خبر سورية الوطن بين الثوابت والمتغيرات والمبادارت ..علي عقلة عرسان

الساعة 07:26 م|28 يوليو 2015

الحديث عن منطقة آمنة، تتحول إلى منطقة حظر جوي أو تستدعيه، بدأ يأخذ أبعاداً واقعية، بعد تدخل تركية عسكرياً ضد داعش وحزب العمال الكردستاني في شمال سورية والعراق.. فقد صرح مسؤولون أتراك، على رأسهم أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء، ووزير خارجية تركية مولود شاويش أوغلو، بأن هذا الأمر أصبح واقعاً، بعد إبعاد داعش عن معظم تلك المنطقة، ويمكن للسوريين اللاجئين إلى تركية والمعارضين المسلحين أن يعودوا إلى هذه المنطقة، التي حددت بين جرابلس ومارع، بطول ٩٠ كم وعمق ٥٠ كم وقد تزداد. وفي تصريح لاحق لرئيس الوزراء التركي نقلته جريدة « حريت » قال: « إذا لم نرسل وحدات برية على الأرض ونحن لن نفعل فلابد حينئذ من حماية تلك القوات التي تعمل كقوات برية وتتعاون معنا. ». ثم قال في يوم الاثنين ٢٧ تموز/ يونية ٢٠١٥: « اتفقنا مع الولايات المتحدة الأميركية، على الحاجة لتأمين غطاء جوي للمعارضة السورية. ». ومن المعروف أن تركية عضو في حلف الناتو، وقد « دعت مجلس حلف الناتو إلى عقد اجتماع، في إطار المادة الرابعة من معاهدة واشنطن. ».. وقد عقد هذا الاجتماع الذي ترأسه السيد ينس ستولتنبرغ أمين عام حلف الناتو، في يوم الثلاثاء الواقع في 28 تموز/يوليو 2015« ، وبحث الوضع المستجد، بدخول تركية الحرب على داعش وحزب العمال الكردستاني، وعزمها على تأمين مناطق حماية، آمنة، أو منطقة حظر جوي، في شمال رسورية. وبهذا سيأخذ الصراع الدموي الجاري في سورية منحى جديداً، وتتغير نوعية المعارك والمواجهات، وتمتد أو تتقلص وفق ظروف ومعطيات ميدانية جديدة.. وسيفتح هذا أبواب صراع من نوع مختلف عن السابق، وقد يمهد لتطورات ومواجهات من نوع مختلف، قد لا تتوقف عند حدود مدينة حلب، وربما عند حدود سورية والعراق اللذين تجري على أرضهما الحرب، إذا لم تكن هذه التطورات نتيجة لاتفاقات وتوافقات دولية، تشارك فيها دول المنطقة المعنية بالصراع، لا سيما إيران وتركية والسعودية، والأردن، ودول الخليج العربي.. أرهصت بها مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقد ترافق ذلك التطور، بتغيير نسبي، حذرٍ، متحفظ، وينطوي على احتمالات كثيرة، ولا يلغي الخيارات القائمة.. وتم التعبير عن ذلك في الخطاب السياسي الرسمي السوري، لا سيما في خطاب السيد رئيس الجمهورية، يوم الأحد ٢٦ تموز ٢٠١٥، حيث وردت فقرة، ربما كانت مناط الخطاب، نصها الآتي: ».. بالمقابل، كان نهجنا وما زال هو التجاوب مع كل مبادرة تأتينا من دون استثناء، بغض النظر عن النوايا التي نعرف سوء بعضها في كثير من الأحيان، وبشكل مسبق.. ذلك أن قناعتنا الراسخة بأن أي فرصة فيها احتمال ولو ضئيل لحقن الدماء، هي فرصة يجب أن تلتقط دون تردد، فدماء السوريين فوق أي اعتبار، ووقف الحرب له الأولوية. وبنفس الوقت كان لدينا الرغبة بقطع الطريق على المشككين والمغرر بهم، الذين يعتقدون بأن الأزمة مرتبطة بموضوع الإصلاح السياسي، أو بموضوع حوار، أو ما شابه، وكانوا يستخدمون كلمة لو.. لو فعلوا كذا لحصل كذا لفعلوا كذا لما حصل كذا، فقررنا أن نتجاوب مع كل المبادرات، لنثبت لهؤلاء بأن القضية ليست مرتبطة بالعمل السياسي، وإنما بدعم الإرهاب منذ الأيام الأولى.« . ومن أهم معاني هذا القول ومراميه، أن سورية على استعداد للتعاون مع كل من يتصدى للإرهاب، وعلى استعداد للتنسيق مع الجهات التي تتصدى له، حتى لو كانت من حواضنه، ومن أشد الجهات عداء لسورية منذ بداية الأزمة. وهذا مؤشر على تغيير في أسلوب التعامل والتواصل مع الأطراف الدولية التي تعمل أو ستعمل ضد الإرهاب، أو تتخلى عن دعمه. وربما عُدَّ هذا انقلاباً في المواقف، ولكنه بالدرجة الأولى في إطار استجابة سورية لمبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي دعا في نهاية حزيران/يونيو ٢٠١٥ » إلى قيام تحالف دولي إقليمي من أجل « مكافحة الإرهاب ». وهذا التوجه سيكون له تأثيره الكبير، إذا ما أخذ طريقه إلى التنفيذ بجدية ومسؤولية سياسية، تفضيان إلى وقف إراقة الدم في سورية. ونحن نتابع، منذ غارات التحالف الأميركيي على داعش، تجاوباً حذراً، أو تنسيقاً خفياً في هذا المجال. وقد بدأت بدأت تلوح في الأفق ملامح توافق أوسع في هذا الاتجاه، من هذا خلال التدخل العسكري التركي، « الجوي- البري، أي قصف بالطائرات والمدفعية والدبابات »، ضد داعش وحزب العمال الكردستاني، اللذين يصنافان إرهاباً، في شمال سورية والعراق. وهذا قد يفتح مجالاً واسعاً للتواصل بين سورية وبين دول الجوار، مثل تركيا والأردن، ولو بصورة غير مباشرة، على أرضية مكافحة الإرهاب، الذي قد يتوسع ليصبح حواراً بين دول المنطقة.. وهو يصب في مجرى اقتراح، أو مبادرة، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تحدث عن تحالف لمحاربة الإرهاب، تكون سورية طرفاً فيه، فقال: خلال استقباله وزير الخارجية السوري وليد المعلم في 29 يونيو/حزيران إن مكافحة الإرهاب بشكل فعال تتطلب حشد جهود كل دول المنطقة، لافتا إلى أن دول المنطقة أعربت عن استعدادها للمساهمة في مواجهة هذا الشر.« . وهو ما رحبت به سورية، على لسان رئيس الوزراء الذي قال لوكالة نوفوسي »دمشق تؤيد مبادرة بوتين المتعلقة بإقامة تحالف بين سوريا وجيرانها من أجل التعاون في مكافحة الإرهاب، بشرط أن يخدم ذلك مصالح جميع الدول في المنطقة.« .. لكنه لم ينس التلميح في حينه، إلى أن هذا قد يحتاج إلى معجزة؟!

من شبه المؤكد أننا أمام إشارات، أو أمام تغيير نسبي في الروى والمواقف، في خضم الحرب/ الكارثة/ الفتنة/ الخراب/ الجنون .. أو قل عنها ما شئت ولا حرج، وهي المنهكة المهلكة.. إذ أصبح الآن وقفها » أولوية لجهات كانت، وربما ما زالت، تراهن على نتائجها، وتعتمدها أسلوباً للوصول إلى حسم عسكري، يبدو أنه غير ممكن، باعتراف الأطراف المعنية كلها« .. وعلى الرغم من ذلك كله، فإن هذا الخيار المر لم ينته كلياً، كخيار استراتيجي سوري، بل أكده السيد رئيس الجمهورية، في تلخيص خطابه الأخير، ذي المحاور، حيث قال: ».. بكل الأحوال محور كل هذه المحاور هو المحور العسكري، الذي سيؤثر داخلياً، وسيغير الموازين خارجياً.« .. وهي عبارة ينبغي التوقف عندهاً ملياً.

نعم إننا أمام تغيير مواقف وتوجهات، بعد اتفاق فيينا المتعلق بالملف النووي الإيراني، ويمكن أن يظهر مدى هذا التغيير، وأبعاده، وآفاقه، وبعض تطبيقاته المتصلة بالمنطقة كلها، في عرض السيد ديمستورا ومقترحاته، التي سيقدمها من خلال تقريره إلى مجلس الأمن الدولي مطلع آب ٢٠١٥، ولكنه يبقى تغييراً حذراً جداً، وتكتنف الأطراف المشاركة فيه، المقبلة عليه، والمدعوة له.. شكوك، وحيرة أحياناً، وفيه لبعضها أو لمعظمها غصص ومرارات.. لكن الجميع أدرك بدرجات، أنه لا بد من تغيير يفضي إلى وقف المأساة الإنسانية في سورية على الخصوص، أو الحد من تفاقمها. ويمكن أن تجلو ذلك التوجه، وتؤكده، وتحدد مُدده وأبعاده.. اتصالاتٌ سياسية، ومشاورات، وربما اتفاقات وتوافقات دولية، على مستوى الدولتين الأعظم، بعد ما أشير إلى ما يمكن أن يكون تفاهماً بينهما، أي »الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية« ، وفي اللقاءات الأخيرة بين أطراف اتفاق فيينا، لا سيما مع الطرف الإيراني.. على حلول سياسية في المنطقة.. ويكون مسارها في سورية، العودة إلى مؤتمر جنيف ١ وما بُني عليه، فيما يعدّ حلقة جديدة باسم جنيف ٣.. وكل ذلك يتم التأكيد على ضرورته من خلال مواقف وتصريحات، ولقاءات، وتحركات، تعبر عن سياسات فيها جديد، بعد الإعلان عن اتفاق فيينا، ومصادقة مجلس الأمن الدولي عليه، وبدايات عملية تنفيذه، حيث لا بد من أن يؤثر كل ذلك إيجابياً، على العلاقات بين الدول في المنطقة المعنية وخارجها، وعلى الوضع المتوتر في الخليج العربي، ولآخر المشتعل ناراً ودماراً وفتنة وكراهية، في سورية والعراق واليمن.

وفي المسار السياسي العام، المتصل بالوضع في سورية، على الخصوص، هناك مواقف ثابتة لم يقاربها التغيير بعد، وقد لا يصل إليها، وهناك جديد، ربما يكون بفعل ضغط الحوادث، وانكاسات المعارك، وإدراك أعمق لما آلت إليه الأمور في معظم المواقع وعلى مختلف المستويات.. وربما يكون تطوراً، أو توقعاً لتطور، ربما يحدث، ولكنه، حتى حين يحدث، سيبقي أبواباً مستعصية على الفتح، وأخرى جديدة قد تحرك الرياح مصاريعها بشدة، فيتخلّع مما بقي في الوطن كثير من الأبواب.. ولقد أثيرت مؤخراً، بصورة متعمدة أو عفوية، قضايا ذات أهمية، من حيث المفاهيم، والمضامين، والتفسيرات، والدلالات، والترجمات العملية المحتمَلة، لما تنطوي عليه العبارات التي حملتها.. منها ما هو تأكيد على سياسات ومواقف سابقة ثابتة، لا تشير إلى تغيير محتمل في النظرة إلى المعارضات الخارجية، أو المرتبطة بالخارج، وهذا أمر قديم مستمر ومعلن ومفهوم.. ولكنه متصل بالمسار السياسي والمبادرات الجديدة، ولا بد من أن يتحرك لكي يفضي المسار إلى حلول.. ومنها ما هو رأي ورؤية وموقف جديد، ذهب إلى مدى أبعد من المعارضات، في النظرة السياسية والأخلاقية والحقوقية لسوريين كثيرين، لا يعارضون ولا يوالون، وقد يكونون محكومين بواقع أصعب وأقسى وأخطر من أن يواجَه، منهم من هو داخل الوطن ومنهم من هو خارجه..  ومنهم ممن له موقف مؤيد لمعارضة، ومنهم من له موقف موالي للسلطة.. وقد يقع كثيرون منهم تحت ضغط الذين يسيطرون على مناطقهم من البلاد، وهم لا يقوون على المواجهة، ولا يتمتعون بأية حماية تمنعهم من بطش القوة بهم.. إذ يشملهم حكم قد يتبعه تصرف. أولئك يمكن أن يكونوا حقولاً خصبة جداً، لاستنبات الكثير من الآراء والروى والمواقف، وحتى الذهاب إلى ما هو أسوأ من ذلك من معاناة ومصير.. وقد يتعرضون لاتهامات وإدانات و مخاطر، وربما مصائر منها التعذيب والموت، وقد يكون ما هو أشد مما يُظَن، يلحق بذويهم.

في سورية، وفي حال نجاح مبادرة الرئيس بوتين، لن تنتهي الحرب الدائرة فصولها في معظم المناطق، بل ستدخل في مرحلة جديدة من مراحلها، حرب على الإرهاب يشارك فيها الجيش والقوات المسلحة ومن يناصره، وحرب على السلطة بين من يمثلها ومن يطلبها، وبالنتيجة تبقى الحرب على سورية، وهي تستهدفها كدولة وشعب.. ولن تنتهي الفتنة المذهبية وتُقتلع من شروشها، وينتهي ما خلفته من عقابيل، في وقت منظور، ولكنها قد تدخل في مسار يفضي إلى حال أفضل، وهدوء أطول، ووعي يحكم السلوك.. وما لم تكن هناك ثقافة دينية تاريخية، تعيد قراءة الأحداث والوقائع والمعطيات التي تنطوي على خلافات مذهبية، وفقهية »، بمفاهيم إسلامية صحيحة، ووعي معرفي بأفق إنساني واسع، وإيمان عميق تثبته المعرفة والتقوى، وتزيدان أصحابه إيماناً، وبمنهج علمي، ومسؤولية أخلاقية، على أن تتضافر تلك الثقافة مع تربية دينية وسطية، وثقافة عصرية - معرفية عامة، من أبعادها وأنواعها وفروعها: « الثقافة الوطنية، والقومية، والسياسية - الديمقراطية القائمة على المساواة والاحترام والحرية »، والتربية الأخلاقية - الإنسانية.. ما لم نتجه بجدية وصدق نحو ذلك، فإنه من شبه المؤكد، أن التغيير الجوهري - الجذري المنشود، لن يحصل، لا في أوساط المسلمين، ولا في أوساط أتباع الديانات والمذاهب المتعددة، في المنطقة والعالم. ومن شبه المؤكد أن البلاد/سورية، ستبقى لمدة، مسرحاً مفتوحاً للإرهاب ومن يكافحه، من جهة، وللصراعات السياسية الدامية على السلطة، ولو بصورة أقل مما هو قائم.. ومن ثم فمن المؤكد أن أكثر حطب هذه النار، سيكون من السورين، ومن العمران السوري، وسيحرق المزيد من السوريين، وينال من مكانة سورية الوطن، وسورية الشعب.. إذ من غير الواقعي ولا المنطقي، أن تدور حرب برية وجوية ومعارك، بمختلف الأسلحة، وتشمل أكثر المواقع في البلاد، من دون ضحايا وخسائر فادحة.. تضاف إلى ما نكبنا به من كوارث.

على أن السوريين غير هامشيين في موضوع التأثير، سلباً وأيجاباً، على مجريات الأحداث التي تجري في وطنهم، وفي المنطقة، إذا ما اتجهوا بصدق، ووعي، ومسؤولية سياسية، « وطنية وأخلاقية »، نحو تحجيم التدخل الخارجي في شؤونهم إلى درجة إلغائه، وتفاهموا وتوافقوا على حلول واقعية وعملية للأزمة/ الحرب/ الفتنة.. إلخ، من دون  مكابرة، أو إلغاء، أو ادعاء، من أي فريق، بأنه الوطن والشعب، الحاضر والمستقبل. العدل والحق والحرية.. إلخ.

وإنني إذ أشير إلى هذا، فذلك لأنني أجد أن السوريين جميعاً، بوصفهم أبناء شعب يستحق وطنه، وجزء من أمة تستحق الحياة، ومشاركين في المعرفة والحضارة الإسلامية والإنسانية.. وأن لكل منهم - عدا من تثبت عليه الخيانة والعمالة والجريمة، بحكم قضائي عادل ونزيه - حق تمتع المواطن بحياة وحقوق وكرامة في وطنه آمن مزدهر.. من دون أن يشعر فرد منهم أو فريق، أياً كان حجمه وتعداده ومعتقده ودوره وادعاؤه و..إلخ، بأنه فوق الآخرين، أو أدنى منهم، أو بأنه متَّهَم بشرف المواطَنة، أو متَّهِم لغيره بذلك الشرف، حيث يكون هناك معيار للقيمة والفعل يقره الشعب ويرتضيه.. ولكي يكون الشعب السوري العظيم، عماداً للوطن التاريخي العظيم، وأملاً لأمته.. متماسكاً وموحداً، يجعل سورية/الوطن، قوية وموحدة، ولكي تكون سورية سيدة، تحفظ أرضها وأبناءها، وتحميهم، وتوحد كلمتهم، ولا تعرضهم للخوف، والقلق، والشك، والانقسام، والفتنة، والموت، والتشرد، والذل.. وبذا يحمي الشعب وطنه، ويصونه، ويعلي كلمته في كل موقع، ومكان، وامتحان.. ويرفع من شأن نفسه، وأمته، وثقافته، ولغته، ودينه.

والله سبحانه من وراء القصد.

 

دمشق في الثلاثاء، ٢٨ تموز، ٢٠١٥

 

علي عقلة عرسان