خبر جامعاتنا .. جودة صينية وأسعار أمريكية.. امين فايق ابو عيشة

الساعة 02:39 م|11 يوليو 2015

بقلم : أمين فايق أبو عيشة – المحلل المالي  والاقتصادي

   تتعدد برامج التعليم العالي في جامعاتنا الفلسطينية وتتباين خططها وتتنوع مؤهلاتها ودرجاتها العلمية ، فالرسالة والرؤية هو مقدار ما تفرخه هذه الجامعات من خريجين لسوق العمل ليس إلا ... فهي ترفع من شعار كل له شهادة ... والكل يجب أن يحصل على شهادة ومؤهل خطاً استراتيجيا لها تساق إليه ، لا يهم معدلاته في الثانوية العامة لبعض هذه الجامعات ... بل تخفض وتلعب بعض الجامعات الغزية بمفاتيح تنسيقها لقبولها لعلاج اوضاعها المالية دون رقيب او حسيب .. كمالا يهم من أين هذه الشهادة تمنح .. من جامعة أم من نصف جامعة من كلية أم من معهد ؟ ولا يهم كيف يتم الحصول على هذه الشهادة ؟ ولا يهم أيضاً ما هو مستوي الجودة ؟ وبالتالي لا يهم مستوي التميز ؟ فالتعليم العالي متوافر للجميع ؟ سواء كان مؤهلاً لذلك أم لا ؟ قادراً على صناعته أو غير قادر ؟ راغباً في التعلم أم جامحاً عنه ؟ ، أم ما زال ذلك الشخص يافعاً أم كاهلاً  ؟ فاته التعلم أم لم يفته ؟ ! لكن الشرط الوحيد والأكيد هو دفع السعر، فها هي الجامعات انتشرت في كل بقعة وتعددت برامجها على المستويات كافة ، حتى إن الكثير من جامعاتنا لا تستطيع أن تتحرك خطوة إلى الأمام لضخامة ما فيها من معاهد وكليات وعمادات مساندة وبرامج دراسات عليا ومراكز – لا تدري ما وظيفتها !  تراها تقبل أي طالب تخرج في الثانوية العامة مهما كانت إمكاناته واستعداده ورغبته ، بل تتفاخر بذلك في وسائل الإعلام بعدد برامجها وكلياتها بكثير من المبالغات للأسف وتمضي وتروج .... فمن فاته قطار التعليم العالي ترى الجامعات تعوضه عن طريق مصادر عدة ، منها برنامج ''التجسير'' فيحول من دبلوم  للبكالوريوس ، تُرى هل ما يحدث للتعليم العالي في بلادنا توجه صحي أو بالأحرى هل نحن في الاتجاه الصحيح ؟ هناك نظرية اقتصادية تقول: إن زيادة طباعة النقد الوطني للدولة  تقل قيمته ويخفض ذلك من قيمته الشرائية ، فعندما تقوم بعض الدول بزيادة طباعة عملتها الوطنية من دون رصيد وهدف للإصدار تقل قيمتها مع الوقت وقد تفقد بالفعل قيمتها وتصبح مجرد أوراق ترمى في سلة المهملات ليس إلا .. ، وهذا بالفعل ما يحدث للتعليم العالي في بلادنا عبارة عن توزيع أوراق تسمى شهادات لكل من يرغب فيها سواء أكان قادرا أو غير قادر، راغبا أو غير راغب، ولهذا ستفقد هذه الشهادات قيمتها مع الوقت لأنها حتماً ستكون خاوية من مضمونها ، وأنا لست هنا ضد التعليم ، فكثير من الدول لم يقفز في سلم التنمية ويحقق الرفاهية الاقتصادية إلا بالعلم والتعليم ، لكن الذي يحدث في بلادنا ليس تعليما ولا يمكن أن يكون البتة نهضة تعليمية ، بل هو في رأى عبارة عن توزيع الوهم للناس وإرواء ظمئهم في تقدير ذاتهم عن طريق توزيع أوراق تسمى شهادات لكل من يرغب ... وتحت مظلة مؤسسة أكاديمية رسمية ؟ عندما أرى آليات جامعاتنا في توزيع الشهادات وأقارن ذلك بما يحدث في دول العالم أصاب بالدهشة ! ، لن نختلف أن للجامعات ثلاث مهمات وهي مهمة التعليم ومهمة البحث العلمي ومهمة خدمة المجتمع ، ولكل جامعة حق التركيز والمفاضلة بين احدي هذه المسارات أو المزاوجة بينها ، فهل حقاً فعلت جامعاتنا هذه المهمات والمسؤوليات فالناظر لمهمة التعليم نجد أن النظام التعليمي التعلمي في جامعاتنا ما زال متأخراً يعتمد في معظمة على التلقين والتحفيظ ؟ حدثني أحد معارفي أن أحد الأستاذة في احدي جامعاتنا الموقرة قام بتحديد أسئلة الاختبار النهائي لطلاب درجة البكالوريوس وطالب الطلاب بالإجابة عليها قائلاً لهم « حلوها واحفظوها غيباً  » علماً أنها كانت من النوع المقالي باحتكار ، وعلى جامعاتنا كذلك رعاية البحث العلمي فعلاً على أرض الواقع من خلال البحث العلمي الجاد وإقرار البحث التكميلي لكل مادة من المواد المسجلة للتعليم الجامعي وأن يعرض ذلك للنقاش من خلال حلقات الجودة في التعلم وتنظيم المسابقات البحثية وأن تحفز مادياً ، و على جامعاتنا ألا تظل أسيرة أسوارها ، فكما الجامعات جزء من المجتمع فلا بد أن توجه خدماتها لعلاج جزء من إشكاليات مجتمعاتنا كتمويل بعض المشاريع ورعاية ذو الاحتياجات الخاصة ومحاولة علاج  بعض المشاكل الاجتماعية ، وبل أن تدفع بطلقاتها من حيزها في مقارها لتصبح عند حدود الوطن في كل جهاته السيادية.. فإن عجزت جامعاتنا على أن تكون مصدرا للتعليم والتعلم.. والبحث العلمي ...وخدمة المجتمع وقضياه بكل دلالتها ومسؤولياتها وواجباتها … فإنها وبكل أسف لن تكون إلا مؤسسات  لتخريج عاطلين عن العمل ليس إلا …يحملون في جيوبهم منتجا صينيا عديم القيمة...   ببساطة لأنه من السهل جدا أن تبني معهداً وكلية وجامعة ... لكنه من الصعب جدا أن تصنع إنسان وتفوز بتنمية .... أننا نتطلع أن يكون وراء ذلك قول وفعل!.... وألا تظل جامعاتنا تبيع الوهم للناس ...

 

دمتم بعز ،،،

[email protected]