خبر نهب اليمين- هآرتس

الساعة 09:29 ص|09 أغسطس 2015

فلسطين اليوم

بقلم: آفا ايلوز ونتانئيل ب

« يوجد في تاريخ فرنسا تفسيرين لكلمة Nationalism الاول هو الترتيب التسلسلي الزمني الذي اعطى الهاما لليسار وحلم الشعب ووحدته في الثورة الفرنسية. هذا الشعب عرف نفسه عن طريق تغيير النظام الملكي الاقطاعي بنظام سياسي جديد. بقوة روح الثورة، اعلن الفرنسيين عن مبادىء جديدة، عالمية، مساواة وحرية، واوجدوا مؤسسات سياسية قوية تحقق هذه المبادىء. هذه المؤسسات والمبادىء تحولت الى مصدر وحدة قومية بسبب انها كانت عالمية وفرنسية في نفس الوقت (مسيرة 4 مليون شخص بعد هجوم شارلي ايبدو هي تعبير مباشر عن الوحدة الوطنية والعالمية).

هذه الوطنية حددت المواطنة على هذا النحو، وانضمت الى الميثاق البريطاني العالمي، المتجسدة بلغة وثقافة محددة (مثلا: اعلان حقوق الانسان والمواطنة عام 1789 كان فرنسيا وعالميا في نفس الوقت. كان يهود فرنسا أول من استفاد من هذه الحقوق من بين مواطني اوروبا). لذلك ليس من المفاجيء انه خلال فترة طويلة كان اليسار الفرنسي قومي (الارستقراطية بالمقابل كانت دولية، الدوق الفرنسي كان الكثير من المشترك بينه وبين الدوق في دولة اخرى، مقارنة بينه وبين العلاج في بلده).

          غيرت الثورة بنية المجتمع الفرنسي، ولكن في القرن الـ 19 والـ 20 تطور رد مناهض للثورة برئاسة الارستقراطيين. رجال دين ومفكرين انفعاليين. في البداية اراد معارضي الثورة انشاء النظام الملكي من جديد وصلاحيات الدين، ومع الوقت غيرت الحركة نظرتها لمفهوم الامة وشمل بداخله عناصر عنصرية وعرقية. في الوقت الذي رأى اليسار بالقومية اداة فعالة لاجل انشاء هوية جديدة (مثلا تحويل اليهودي الى فرنسي) فقد اعتبر اليمين الهوية فوق القومية.

          توجه اليمين الى المحافظة، للكنيسة والنظريات العنصرية الجديدة من أجل تحديد الامه بمفاهيم الطهارة العنصرية والثقافية والعرقية. تحولت هذه القومية الى ماركة فخر حملها اللاساميين، والملكيين، وكارهي الغرباء، كاثوليكيين محافظين وعسكريين. آمنوا بهوية فرنسية متفوقة وارادوا الدفاع عنها من خطر الالمان واليهود، أو باختصار، من هجوم الاعداء الخارجيين والداخليين.

          الخيال السياسي لهذا اليمين تأجج بعد هزيمة الجيش الفرنسي في حرب فرنسا وبروسيا في السنوات 1870 – 1871 وقضية درايفوس عام 1895، السعي الى اعادة مجد الجيش الفرنسي ساعد في التعبير بقوة عن تداخل الدين، كراهية الغير، طهارة الجنس والقوة العسكرية، الامر الذي هيأ الاجواء فيما بعد لنظام فيشي (الذي ولسخرية القدر تعاون مع الالمان بدلا من الانتصار عليهم) ومع ذلك ان من اللافت للانتباه انه باستثناء نظام فيشي فان اليمين لم يقترح ابدا الغاء المواطنة الفرنسية لليهود.

          بعد الحرب العالمية الاولى وبشكل أكثر وضوحا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث رأى اليسار الدمار والخراب الذي احدثته الحروب في بلاده، تحول الى مسالم بسبب افكاره العالمية ركز اكثر على حقوق الانسان »في العالم الثالث« طالب انهاء الكولونيالية، واهتم بالمهاجرين، وابتعد عن القومية، التي تختبىء وراءها الدول من اجل اخفاء سعيها وراء القوة. ووسع اهتمامه بمن ليس فرنسي »طاهر« واقترح اليسار تعريف اوسع للمفاهيم »أمة« و »قومية« . بسبب هذا، وعلى الرغم من الفوارق الكثيرة بينهم، فان لليمين واليمين المتطرف كان أسهل الامساك بالفكرة القومية وتقديم انفسهم كحركات سياسية تدافع عن فرنسا والفرنسيين.

          بارز للعيان التشابه بين تطور القومية في فرنسا وتطورها في اسرائيل. مثل الفرنسية فان القومية الاسرائيلية سابقا كانت يسارية، عالمية، علمانية واشتراكية، ومنحت حقوقا للمواطنين العرب، وارادت خلق نموذج لليهودي الجديد مختلف عن يهود الشتات الذين حرموا من السيادة السياسية وسحقت روحهم الكراهية اللاسامية. القومية الاسرائيلية السابقة كانت نتاج قوة الرغبة والخيال والامل. 

          مثلما في فرنسا، بعد أن تمت اقامة الدولة، انتقال اليسار الاسرائيلي للتركيز على (العدالة) في الكولونيالية الاسرائيلية، والتمييز ضد العرب وتأثير الحرب الدائمة على المجتمع. أي اراد اليسار توسيع وتليين الاسرائيلية، وعليه مثلما حصل في فرنسا، كان من السهل على اليمين – واليمين المتطرف الادعاء بان اليسار لا يهتم باليهود (لنتذكر الوشوشة من قبل نتنياهو للحاخام كدوري في الحملة الانتخابية عام 1999 بان اليسار نسي ما يعني ان تكون يهوديا).

          اذن اليمين الاسرائيلي قام بنفس الخطوة التي قام بها اليمين الفرنسي. أي اشتراط المواطنة بالهوية العرقية والدينية الطاهرة.

          خطف القومية من قبل اليمين اصبح أسهل من فرنسا لان الصهيونية القديمة – لليسار- كانت غير حاسمة؛ صحيح انها عامية، ولكن بداخل دولة يهودية لليهود. لذلك ومنذ بدايتها لم تستطع الصهيونية ان تقترح قومية عالمية كتلك التي كانت في فرنسا، لان اليسار بقي مقيدا بعدم الحسم، استطاع اليمين ان يقدم نفسه على أنه الوحيد الذي يدافع عن الدولة »لليهود فقط« وتحويل الجيش والدين والعرقية للعامود الفقري للهوية الاسرائيلية القومية.

          مثل فرنسا باسرائيل ايضا، يدور صراع بين موقفين مختلفين للقومية. واحد ينسب الكثير من القوة للدولة وقدرتها على انشاء هوية اسرائيلية جديدة تحوي بداخلها اليهود والعرب. والثاني يعرف الهوية الاسرائيلية بمفاهيم الطهارة العرقية اليهودية والتفوق العسكري، مثل اليمين الفرنسي المتطرف، اليمين الموجود الان في السلطة يبني سياسته حول الخوف من الاعداء الخارجيين والداخليين.

          يتهم اعداءه الداخليين بضعف الانتماء ويتهم اعداءه الخارجيين بالبربرية، ويسعى بشكل مهووس الى تقوية الهوية للدولة في جميع المجالات. لكن المقارنة مع فرنسا مهمة ليس بسبب التشابه بين الدولتين وانما بسبب الفوارق بينهما.

          الفارق الاول هو اضافة الى نظام فيشي، فان اليمين الكاثوليكي والعنصري والعنيف لفرنسا لم يسيطر على الدولة (الجنرال جورج بولونزيه الذي حاول استغلال الهزيمة امام بروسيا عرف لحظة سمو لكنه هرب سريعا من فرنسا). الامر المفاجيء هو أن قيم الجمهورية الفرنسية العلمانية العالمية مستمرة منذ 200 سنة. لا شك أن حقيقة الصهيونية اختارت ادارة الصراع القومي الخاص بها في المكان الذي كان وما زال، تحت التهديد، تفسر الصعوبة الكامنة في الحفاظ على القيم الديمقراطية العالمية.

          فرق مهم آخر هو ليس اختفاء اليسار فقط، بل اليمين ايضا. اليمين المتطرف هو الذي يحدد البرنامج اليومي، والصيغة الاصلاحية لليمين التي تحترم سلطة القانون والقيم الليبرالية قد اختفت. الفرق الثالث الذي هو الاهم، هو ان اليمين الاسرائيلي المتطرف يعمل ضد مصلحة الأمة التي يتحدث باسمها. وهو يفعل ذلك من خلال الطرق التالية:

1. اليمين الاسرائيلي يفضل بشكل واضح الحريديين – شاس ويهدوت هتوراة، وهما منظمتان غير صهيونيتان في مواقفهما الدينية – وهو يمنحهما حقوق اضافية. في الاتفاقات الائتلافية الحالية مثلا تم الغاء العقوبات الجنائية ضد طلاب المعاهد الدينية الذين يتهربون من التجند للجيش؛ مخصصات الاولاد عادت الى المبالغ السابقة، وتم الغاء التقليصات في ميزانيات مؤسسات التعليم الحريدية التي لا تدرس مواضيع النزاع، وايضا تم الغاء اصلاحات التهويد. يصعب تخيل اليمين القومي الفرنسي يدعم حلم جماعات تستنكر بشكل علني شرعية السلطة القومية الفرنسية، حتى لو كانت هذه جماعات كاثوليكية.

2. اليمين الاسرائيلي يدعم السياسة الخارجية التي تتسبب في قطع العلاقات بين اسرائيل والكثير من يهود العالم، وبينها وبين حلفائها. لم تكن أبدا ازمة في العلاقات بين اسرائيل وبين اليهود، وبين اسرائيل والولايات المتحدة، بهذا الحجم. هذا يناقض الصهيونية القديمة التي اعتبرت نفسها ممثلة لكل اليهود وعملت بلا تردد للحصول على الشرعية الدولية. لا حاجة الى التوجه الى منظمة جي ستريت من اجل الحصول على تأكيد ذلك. يمكن النظر الى الوكالة اليهودية. تقرير كتب مؤخرا من معهد سياسة الشعب اليهودي، وهو منظمة اقيمت من قبل الوكالة اليهودية، التقرير يؤكد هذا الادعاء. في مقدمة التقرير يقول رئيس المعهد افينوعم بار يوسيف ان التقرير »يحول الاهتمام الى الصعوبة الاخذة في الازدياد عند كثير من اليهود لفهم السياسة الاسرائيلية على المدى البعيد« . وان هناك ميول متزايدة لدى يهود الشتات لاعتبار علاقتهم باسرائيل سببا في الانقسام في حياتهم الشخصية والجماهيرية. لذلك نحن نضطر الى الاستنتاج ان اليمين الاسرائيلي لا يعطي اهمية لتعزيز السياسة الخارجية الاسرائيلية سواء كان الحديث عن علاقتها مع اليهود او غير اليهود. ومرة اخرى لن نجد لدى اليمين واليمين المتطرف في فرنسا سلوك كهذا، يعمل بشكل منهجي على تراجع التأييد من قبل الحلفاء الاستراتيجيين والمثقفين له.

3. اليمين المتطرف الاسرائيلي يحول اسرائيل الى دولة مع اغلبية عربية لان المستوطنين – الذين يمثل مصالحهم – لا تهمهم حقيقة ان اسرائيل ستكف عن كونها ديمقراطية، وتسيطر على اغلبية عربية بالقوة (الامر اصبح يوجد الان). ردا على التقرير الذي عرض امام الحكومة في 2011 والذي قيل فيه انه خلال بضع سنوات سيصبح العرب اغلبية بين النهر والبحر، اعلن نتنياهو ان المهم هو ايجاد »اغلبية يهودية واضحة« في حدود دولة اسرائيل (التي لم ترسم بعد). هذا الرد يعكس التجاهل الواضح لما تعتبره معظم الدول امرا حيويا من اجل قوتها: الوضوح الجغرافي. ومرة اخرى يصعب علينا تصور أن اليمين الفرنسي المتطرف يتخذ خطوات تسبب الغموض الجغرافي اللانهائي لبلاده وان يحولها الى دولة فصل عنصري عن طريق تحويل العرب المسلمين الى اغلبية فيها. اليمين الفرنسي المتطرف يفضل القوة في الحرية الجغرافية والديمغرافيا الكافية.

4. تنازل اليمين الاسرائيلي كليا عن خلق مرحلة جديدة غير مسبوقة في التاريخ اليهودي كما اقترحت الصهيونية القديمة، وبدلا من ذلك عاد الى الهوية والارث اليهودي. مثلا من خلال اتخاذ قرارات قضائية حسب الارث اليهودي (القانون الذي يمنع بيع الخميرة في عيد الفصح يستند الى الدين). اضافة الى ذلك، في حال وجود نقص في القانون »قانون اسس القضاء« ، يكون على الجهاز القضائي قبول القرارات »حسب مباديء الحرية والعدالة والاستقامة والسلام لارث اسرائيل". وزير التعليم الجديد يستمر في هذا التوجه في تصريحاته حول الرغبة في تعزيز الهوية اليهودية.

اليمين الاسرائيلي اذا لا يريد انشاء هوية قومية جديدة، أي اسرائيلية. صحيح اكثر القول ان الهوية التي يقترحها هي تقليد للهوية الدينية ليهود الشتات، دون التنوع. ويصعب تصور اليمين الفرنسي يؤيد ان تكون القوانين والقيم المسيحية من العصور الوسطى ذات اولوية على القوانين والمعايير للامة الفرنسية.

5. اليمين الاسرائيلي يساعد الاغنياء في المجتمع الاسرائيلي، كما اشارت ستاف شبير – التي قد تكون عضوة الكنيست اليهودية الاكثر وعيا وخبرة اليوم – في خطاب في الكنيست (21/1)، اليمين يفضل أن يبذر موارد الدولة من اجل تأييد مصالح فئوية محددة على أن يمثل مصالح الجمهور. اتفاق الغاز مع ديلك ومع نوبل انيرجي يوضح ان دولة اسرائيل تحولت الى محامي مجموعات لها مصالح. والازدياد الملفت في غلاء المعيشة – لا سيما الغذاء والصحة والسكن – لم يكن ليحدث دون تعاون الدولة. يمكن قياس النتائج لهذا الازدياد. اسرائيل توجد في المكان الخامس في عدم المساواة حسب مقياس جيني من عام 2011. غياب المساواة والفقر يعمل دائما وفي كل مكان عكس التضامن الاجتماعي لان الامة التي تمثل فقط مصالح الاقلية تعمل ضد التضامن الجماعي. وجميع الاحزاب اليمينية المتطرفة في اوروبا بما في ذلك فرنسا تعمل ضد الليبرالية الجديدة التي تسيطر على العالم في العقود الاخيرة وترتكز على الضمانة للدول التي ستقلص عدم المساواة.

رغم الفرق الواضح في الظروف التي يعمل فيها اليمين الفرنسي واليمين الاسرائيلي فان المقارنة التي تمت هنا ستساعدنا على فهم ما يستصعب فهمه الكثير من المحللين في الساحة السياسية الاسرائيلية اليوم، أي اليمين الاسرائيلي هو ظاهرة جديدة تماما، بدون ظواهر مشابهة في اوروبا والولايات المتحدة: القومية التي اوجدها تخلط الطهارة العرقية الدينية والسيطرة العسكرية الدائمة على غير اليهود مع سياسة السيطرة، ولكن المضمونة، على حساب الامة. سبب ذلك هو ان اليمين الاسرائيلي هو ليس كيان واحد متبلور، بل ائتلاف مجموعات مصالح، حريديين ومستوطنين ومسيحانيين ورأسماليين شرهين. هذا الائتلاف للمصالح الخاصة ينشيء طريقة اقطاعية جديدة، يعمل المواطن الاسرائيلي العادي من اجل تحقيق حاجات اسياد البلاد. اذا استيقظ الاسرائيليون فسيكتشفون ان دولة اسرائيل تم تدميرها داخليا ممن يزعمون انهم يعملون من اجلها.