خبر كيف تستعد إسرائيل لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي؟

الساعة 08:01 م|11 يوليو 2015

فلسطين اليوم

فيما تتوارد تباعا الأنباء المتعارضة، تأزما وانفراجا، بشأن إمكانية توصل الدول العظمى الست إلى اتفاق نووي مع إيران، تنشغل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بمرحلة ما بعد الاتفاق، باعتبار أن الاتفاق سيفضي إلى طرح جملة من القضايا المقلقة لإسرائيل.

ويتركز الانشغال الأمني أساسا، خاصة في ظل الأزمة القائمة بين الإدارة الأميركية وبين الحكومة الإسرائيلية، في توفير الرد على هذه القضايا ومواجهتها، وفي الوقت نفسه استخلاص أكبر قدر ممكن الفائدة على شكل 'تعويض' سخي من الإدارة الأميركية التي تشعر أنها بحاجة إلى رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، لتمرير الاتفاق بهدوء في الكونغرس.

وبضمن هذه القضايا التي تراها الأجهزة الأمنية في إسرائيل باعثة للقلق، الأموال التي ستتدفق إلى إيران ومنها إلى تنظيمات مختلفة تعتبرها إسرائيل 'إرهابية'، وسباق التسلح الذي قد يلتهب في المنطقة، وطموحات بعض الدول العربية المجاورة للتسلح بسلاح نووي.

وبحسب المحلل السياسي لصحيفة 'يديعوت أحرونوت'، أليكس فيشمان، فإن مكتب رئيس الحكومة يعمل على إبقاء هذا الانشغال والقلق بشأن مرحلة ما بعد الاتفاق سرا، ما جعل المكتب يدخل في حالة حرب تقتضي التزام الصمت من قبل المجلس للأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الأمن والجيش، حتى لا 'تفتضح' استعدادات إسرائيل لليوم الذي يلي الاتفاق، وحتى لا تبدو وكأنها تخوض معركة خاسرة منذ البداية.

ويضيف فيشمان في تقرير في محلق 'يديعوت' السياسي، أمس الجمعة، أن نتنياهو، لا يزال يراهن على قدرته على إنزال 'ضربة قاصمة'، حيث أن تقديرات مكتب رئيس الحكومة تشير إلى أنه في حال لم يتمكن من منع عملية إزالة العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران، فإنه سيتمكن من وقف إزالة العقوبات الأميركية من خلال الكونغرس.

ويشير أن نتنياهو قد استبشر خيرا عندما أشارت التقديرات إلى إمكانية تقديم الاتفاق إلى الكونغرس بعد التاسع من تموز/ يوليو، حيث سيكون الكونغرس في عطلة، ما يعني أنه ستكون هناك مهلة تصل إلى شهرين لتجنيد قوى معارضة للاتفاق، وأنه يعتبر ذلك بمثابة 'انتصار تكتيكي'، خاصة وأنه (نتنياهو) يعتبر لاعبا مركزيا في الكونغرس، رغم كون إسرائيل منقطعة عن مضمون المحادثات مع إيران.

ويضيف أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، كان يرغب بالاجتماع بنتنياهو في واشنطن بعيد توقيع الاتفاق في فيينا، وقبل أن يبت الكونغرس في الأمر. وفي حين جرى الحديث عن زيارة في تموز/ يوليو الحالي، وزيارة أخرى لوزير الأمن، موشيه يعالون، في آب/ أغسطس المقبل، فإن أوباما كان يفضل أن يجعل من الزيارتين رافعة لإقناع الكونغرس بأن الولايات المتحدة تعوض إسرائيل، وتحافظ على أمنها.

في المقابل، وبحسب فيشمان فإن نتيناهو يريد تعويضا أمنيا واسع النطاق، من جهة، ولكنه، من جهة أخرى، سيتوجه إلى واشنطن بأجندة تختلف ما يرغب به أوباما، حيث سيواصل مهاجمة الاتفاق مع إيران وإقناع الديمقراطيين بمعارضته.

ويقول فيشمان إن ما يخفيه نتنياهو عن الجمهور الإسرائيلي هو أنه منذ شهور يعمل المجلس للأمن القومي ووزارة الأمن ورئاسة أركان الجيش، وخاصة شعبة التخطيط، على القضايا ذات الصلة باليوم الذي يلي الاتفاق.

ويناقش هذا الإطار جملة من القضايا أبرزها 'هل ستضرر المكانة الإستراتيجية لإسرائيل نتيجة الاتفاق بما يلزم بإجراء تغيير في النظرية الأمنية؟ وهل يجب أن تواصل الأجهزة الأمنية الاستثمار في القدرات العسكرية لمواجهة التهديد الإيراني، أم أنه يمكن تحويل هذه الموارد، في السنوات القريبة على الأقل، إلى مجالات أخرى؟'.

وضمن الإجابات على هذه التساؤلات، فإن بعضها يكمن في 'سلة التعويضات' التي تعمل الأجهزة الأمنية على إعدادها، والتي تشتمل على وسائل قتالية يفترض أن تكون ردا على إمكانية وصول إيران إلى عتبة النووي. كما أنه في السنوات الأولى للاتفاق لن تتضرر مكانة إسرائيل الإستراتيجية بشكل جدي، وإنما سيحصل ضرر في قدرة الردع، النابع أساسا من العلاقات المتزعزعة بين نتنياهو وأوباما والتي تثقل على التحالف الإستراتيجي بين البلدين، وتوحي بأن هناك شرخا بينهما.

بموازاة ذلك، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعتقد أن هناك حاجة ماسة لتحسين وإعادة الثقة بين القيادة الإسرائيلية وبين القيادة الأميركية، خاصة وأن التوقيع على الاتفاق، الذي كان سبب الأزمة، يشكل أيضا فرصة لتحسين العلاقات، بيد أن ذلك لا يلقى آذانا صاغية من نتنياهو، الذي سيجد صعوبة في إقناع الولايات المتحدة بصدق نواياه عندما يشير إلى خروقات إيرانية للاتفاق، إذ تعتقد إسرائيل أن إيران لن تلتزم بتعهداتها وتطبق الاتفاق بحذافيره، ولذلك يجب عليها (أي إسرائيل) أن تكون جزءا من مجموعة المتابعة والتشاور مع الولايات المتحدة والدول العظمى إزاء السلوك الإيراني.

ويضيف المحلل الإسرائيلي أن النظرية الأمنية الإسرائيلية ونظرية استخدام القوة العسكرية لا يجب أن تتغير في أعقاب التوقيع على الاتفاق، وإنما نتيجة التغييرات التي تحصل في الدول العربية حولها، وتصاعد 'الإسلام الراديكالي' بالقرب من الحدود.

وبحسبه، فإن الاتفاق مع إيران يخلق مشكلتين فوريتين لإسرائيل تلزمان بالاستعداد لهما، الأولى دخول أموال إلى إيران بمبالغ تصل إلى مئات المليارات من الدولارات، خلال فترة قصيرة، سيحول جزء منها إلى الصناعات الأمنية، وزيادة إنتاج الأجهزة العسكرية، ونشر الوسائل القتالية على التنظيمات والدول القريبة من الطاولة الإيرانية، تبدأ من لبنان وسيناء وغزة، بالإضافة إلى الدعم المالي.

وفي هذا السياق، يتابع، فإن إسرائيل قامت ببناء منظومة ناجعة لمواجهة تدفق الأسلحة الإيرانية إلى المنطقة، ولكن التغيير المتوقع هو في حجم ونوعية الوسائل القتالية، بما يضطر إسرائيل إلى تعزيز الأذرع التي تعالج هذه القضايا، ولذلك فستكون بحاجة إلى التعاون مع بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا.

أما المشكلة الفورية الثانية، فهي تتصل باشتعال سباق تسلح إقليمي بأسلحة تقليدية ونوعية عالية، فالسعودية، على سبيل المثال، زادت عمليات شراء الأسلحة بنسبة 50%، في حين وقعت فرنسا في السنوات الأخيرة على صفقات أسلحة للمنطقة تصل قيمتها إلى 12 مليار دولار، كما أنه تم الاتفاق في أيار/مايو الماضي في 'كامب ديفيد' مع ممثلي دول الخليج الست على زيادة حجم المساعدات الأميركية بشكل جدي نتيجة لمخاوف هذه الدول من رفع العقوبات عن إيران.

ويشير فيشمان إلى أن تفاهمات إسرائيل مع الولايات المتحدة كانت تتضمن تسليح إسرائيل بأسلحة نوعية للحفاظ على تفوقها العسكري على الدول العربية. أما اليوم وفي ظل الاتفاق مع إيران فإن إسرائيل لن تكتفي بالمركب النوعي، وإنما ستطالب بالمركب الكمي أيضا. وبالنتيجة فإن كميات الأسلحة التي ستصل إلى الشرق الأوسط، نتيجة للتوقيع على الاتفاق مع إيران، ستكون هائلة جدا.

إلى ذلك، تنشغل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أيضا، بحسب فيشمان،  بسباق التسلح النووي في المنطقة كتهديد محتمل للمديين المتوسط والبعيد، إذ أن هناك إمكانية بأن تسعى دول مثل مصر والأردن والسعودية وتركيا لحيازة قدرات نووية، بعد السماح لإيران بالتحول إلى دولة على عتبة النووي.

وفي السياق ذاته تناقش إمكانية أن تقوم السعودية بشراء قنبلة نووية جاهزة من باكستان، علاوة على أنها قررت إقامة 18 مفاعلا نوويا لإنتاج الكهرباء قبل الأزمة مع إيران. أما بالنسبة لمصر 'التي تجد صعوبة في توفير الطعام لمواطنيها' فلن يكون لديها ميزانيات للاستثمار في النووي والمجازفة بخسارة المساعدات الأميركية.

ووصف فيشمان تحول الأردن إلى دولة نووية على أنه 'نكتة مثيرة'، وبالتالي فإن السؤال يظل مفتوحا بالنسبة لتركيا. وفي كل الحالات، فإن إسرائيل يجب أن تستعد لوضع لا تكون فيها الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط.

ولا يغفل المحلل عوامل أخرى يعتقد أنها ستدفع إيران باتجاه الاعتدال من قبيل أنه سيكون لديها ما تخسره، حيث أن إيران الدولة مع علاقات اقتصادية متشعبة ستتصرف بشكل أكثر حذرا.

ويعتبر أن هناك عاملا آخر يدفع باتجاه الاعتدال وهو تقارب إسرائيل من دول في المنطقة على 'قاعدة العدو المشترك'. ويكتب فيشمان في هذا السياق أن 'لو تم إيقاظ ضابط مخابرات سعودية كبير ونظير إسرائيلي له، وطلب منهما تعداد التهديدات، فستكون القائمتان متقاربتين'. ومع ذلك يلفت الكاتب إلى أن السعودية سبق وأن 'أوضحت لإسرائيل سرا بأنه سيكون من الصعب عليها تحقيق هذه المصلحة المشتركة بكاملها وبشكل معلن طالما لا تبدي إسرائيل اهتماما بتطوير الحوار مجددا مع الفلسطينيين، وعلى رأس ذلك مبادرة السلام العربية'.