خبر المانيا فقط- هآرتس

الساعة 09:21 ص|05 يوليو 2015

فلسطين اليوم

بقلم: عميره هاس - بلغراد

          الى تل ابيب يصل لاجئون سوريون يبحثون عن طعام معروف ورخيص. هذا ما تقوله الشائعات. لكن في المرتين اللتين مررت فيهما هناك في الاسبوع الاخير لم أرَ أي لاجيء للعلاج.

الى محل شاورما « بار »، الذي صاحبه لاجيء فلسطيني من مواليد سوريا، وهو يعيش في بلغراد منذ سنوات، يصل اللاجئون عند الظهيرة، ويأكلون هناك الفلافل الشهي. أحد الطباخين هو ر. من أريحا، وهو يتعلم الهندسة الميكانيكية في صربيا. وبدل العودة الى البيت في العطلة الصيفية فانه يقوم بصنع سانديشات الفلافل من اجل نفقاته.

          في يوم الخميس الماضي م. و ع. وط. من مخيم اليرموك للاجئين اكتفوا بالخبز واللبنة التي اشتروها من دكان صغير بالقرب من محطة الحافلات المركزية. محطة بلا اسم، وبعض الشباب في المدينة يطلقون عليها اسم « محطة اللاجئين ». مرة في الاسبوع يوزعون هناك الشاي والقليل من الحلويات على اللاجئين، ويطلبون من المواطنين الصربيين اظهار التضامن. ويجلس اللاجئون خلال اليوم على العشب الاخضر والكراسي تحت الاشجار: مجموعات، معظمهم من الرجال والقليل من الاطفال والنساء. ينامون، يتحدثون، يدخنون وينظرون بصمت الى المحليين الذين يمرون عليهم. حروب الشرق الاوسط التي حولتهم في السنتين الاخيرتين الى جزء من المشهد اللاحربي ليوغسلافيا سابقا، تطاردهم.

          خلال ساعات النهار يظهر لاجئون في محطات اخرى وفي المتاحف الباردة وبجانب مطاعم الاكل الحلال الباكستانية. وهم يعرفون الابتعاد عن الشوارع النظيفة التي فيها المحلات باهظة الثمن. في يوم الثلاثاء عزفت فتاتين صربيتين على الكمان على طرفي شارع الامير ميخائيل، وفرقة موسيقية شعبية نافستهما لتحظى بآذان وجيوب عابري السبيل. وقد نزل شرطيين الى مدخل مظلم لحانوت مغلق حيث هناك شابين يميل لونهما الى السمرة، ضائعان ويعتذران. الشرطيان قاما بفحص أوراقهما الثبوتية. سوريان؟ عراقيان؟ فلسطينيان؟ لاجئين من كوسوفو؟ لقد بقي السؤال مفتوحا لأن الشرطة بقيت طويلا لتفحص وتحقق بحركات جسدية تهديدية.

          تقرير « هيومنرايتسووتش » منذ بداية العام انتقد الشرطة الصربية بسبب معاملتها للاجئين. وقد رفض ممثلو السلطات في صربيا الالتقاء مع محققي المنظمة. لكن حسب تقدير س. وهو شاب صربي يشارك في مبادرة « شاي بدون حدود »، فان ضغط الشرطة على اللاجئين تقلص في الاشهر الاخيرة، على الأقل في بلغراد، وعلى الأقل خلال ساعات النهار. تقوم الشرطة فقط بابعادهم عن الساحات العامة مع قدوم الليل، واحيانا تداهم النزل الصغيرة التي يسكنون فيها (10 يورو لليلة لمن لديه أوراق ثبوتية، و20 يورو لمن ليس لديه أوراق). « الاوراق الثبوتية » هي أوراق من الشرطة بأن فلان طلب اللجوء السياسي، وعلى صاحب الأوراق أن يصل خلال 72 ساعة الى معسكر يوضع فيه طالبو اللجوء بشكل مؤقت، أو يغادر. نحو الربع فقط من أصل 200 ألف شخص ممن طلبوا، حصلوا على اللجوء في صربيا في العام الماضي. الاغلبية تطمح الى الوصول الى غرب اوروبا، بالذات المانيا. فهناك حسب رأيهم فرص ايجاد العمل والاستقرار أكبر.

          المانيا هي ايضا هدف للفلسطينيين م. وع. وط. لقد اخترت التحدث معهم قبل التعرف على لهجتهم الفلسطينية. جلسوا على العشب الاخضر مع زوجين عراقيين مع بنتين وولد. الشباب الفلسطينيون الثلاثة في أواخر العشرينيات من اعمارهم، وقد تعرفوا على بعضهم في تركيا حيث هربوا اليها في بداية العام. وهناك التقوا مع الزوجين العراقيين. « لقد ساعدوني بالمال وبالتشجيع وبالعلاقات، ولولاهما لما استطعنا أن نتدبر أمرنا »، قالوا. « مللنا ». قال الأب العراقي، « ما نفعله هو من اجل الاولاد فقط ».

          لم يكن أحد يرغب في الحديث مطولا عما حدث: داعش، التهريبات، البقشيش، المخاوف، لامبالاة السكان أو رحمتهم. في تلك الليلة كان عليهم أن يجدوا مكانا في حافلة تنقلهم الى حدود هنغاريا للعبور اليها. كانوا في السفارة الفلسطينية في أنقرى، طلبوا المساعدة من دولة فلسطين من اجل البقاء قليلا في تركيا. « تعالوا لا نخدع أنفسنا »، قال لهم الشخص في السفارة، « نحن لسنا دولة ». ومن تركيا استمروا الى اليونان، ومنها الى مقدونيا – هناك يحظر على اللاجئين السفر في المواصلات العامة. وقد ذهبوا سيرا على الأقدام مدة 30 ساعة، وعبروا الحدود، ومن هناك استقلوا القطار الى بلغراد: في الليل هي مليئة فقط باللاجئين.

          عائلاتهم من يافا، عكا وطبرية. ط. (لديه أقارب في جنين)، يقول إنه حاول ست مرات العودة الى فلسطين عن طريق الجولان. « رأيت العدو الاسرائيلي أمامي »، قال، « لكن النظام السوري لم يسمح لي بعبور الحدود ». م. وهو مهندس، يقول إنه لا يريد العودة الى فلسطين. « صحيح أن هذه ارضنا لكني ولدت في سوريا، وأنا أريد العودة الى هناك ». فهو مقتنع أن اسرائيل ستطرد في النهاية جميع الفلسطينيين. وحينما قلت إن هذا غير صحيح وإن الفلسطينيين لن يسمحوا بحدوث ذلك أجاب: « هل اعتقد أحد قبل ثلاث سنوات أن يحدث في سوريا ما يحدث الآن؟ ». لقد وعدني بأن يتصل معي من خلال الفايبر حينما يتاح له ذلك.