قائمة الموقع

خبر استراتيجية إسرائيلية لحقبة ما بعد سايكس - بيكو (2)

2015-08-16T12:35:58+03:00
دور "إسرائيل" في تفتيت المنطقة
فلسطين اليوم

نواصل في هذه الحلقة عرض الدراسة التي كتبها رون تيرا، الباحث في مركز دراسات الأمن القومي، ويعرض للواقع السياسي الجديد الذي تجد فيه إسرائيل نفسها مع تداعي منظومة سايكس بيكو، ويقترح استراتيجية إسرائيلية لمحيطها الجديد مع تداعي بعضًا من الدول العربية، المنظومة الجديدة المكونة من أربعة دول قومية (إسرائيل ومصر وإيران وتركيا)، الممالك الجنوبية التي تصارع من أجل البقاء، ومن عدد كبير من اللاعبين غير الحكوميين الذين يملؤون الفراغ الذي خلفته الدول المتداعية، الصراع العربي الإسرائيلي تلاشى هو أيضًا (ما عدا الصراع مع الفلسطينيين) وخط الصدع الجديد هو بين « لاعبي الوضع الراهن » الذين يريدون إبقاء الحال على ما هو عليه وبين أولئك الذين يريدون فرض التغيير غير التوافقي على الواقع (إيران والى حد ما تركيا وقطر والجهاديين وجزء من الفلسطينيين)، إسرائيل كلاعبة ذات قدرات خفيضة في هندسة الجوانب السياسية والأحزاب والموارد المحدودة يجب ان تركز على « استراتيجية القلعة » الدفاعية؛ غير ان الواقع الجديد يسمح لها أيضًا بالقيام بتعاون غير مسبوق مع لاعبين إقليميين، بما في ذلك كبح إيران، في ذات الوقت على إسرائيل ان تبني قوتها للمواجهة المباشرة مع إيران نفسها.

 

 

 

الاستراتيجية الإسرائيلية في محيط متداعٍ

 

إسرائيل هي لاعبة الوضع الراهن التي تريد منع التغييرات غير المتوافق عليها على ارض الواقع، وكذلك منع تشكل التهديدات، وبناءً عليه فهي تقف أمام صنفين من التحديات؛ التحدي الأول: اللاعبين الذين يريدون فرض تغيير غير متوافق عليه بقوة مباشرة أو غير مباشرة أو قوة ناعمة، هؤلاء اللاعبون يضمون اليوم دولًا وطنية مثل إيران، وبمستوى أقل تركيا، واللاعبين المعروفين بكونهم غير حكوميين ولكنهم يمثلون جزءًا من المنظومة فوق الحكومية، (مثل حزب الله) والتنظيمات الفلسطينية، ولاعبين هم في الواقع نتاج قلقلة دول وطنية عربية. إذن يجب التفريق بين اللاعبين الذين يمثلون في الواقع جذور المشكلة (مثل إيران) وبين اللاعبين الذين هم ظواهر لمشكلة أخرى (مثل « داعش »).

 

التهديد الثاني على إسرائيل ان مبنى المنظومة السياسية في الشرق الاوسط مهتز وسريع التغير؛ في مثل هذا المحيط هناك تحدى لكل الفرضيات ولا يوجد مسلمات.

أهداف إسرائيل والتهديدات عليها تضعها الآن في مصلحة مشتركة مع لاعبي وضع راهن آخرين مثل نظام الحكم العسكري في مصر، آل سعود، وآل هاشم؛ ولكن هناك خطر وقوع ثورة ثالثة في القاهرة، وخطر سقوط الملوك في الرياض وعمان، ولذلك من المحظور الاتكاء على هذه الفرضية، ورغم ذلك يمكن ان نزعم ان خط الصدع الإقليمي المركزي حاليًا ليس العرب ضد إسرائيل ومن الصراع العربي الإسرائيلي تبقى في الأساس الصراع مع الفلسطينيين.

أهداف إسرائيل والتهديدات عليها تضعها الآن في مصلحة مشتركة مع لاعبي وضع راهن آخرين مثل نظام الحكم العسكري في مصر، آل سعود، وآل هاشم؛ ولكن هناك خطر وقوع ثورة ثالثة في القاهرة، وخطر سقوط الملوك في الرياض وعمان، ولذلك من المحظور الاتكاء على هذه الفرضية، ورغم ذلك يمكن ان نزعم ان خط الصدع الإقليمي المركزي حاليًا ليس العرب ضد إسرائيل ومن الصراع العربي الإسرائيلي تبقى في الأساس الصراع مع الفلسطينيين

دول مثل سوريا كانت خصومًا لإسرائيل ولكنها كانت شريكة في ايجاد منظومات استراتيجية، تطلعت في أغلب الأوقات الى الاستقرار، نقاط الضعف في النظام العلوي - على سبيل المثال - كانت معروفة جيدًا لإسرائيل والتعامل العسكري معها كان ميسرا، وبذلك أسست إسرائيل للردع في مواجهته، والذي كان بمثابة تأسيس للتوازن الاستراتيجي، النظام العلوي تصرف بطريقة جدية ومتوقعة، ولغاية 2011 كانت له القدرة على السيطرة في سوريا كلها، وبهذه الطريقة قام بدوره في المنظومة الاستراتيجية، إضافة الى ذلك دول سايكس – بيكو الرسمية الضعيفة فصلت بين إسرائيل وبين القوات الأكثر نفوذًا الموجودة على الناحية الأخرى؛ سيما إيران وتركيا.

قلقلة الدول الوطنية العربية خلقت لإسرائيل تحديين إذًا: زعزعة الاستقرار المحلي في حدودها وتعميق تسلل إيران المباشر وغير المباشر ودول أخرى حتى حدود إسرائيل، إسرائيل ليس لديها القدرة على اتخاذ القرار (على عكس النفوذ) بشأن هوية القاطنين في حدودها؛ غير ان البدائل حاليًا هم خصوم أقوياء ولكن متماسكين وعقلانيين أو خصوم ضعاف ولكن ليسوا لينين وغير متوقعين.

إسرائيل لديها نقص نسبي في الهندسة السياسية خارج حدودها، وعندما حاولت فعل ذلك فقد فشلت؛ لذلك حتى وإن خلق تزعزع الدول الوطنية العربية وضعف الهيمنة الامريكية فراغًا يدخل من خلاله لاعبون كثر من الإيرانيين والأتراك وحتى الجهاديين والروس؛ إلا ان إسرائيل ليست بحاجة الى محاولة تصميم المناطق التي خارج أسوارها، لهذا الاعتبار ولاعتبارات التكلفة ليس على إسرائيل ان تشارك في « لعبة كبيرة » شرق أوسطية موضوعها الإمساك بمناطق نفوذ ومواقع، ولكن لعبة من هذا النوع قد تصل الى مناطق قريبة لإسرائيل فيها مصالح حيوية، وبناءً عليه فإسرائيل أيضًا لا تستطيع إغماض عينيها عمّا يدور خارج حدودها.

إسرائيل بحاجة الى العمل على كبح لاعبين يريدون ان ينفذوا بالقوة تغييرًا على المنظومة الإقليمية وكبح تشكل تهديدات من خلال متعاونين من بين أمور أخرى - ولو مؤقتة وهشة وسرية - مع بقية اللاعبين المحتملين، يجب طبعا مواصلة التعاون مع المصريين (بشأن غزة وسيناء ومصالح مشتركة أخرى) والمساهمة في حفظ أمن الأردن في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية، واستغلال تماهي المصالح  مع العربية السعودية، من الصحيح تسليح والمشاركة في تمويل مجموعات عرقية مثل الأكراد والدروز وآخرين.

لإسرائيل وروسيا مصالح متناقضة قليلة، ومن الممكن إجراء حوار حول سبل فرض الاستقرار في سوريا بطريقة لا تمس بالمصالح الروسية أو الإسرائيلية، يجب الاعتراف بإمكانية التوصل الى التوازن، ولو مؤقتًا وبشكل هش، حتى مع مجموعات محلية مثل « جبهة النصرة » في جنوب الجولان السوري، سواء لإسرائيل أو لمجموعات « جبهة النصرة » في جنوب الجولان يبدو ان الأهم هو منع تمركز إيران وحزب الله في هذا القطاع؛ ولذلك ربما من الممكن التوصل على الأقل الى تجاهل متبادل (أعداء غير متقاتلين)، احتمال كهذا هو هش وقد ينقلب في أي لحظة، ولكنه يوضح نهج الطموح للحد الأدنى من العمليات الكابحة والجالبة للهدوء، ولو مؤقتًا، هناك حاجة الى تقديرات وضع مشتركة، إذ فعلًا لو ان « داعش » مثلًا هدد بالتواجد في الجولان السوري فربما الأفضل وجود حزب الله، حزب الله تهديد أكبر ولكن ربما يكون شريكًا مناسبًا أكثر لصياغة قواعد لعب متوافق عليها، في المحيط غير المستقر لا يجب الافتراض ان أي عملية تخلق واقعًا مستقرًا ومحددًا، لكن سلسلة خطوات مؤقتة من شأنها ان تهدأ من القلاقل.

القوة العسكرية هي أيضًا بحاجة الى التواؤم مع واقع ما بعد سايكس بيكو، الجيش الإسرائيلي قد نفذ عمليات بعيدة المدى، غير انها مركزة ومحدودة في مواردها وأهدافها، ربما يكون المطلوب من الجيش الإسرائيلي الى جانب القدرات التقليدية استعراض قوته، وربما للمرة الأولى، الى ان يجري معركة واسعة ضد إيران؛ دولة وطنية قوية لا تحد إسرائيل، وقوس الأعداء غير الحكوميين يتسع أيضًا، من الجهة الاولى حزب الله الذي يمتلك قدرات دولة قوية وليس قوة تنظيم عصابات، والذي يعمل من عمق المنطقة اللبنانية التي تتحول يومًا بعد يوم الى مستنقع آسن، لذلك فالحرب ضد حزب الله لها مغزى جديد من حيث مناطق العمل والتهديد الذي يمثله الحزب لإسرائيل.

يجب الاعتراف أيضًا بمحدودية القوة ضد التهديدات غير الحكومية من النوع الجهادي، القوة العسكرية قادرة على إزالة تهديدات بعينها ولكنها تستصعب بخلق أوضاع نهائية ينتج عنها واقع مختلف، عندما يكون جذر المشكلة هو تداعي المنظومة الدولية والتهديد الناهض هو مجرد نتاج لهذا التداعي القوة العسكرية تستطيع معالجة الأعراض، ولكن ليس بناء المنظومة الدولية خارج الحدود من جديد، وزيادة على هذا؛ فبسبب تخلخل البنى السياسية وبسبب كثرة عدد اللاعبين من الصعب ان تقدر مسبقًا نتيجة العملية العسكرية وأي واقع سياسي سيتمخض عنها، ولذلك هناك شك بشأن جدوى العمليات العسكرية التي نريد لها تغيير الواقع.

 

 

إيران تخترق الفراغ العربي

تشريح هادئ لنسيج المصالح لا يستوجب الخصومة بين إيران وإسرائيل، غير ان إيران قررت ان تضع نفسها كخصم مركزي لإسرائيل، تداعي منظومة سايكس – بيكو توفر الوسائل لجعل إيران تحدٍ استراتيجي مركزي لإسرائيل: من ناحية خفت في الوقت الحالي التهديد الذي كان ذات مرة تهديدًا مركزيًا، أي التهديد المتناظر من قبل دولة متاخمة تتمتع بدعم وتشجيع قوة عظمى قد زال، وعلى النقيض الضعف العربي يخلق الظروف لاختراق عميق تقوم به إيران لمناطق فيها لإسرائيل مصالح حيوية (الجولان السوري وغزة والبحر الأحمر ومضيق باب المندب وغيرها).

ولكن التحدي المركزي هو النووي، لا يتسع المجال في هذا المقال لتناول هذا الموضوع بتوسع، ولكن سنتحدث بإيجاز عن برنامج إيران النووي أو تحولها الى دولة عتبة (قادرة على الاختراق باتجاه السلاح النووي عندما تقرر ذلك) عن مغزيين؛ الأول هو التهديد المباشر. تصور منظومة العلاقات النووية ينبع على الأغلب من الحرب الباردة، وهي على صلة أقل بالمنظومة النووية الجنينية بين لاعبين إقليميين فيها « الضربة الأولى قد تكون خطوة ممكنة ومعقولة »، المغزى الثاني هو التأثير السلبي على ديناميكا الإقليم، من هنا يظهر تمكين الهيمنة الإيرانية وتقوية إيران ووكلائها في المواجهات النووية وسباق التسلح النووي متعدد الأطراف وتسلح الأنظمة العربية المتداعية النووي وفقدان السيطرة على السلاح غير التقليدي.

إسرائيل أخطأت في سيمفونية تدويل التحدي النووي، إذ ان تأثيرها فعلًا على نتائج الأزمة كان ضعيفًا، واستدعت اتفاقًا يرعاه دبلوماسيون يكرهون المخاطرة، والذي سيكون أقل من حدها الأدنى وجميع الأعمال التي عملت الى الآن من قبل مجمل اللاعبين لم تجعل إيران تهجر هدفها لامتلاك السلاح النووي، وكل ما كان يفعله هو مناورة تكتيكية في الطريق الى تحقيق الهدف، في الخلفية يرمز نظام أوباما الى مسعى « لصفقة كبيرة » مع إيران تسهم في ترتيب الشرق الأوسط في زمن ضعف منطق سايكس بيكو وخلخلة « السلام الامريكي ».

ليس النووي فقط، وإنما العراق أيضًا وسوريا و« داعش » (الذي ارتفع من درجة عرض الى درجة جذر المشكلة)، الى حد ما أفغانستان وغيرها، ربما يسعى أوباما الى إحداث توازن مع إيران، والى خارطة إقليمية سياسية تختلف عن الخارطة الأم. إذا حولت إيران خطوطها فإن الأمر قد يغير أيضًا الخارطة الاستراتيجية الإسرائيلية، ولكن بانعدام وجود سبب عميق للتغيير فمعقول أكثر ان تستغل إيران فقط الجزرات التي تقدمها الولايات المتحدة والفرصة للتملص من عصيها بهدف التقدم نحو أهدافها الحالية.

الاستراتيجية الإسرائيلية لكبح إيران بالكلية يجب ان تتضمن ثلاثة أذرع؛ أولًا: استغلال الفرصة الجديدة للتعاون من لاعبين من المنطقة لكبح انتشار الهيمنة الإيرانية، بل وتفحص إمكانية التعاون مع جهات تعمل بطبيعة الحال على ساحات الاحتكاك التي تعمل فيها إيران أيضًا، وذلك في سبيل رفع الأثمان التي تدفعها إيران بسبب التزاماتها في الساحات المختلفة. ثانيًا: هناك حاجة للتلويح بالقوة المباشرة تجاه إيران (وليس فقط تجاه وكلائها) والى تطوير قدرة إدارة معركة واسعة ضدها. ثالثًا: يجب إحباط التهديدات الملموسة المحددة في المناطق التي لإسرائيل فيها مصالح حيوية من خلال هجمات حركية، في الملف النووي يجب التطلع الى دفاع دبلوماسي عن المصالح الإسرائيلية الحيوية، ولكن إذا اتضح أن الولايات المتحدة تواصل تنكرها لمواقف إسرائيل فلن يكون أمامها خيار، وعلى إسرائيل حينها ان تبحث في الظروف وفي الأساليب التي تمكنها من تحقيق تأثير منفرد على البرنامج النووي.

اخبار ذات صلة