خبر عندما يكون النصر أسوأ من الهزيمة ..بقلم د. وليد القططي

الساعة 12:04 م|16 يونيو 2015

فلسطين اليوم

بعد أن مرت علينا ذكرى النكبة , وتلتها ذكرى النكسة , بحثنا عن ذكرى جميلة تخرجنا من أجواء النكبة والنكسة , فلم نجد إلا ذكرى لا تقل سوءاً عنهما هي ذكرى الانقسام الثامنة لتذكرنا باستمرار حالتي النكبة والنكسة , والانقسام كمصطلح وسط بين الانقلاب والحسم  يصف ما حدث دون تأويل , أُضيف إلى قاموس المصطلحات السياسية الفلسطينية للدلالة على ما حدث في صيف عام 2007 في قطاع غزة عندما سيطرت حركة حماس على مقاليد السلطة في غزة بالقوة منفردة ,رغم كونها كانت جزءاً من السلطة , وفي نفس الوقت تم إبعادها عن المشاركة في السلطة في الضفة , ومن يومها ونحن نعيش زمن الانقسام الذي أُضيف إلى زمني النكبة والنكسة , فتراكم الانقسام على الاحتلال والحصار والاستيطان , لتتضاعف معاناة الفلسطينيين في هذه الأزمنة الغبراء والأوقات النكراء .

واذا كان زمن الاحتلال لم يغادرنا – وأن تبدّلت أشكاله – فإن زمن الانقسام لا يريد أن يغادرنا هو الآخر , أو بالأحرى لا نريد أن نغادره , كي لا نعيب زماننا والعيب فينا , لأنه من فعل أيدينا , وكلما اقترب المنقسمون من مغادرة محطة الانقسام بحقائبهم الثقيلة المحمّلة بأحقادهم الدفينة وخلافاتهم العميقة ومصالحهم المتناقضة ... أو هكذا خُيّل لنا , سرعان ما نصحوا من هذا الحلم الجميل على صلصلة كابوسٍ قبيح فإذا بنا أمام واقع الانقسام بشحمه ولحمه رافعاً رأسه , ومخرجاً لنا لسانه , هازئاً بحلمنا الجميل ولسان حاله يقول : لن أغادر محطة الانقسام إلى واحة الوحدة , ولن أترك ما يفرّقنا إلى ما يجمعنا , ولن أقدم أولويات الوطن على مصالح الحزب , ولن أُبعد دعاة الفرقة وأقرب دعاة الوحدة... حتى يلج الجمل في سم الخياط , « واللي مش عاجبه يشرب من البحر » أو ليبحث عن وطنٍ آخر .

ومن ذكريات الانقسام في زمن فات أنني كنت في أحد اللقاءات السياسية عقب الانقسام مباشرة متحدثاً عن الواقع السياسي الفلسطيني في ظل الانقسام , تلقيت سؤالاً من أحد المشاركين في اللقاء نصه « هل انتصرت حركة حماس على حركة فتح في غزة ؟ » , وكانت اجابتي مختصرة نصها « نعم ولكن هذا النصر أسوأ من الهزيمة » وأضفت قائلاً « وحتى لو كانت النتيجة معكوسة أي أن حركة حماس هُزمت عسكرياً في هذا الصراع , فإن انتصار حركة فتح هو أيضاً نصرٌ أسوأ من الهزيمة » حينها أضاف الأخ المشارك في اللقاء سؤالاً آخر إلى سؤاله السابق « وكيف يكون النصر أسوأ من الهزيمة ؟! » فكانت اجابتي تتمحور حول فكرة واحدة هي أنه في الصراعات الداخلية أو الحروب الأهلية داخل الشعب الواحد والمجتمع الواحد فإن أفضل الطرق لإنهائها هو الحوار الداخلي مهما كانت هذه الصراعات عميقة والخلافات كبيرة , سواء كانت هذه الصراعات والخلافات على المبادئ والأفكار والبرامج أم على المصالح والسلطة والنفوذ .

فالحوار الداخلي الهادف إلى التوصل إلى توافق وطني وكلمة سواء توّحد المتصارعين وتجمع المختلفين هو الطريق الأفضل للشعب والوطن والقضية , إما إنهاء الصراع بالقوة المسلحة والحسم الأمني  فسيؤدي إلى إقصاء أحد الأطراف وإلغاء وجوده السياسي وربما المادي مؤقتاً , ولكنه لن ينهي الصراع وقد يؤجله إلى حين , وبالتالي ستكون كل الأطراف في دائرة الخسارة منتصرة أو مهزومة . وفي الحالة الفلسطينية فإن إنهاء الصراع بالحوار للتوصل إلى توافق وطني يُعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني – وليس فقط مصالحة لإعادة اقتسام السلطة – يصبح أكثر إلحاحاً كوننا لا زلنا نعيش تحت الاحتلال الصهيوني وفي مرحلة التحرر الوطني .

وعندما قلت ذلك لم تكن أضرار الانقسام وآثاره السلبية في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ظاهرة كما هي اليوم , وهذه الآثار السلبية على المجتمع الفلسطيني وقضيته الوطنية تعّمقت مع مرور الأيام والسنين وعززت هذه المقولة بأن ما حدث كان نصراً أسوأ من الهزيمة خاصة بعد أن أصبح الانقسام السياسي والمجتمعي واقعاً مؤلماً في مختلف تفاصيل الحياة الفلسطينية , بحيث نحتاج إلى جهود كبيرة ووقت طويل لإنهاء إفرازات الانقسام السيئة فيما لو قررنا انهائه .

والخلاصة أن انهاء الانقسام الفلسطيني يتم بإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وفي اطاره بحيث لا تتركز على تقاسم السلطة أو إداراتها , بل تكون السلطة نفسها خاضعة للنظام السياسي الفلسطيني وجزء منه تخدم الشعب الفلسطيني وليس عبئا عليه وتخدم الاحتلال . وتكون منظمة التحرير الفلسطينية بعد تعديل هيكلها ومكوناتها وميثاقها قائداً للمشروع الوطني الفلسطيني القائم على الثوابت الوطنية الجامعة ,ويعتمد على المقاومة طريقاً للتحرير , ويركز على الصراع مع العدو الصهيوني ومقاومته العدو المركزي للشعب الفلسطيني وللعرب والمسلمين . وهكذا فقط يكون الجميع منتصرين أو في طريقهم للنصر الحقيقي , وعندئذ فقط يكون النصر أفضل من الهزيمة .