خبر إسرائيل واستغلال «عقدة الذنب» الألمانية.. حلمي موسى

الساعة 08:16 ص|26 يونيو 2015

إسرائيل واستغلال «عقدة الذنب» الألمانية:
ليس لنا مصلحة في تطبيع العلاقات مع برلين

شكلت العلاقات الألمانية ـ الإسرائيلية في العقود الماضية إحدى أهم دعائم المشروع الصهيوني.
ومنذ الاتفاق بين الحكومتين الإسرائيلية والألمانية في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات على دفع التعويضات، سواء لليهود من ضحايا النازية أو للدولة العبرية نفسها، شكل المال الألماني أحد أهم محركات التقدم في الاقتصاد الإسرائيلي.
وقد مولت ألمانيا مراراً صفقات أسلحة لإسرائيل، كما أنها وفرت لها في العقدين الأخيرين الكثير من جوانب المنعة، سواء على صعيد بطاريات الدفاع الجوي (باتريوت)، أو الغواصات النووية. ولكن كل ذلك، ورغم مرور أكثر من سبعة عقود على اندحار النازية لم يغير شيئاً من استغلال إسرائيل لـ «عقدة الذنب» الألمانية. وصار استغلال هذه العقدة سياسة إسرائيلية ممنهجة، لا تسمح لألمانيا بإبداء أي انتقاد جدّي للتصرفات والجرائم الإسرائيلية.
ويحتفل هذا العام، في كل من برلين وتل أبيب، بالذكرى الخمسين لإنشاء العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين. وتحاول إسرائيل، التي تعاني كثيراً هذه الأيام من تراجع شعبيتها في أوروبا، تعميق استغلالها لعقدة الذنب الألمانية لمنع الاتحاد الأوروبي من الذهاب بعيداً في معاقبتها.
وكان اجتماع خاص لإحدى لجان الكنيست قد شهد مؤخراً تقارير قدّمها سفراء إسرائيل في أوروبا، أشارت إلى أن 150 مليون أوروبي باتوا يعادون إسرائيل. وطبيعي أن تكون ألمانيا تحديداً، خارج سياق «حملة الكراهية» والصدام الديبلوماسي مع إسرائيل في القارة الأوروبية. وهناك إجماع على أن العلاقات مع ألمانيا هي حتى الآن العلاقات الأفضل لإسرائيل في أوروبا.
وكان رئيس «البوندستاغ» (البرلمان) الألماني نوربرت لامرت قد أعلن، في خطابه أمام الكنيست في سياق الاحتفالات بمرور 50 عاماً على إنشاء العلاقات الديبلوماسية بين إسرائيل وألمانيا، أن «شدة الصداقة بين إسرائيل وألمانيا تعتبر معجزة تاريخية». كما أشاد رئيس الكنيست يولي أدلشتاين بالعلاقات بين الدولتين واصفاً إياها بـ «الخاصة والاستثنائية».
ولكن رغم الحديث عن الاحتفالات، وأفضل العلاقات والمساعدات الألمانية المالية والاقتصادية والسياسية لإسرائيل، لا ينتبه كثيرون إلى أن إسرائيل لم تنسَ ولن تغفر لألمانيا، وتواصل رفض تطبيع العلاقات معها.
وفي حديث مغلق مع صحافيين في السفارة الإسرائيلية في برلين، قالت المتحدثة باسم السفارة عيدي فرجون إنه ليس لإسرائيل مصلحة في تطبيع العلاقات مع ألمانيا. وأضافت أن شعور الألمان بعقدة الذنب تجاه «المحرقة» النازية يخدم وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وقالت صحافية شاركت في ذلك اللقاء إنها ومَن كان معها شعروا بالصدمة. وأضافت أن «المتحدثة قالت صراحة إن مصلحة إسرائيل تقتضي صيانة شعور الألمان بالذنب، مضيفة أنه من دون هذا الشعور فإننا نغدو مجرد دولة كباقي الدول في نظرهم». وقال آخرون، حضروا اللقاء، إن السفير الإسرائيلي في برلين كان حاضراً في جانب من النقاش، وكذا حال العديد من موظفي السفارة.
وأشار صحافي آخر إلى أن «الأمر كان محرجاً. لم نصدق ما سمعته آذاننا. كنا جالسين نأكل الفستق، فيما جلست خلف المتحدثة باسم السفارة ألمانيتان لا تعرفان اللغة العبرية، فيما كان طاقم السفارة يخبرنا أنهم يعملون على صيانة شعور الألمان بالذنب، وأنه ليست لإسرائيل مصلحة في تطبيع العلاقات بين الدولتين».
وحين تمّت مراجعة المتحدثة حول هذا الاقتباس، قالت «أنا لا أتذكر أنني قلت هذا»، لكنها أضافت «لا أستطيع الالتزام بهذا الاقتباس أو ذاك، ولكن الحديث كان ليس للاقتباس ومجرد توجيه إعلامي. والطريقة التي أتحدث بها مع صحافيين إسرائيليين مختلفة. وليس المقصود أن يتسرب الكلام خارج القاعة. أنا لا يمكنني أن أكشف المبادئ التي نعمل وفقها. وأنا مثلاً لا أكشف من أقوم باستخدامهم لتمرير قصص جيدة هنا وهناك ولا لمن أدفع مالاً من أجل ذلك».
غير أن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية قال إن «هذا اقتباس مغرض تم إخراجه من سياقه، من داخل إيجاز لم يكن معداً للاقتباس أمام صحافيين إسرائيليين زاروا برلين. وخلال هذا الإيجاز جرى نقاش مفتوح وانتقادي، شارك فيه الصحافيون الضيوف، والمؤسف أن أحداً قرر انتهاك قواعد الأخلاق الصحافية وإخراج أقوال منتقاة عن سياقها الواسع وتشويه محتواها بشكل غريب».
تجدر الإشارة إلى أن صيانة شعور الألمان بالذنب ليست زلة لسان وإنما سياسة إسرائيلية مقصودة. ويشهد على ذلك أن السفير الإسرائيلي في برلين يعقوب هداس هندلسون قال، لصحيفة ألمانية العام الماضي، إن العلاقات بين الدولتين «ليست طبيعية»، داعياً الألمان لزيارة إسرائيل «كي يتعرفوا أفضل على أنفسهم».
وقال هندلسون، لصحيفة «مورغين بوست» لمناسبة اليوم العالمي لذكرى «المحرقة» النازية رداً على سؤال حول وجود الإسرائيليين في برلين، «واضح أن شيئاً ليس طبيعياً بيننا. ليس بوسع أي ألماني أن يقول: لقد قضينا عقوبتنا، جلسنا سنوات طويلة في السجن، ونحن الآن أحرار. لقد خسرنا هنا ثلث شعبنا. هذا أمر يستحيل إصلاحه». وطالب السفير الإسرائيلي الألمان بأن يتعلّموا دوماً من ماضيهم.