خبر علمياً: هل يتمتع الإنسان بالإرادة الحرة؟

الساعة 08:36 م|24 أغسطس 2015

فلسطين اليوم

قد تكون التجربة الأكثر شهرة في مجال علم الأعصاب هي تلك التي تم إجراؤها في عام 1983، من قبل (بنجامين ليبيت) والتي أثار من خلالها الجدل حول احتمال أن يكون شعورنا بالإرادة الحرة هو مجرد وهم ليس إلّا، وهو الجدل الذي ازداد منذ ذلك الحين.

تجربة (ليبيت) كانت تحتوي على ثلاثة عناصر رئيسية، وهي الاختيار البشري الحر، مقياس لقياس نشاط الدماغ، وساعة.

العنصر الأول  المتمثل بالخيار الحر كان  متمثلاً من خلال الخيار المطروح أمام المشاركين إما بتحريك ذراعهم اليسرى أو ذراعهم اليمنى، وفي النسخة الأصلية من هذه التجربة كان الخيار في تحريك المعصم الأيمن أو الأيسر، أما في بعض التجارب الأخرى التي كانت تحاول تكرار هذه التجربة فقد كان الخيار هو رفع الإصبع الأيمن أو الأيسر، حيث طلب (ليبيت) من المشاركين أن يتركوا رغبتهم الداخلية التي يمتلكونها تحرك أيديهم من تلقاء نفسها في أي وقت دون أي تخطيط مسبق أو تركيز على الوقت أو الكيفية التي ستتم بها الحركة من قبل المشاركين، وتم تسجيل الوقت الدقيق الذي تمت فيه الحركة من إشارات الحركة التي ترسلها عضلات الذراع إلى الدماغ.

تم قياس النشاط الدماغي عن طريق وصل أقطاب كهربائية إلى فروة الرأس على القشرة الحركية (المتوضعة تقريباً على طول منتصف الرأس)، وعند التخطيط لحركة ما وتنفيذها سواء بالجهة اليمنى أو بالجهة الأخرى فإن الإشارات الكهربائية في الجهتين اليسرى أو اليمنى من الدماغ تصبح مختلفة.

أما بالنسبة للساعة، فقد تم تصميمها خصيصاً للسماح للمشاركين لتبين التغيرات التي تحدث خلال فترة تقل عن الثانية، حيث تمتلك هذه الساعة نقطة واحدة، تتم دورتها حول سطح الساعة كل 2.56 ثانية، وهذا يعني أن المشاركين عندما يحددون موضع النقطة يحددون الوقت الذي يرونه فيها، فإذا افترضنا أن المشاركين استطاعوا الإبلاغ عن موقع النقطة بدقة تصل إلى 5 درجات زاوية، فإن هذا يعني أنه يمكن استخدام هذه الساعة للإبلاغ عن الوقت خلال 36 ميلي ثانية – وهذا 36/1000 من الثانية.

باستخدام كل هذه المكونات معاً، قام (ليبيت) بأخذ القياسات الحيوية، حيث طلب من المشاركين أن يقوموا بتحديد مكان النقطة التي تدور ضمن مدار الساعة بالضبط، عند اتخاذهم القرار بالحركة.

كان الفيزيولوجيون يعلمون منذ عقود بأن الإشارات الكهربائية في الدماغ تتغير قبل جزء من الثانية من إجراء الحركة، وهذا ما حصل في تجربة (ليبيت)، حيث كان بالإمكان تسجيل تغيير موثوق في الإشارات الكهربائية في الدماغ باستخدام الأقطاب قبل قيام المشاركين بالحركة بجزء من الثانية، ولكن النتيجة المفاجئة كانت عندما أشار المشاركون إلى الوقت الذي قاموا فيه باتخاذ القرار بالحركة، حيث تبين بأن هذا القرار حدث في فترة ما واقعة ما بين التغيير الكهربائي في الدماغ والحركة الفعلية، وهذا يعني، بأن القرار كان – إلى حد ما – قد تم اتخاذه بالفعل قبل أن يكون المشاركون على علم بأنهم سيقومون بإجراء الحركة، حيث أن إشارات الدماغ كانت تتغير قبل أن تحدث الحركة الواعية الناجمة عن القرارات التي اتخذها المشاركون.

هل قامت أدمغة المشاركين باتخاذ القرار مسبقاً؟ أم كان الشعور باتخاذ القرار مجرد وهم؟ هذا النقاش محتدم من زمن طويل، وهناك نقاش أكبر في مجال علم الأعصاب والإرادة الحرة أبعد من مجرد هذه التجربة الواحدة، ولكن بساطة هذه التجربة خولتها السيطرة على مخيلة الكثيرين الذين يعتقدون أن مجرد كوننا مخلوقات بيولوجية يحد من إرادتنا الحرة، كما استطاعت التأثير على أولئك الذين يقولون بأن إرادتنا الحرة تسمح لتفكيرنا بالتحرر من القيود التي تفرضها علينا بنية دماغنا البيولوجية.

جاذبية تجربة (ليبيت) تعود أصلاً إلى وجود بديهيتين منتشرتين حول العقل البشري، وبدون هاتين البديهيتين لم تكن هذه التجربة لتبدو باعثة على الاستغراب.

تفيد البديهية الأولى بأن عقولنا هي شيء منفصل عن أنفسنا المادية، وهي الطبيعية الثنائية التي تدفعنا للاعتقاد بأن العقل هو مكان مجرد ومتحرر تماماً من القيود البيولوجية، ولكن حظة واحدة من التفكير في الأوقات التي تشعر بها بالغضب نتيجة لشعورك بالجوع قد يحطم هذا الوهم، ومع ذلك فإن هذا الموضوع لا يزال موضعاً لنقاش مستمراً، فلولا ذلك لما كنا قد تفاجئنا ولو قليلاً من معرفة أنه من الممكن أن نجد رابطاً عصبياً بين الأحداث العقلية، فإذا كنا نؤمن حقاً في حشاشة قلوبنا بأن العقل يوجد في الدماغ، فإننا عندها سنعلم بأن كل تغيّر عقلي يجب أن يكون مترافقاً مع تغيير مقابل له في الدماغ.

أما البديهية الثانية التي تجعلنا نندهش من تجربة (ليبيت)، فهي الاعتقاد بأننا نعرف عقولنا، وهذا الإيمان يقول بأن إرادتنا الواعية عند اتخاذ القرارات تمثل دليلاً دقيقاً عن كيفية اتخاذ ذلك القرار، ولكن الحقيقة هي أن العقل يشبه الآلة، وطالما يعمل بشكل جيد، فإنه بإمكاننا أن نتجاهل كيفية عمله، ولكن ما أن نلاحظ خطأ أو تناقض ما فإننا نتنبه عندها لضرورة النظر تحت الغطاء، فمثلاً كيف يمكن أن أنسى اسم ذلك الشخص؟ أو لماذا يأتي الشعور باتخاذ القرار بعد أن تكون التغيرات المرتبطة بصنع القرار قد حدثت في الدماغ بالفعل؟

ليس هناك أي سبب يدفعنا للاعتقاد بأننا معبرين حقيقيين ومصيبين عن كل جانب من جوانب التغيرات التي تحدث في عقولنا بشكل دقيق، فعلم النفس يعطينا الكثير من الأمثلة عن الأشياء التي نخفق في التعبير عنها، فالشعور باتخاذ القرار في تجربة (ليبيت) قد يكون وهماً بأكمله، وربما يكون القرار الحقيقي قد تم اتخاذه في أدمغتنا بطريقة أو بأخرى، أو ربما قد يكون الشعور باتخاذ القرار قد تأخر عن عملية اتخاذنا للقرار بشكل فعلي، ومجرد أننا أخطأنا في الإبلاغ عن وقت اتخاذنا للقرار، لا يعني أننا لم نشارك في اتخاذه بالفعل، بطريقة أو بأخرى.

هناك دائماً المزيد من الأشياء التي يتم كتابتها عن تجربة (ليبيت) كل عام، فقد ولّدت هذه التجربة قسماً أكاديمياً مختصاً بالتحقيق في علم أعصاب الإرادة الحرة، وهناك العديد من الانتقادات والردود، والنقاش المحتدم حول كيفية واحتمالية كون التجربة ذات صلة بحرية اتخاذنا للقرارات اليومية، وحتى أنصار (ليبيت) يجب أن يعترفوا بأن الحالة التي كانت سائدة في التجربة قد تكون مصطنعة للغاية لدرجة لا تخولها أن تكون نموذجاً مباشراً عن الخيارات اليومية الحقيقية، ولكن التجربة الأساسية لا تزال تلهم المناقشات وتثير الأفكار الجديدة حول الطريقة التي تتجذر فيها حريتنا داخل أدمغتنا.