب أن يتناوله، وهذا لا يتوفر دائماً، بسبب وضعنا الاقتصادي السيء، فزوجي الذي يعمل سائقًا لإحدى الجمعيات يتقاضى راتبًا شهريًا يقدر بـ 250 دولارا، وهو ثمن علب الشرائح شهريًا »، متسائلة « كيف سأوفر باقي الاحتياجات والفيتامينات لأحمد، ومتطلبات المنزل الأخرى ».

وتشير أبو طاحون إلى أن طفلها يحتاج إلى 5 علب ( العلبة فيها 25 قطعة) من شرائح فحص السكر شهريًا، تتراوح قيمة الواحدة منها ما بين 15-20 دولارا أمريكيا.

عوني شويخ، أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية « حيفا »، التي تهتم بأطفال السكر، في قطاع غزة، يصف من جانبه، واقع هؤلاء الأطفال بـ « المرير والمتردي على الصعيد الطبي والتوعوي والتثقيفي ».

ووفق شويخ، يعاني الأطفال من عدم قدرة ذويهم على توفير أجهزة فحص السكر وشرائحه، بالإضافة إلى عدم توفر حقن الأنسولين ذات الجودة.

وتقدم الجمعية خدماتها للأطفال المرضى، من خلال تبرع  بعض فاعلي الخير، وبعض المؤسسات سواء محليًا أو دوليًا، بحسب القائمين عليها.

وتقول الجمعية إن عدد الأطفال المصابين بمرض السكر في قطاع غزة، يبلغ قرابة 1500 طفل، لكنها لا تقدم خدماتها سوى لـ 200 طفل فقط، بسبب ضعف الإمكانيات.

من جهته، يرى جميل البهنساوي، رئيس قسم الغدد الصماء في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال، أن المرضى يواجهون « خطورة حقيقية جراء نقص الشرائح والأنسولين ».

ويقول البهنساوي إن « عدم قدرة معظم الأهالي على شراء شرائح فحص السكر باستمرار، بسبب الفقر، يشكل خطورة على حياة أبنائهم، حيث يغامرون بإعطائهم جرعات الأنسولين دون إجراء اختبار لفحص نسبة السكر في دمهم ».

ويؤدي تناول جرعة الأنسولين دون إجراء الفحص، إلى إدخال المريض في حالة غيبوبة، بحسب البهنساوي الذي ذكر أن عدد الأطفال المرضى بالسكر المسجلين لديهم في المستشفى بلغ 150 طفلا، تتراوح أعمارهم بين شهرين و 12 عامًا.

وتعاني وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، من نقص حاد في الأدوية والمستهلكات الطبية.

وتقول الوزارة إن نسبة النقص في قائمة الأدوية الأساسية وصلت 30%، والمستهلكات الطبية 55%، وأن ما يزيد عن 10% منها مهددة بالنفاد.