خبر رئيس بحجم طبيعي- هآرتس

الساعة 10:21 ص|14 يونيو 2015

فلسطين اليوم

بقلم: تسفي برئيل

          ساعة التوقف الافتراضية التي نشرتها صحيفة « هورييت ديلي نيوز » في موقعها على الانترنت، توقفت بعد ثلاثة ايام و22 ساعة ودقيقة و45 ثانية. هذا هو الزمن الأطول الذي حافظ فيه الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان على الصمت خلال هذه الحملة الانتخابية، حيث ظهر ثلاث مرات في اليوم في التلفاز وأسمع صوته في خطابات علنية متهكمة ضد المعارضة. وقد تسببت نتائج الانتخابات بصدمة وصمت مطبق لدى الرئيس، لا سيما في الوقت الذي انتظرت فيه تركيا سماع صوته.

          لكن بين جدران قصره الفخم، الذي كلف دافع الضرائب ملايين الدولارات، لم يهدأ العمل للحظة. فبعد اعلان نتائج الانتخابات فورا، عقد اردوغان جلسة مع مستشاريه ورؤساء حزبه، وقد استمرت الجلسة 20 ساعة. حسب مصادر تركية لم تكن الجلسة هادئة، وتبادل الجميع الاتهامات وكان هناك من اتهم رئيس الحكومة، احمد داود أوغلو بالمسؤولية عن الفشل الكبير.

          مؤيدو اردوغان في وسائل الاعلام وجهوا اصبع الاتهام الى نشطاء الشبكات الاجتماعية ايضا، الذين لم يقوموا بما يكفي من اجل تجنيد الجمهور للتصويت لحزب العدالة والتنمية، ولم يتطرقوا للموضوع الاقتصادي وباقي المواضيع التي تقلق الجمهور.

          بعد ذلك بفترة قصيرة بدأت تصفية الحسابات مع الاعلام، هذه المرة ليس مع الاعلام المعارض، التي تعرضت في السنوات الاخيرة لضربات قوية من النظام، وانما تلك التي تؤيد الحكومة، حيث اسرع صديق اردوغان مثلا طورجاي جينر – الملياردير الذي يملك من ضمن ما يملكه « جينر ميديا جروب » المسؤولة  عن عدة وسائل اعلامية مهمة في الدولة – لاقالة آغا اونر وهي مقدمة برامج مشهورة في شبكة TV SHOW« " بالاضافة الى 25 موظف في الشبكة. بعض هؤلاء كتبوا على الشبكات الاجتماعية قبل الانتخابات انهم يؤيدون حزب الشعوب الديمقراطي المقرب من الاكراد، وآخرون انتقدوا بطريقة معتدلة اردوغان، والان حانت لحظة الحساب.

          لكن هذا الحساب باتجاهين، لانه في نفس اللحظة بدأت وسائل اعلام مؤيدة لاردوغان بتعديل تأييدها على ضوء الاجواء الجديدة في تركيا بعد الانتخابات. هذه الظاهرة تذكر مراجعة الذات التي قامت بها الصحافة المصرية بعد الثورة عام 2011. حيث نقل مؤيدي حسني مبارك بسرعة تأييدهم للثورة وانضموا للمعارضين في محاولة للابقاء على الشرعية الجماهيرية الخاصة بهم.

          لكن تصفية الحساب مع الخصوم السياسيين قد تكون خطيرة. على الاقل حتى اقامة الائتلاف الذي سيشكل الحكومة، لان الهدف القادم هو الاستقرار السياسي. الكاتب التركي ساميا ايديز تحدث عن رغبة المستثمرين ورجال الاعمال في تركيا قائلا: »لامر الافضل الذي كان يمكن ان يحصل هو هزيمة لاردوغان ونجاح لرئيس الحكومة داود اوغلو أي أن عدد اعضاء حزب العدالة والتنمية في البرلمان يكون قليل بما يكفي لمنع اردوغان من تنفيذ رغبته في اقامة حكم رئاسي، لكن كبير بما يكفي لتمكين رئيس الحكومة من تشكيل حكومة بدون شركاء. أي بالارقام بان يكون 276 – 329 مقعدا للحزب في البرلمان. لان رجال الاعمال، وليس هم فقط، يعارضون الحكم الرئاسي، وبنفس الوقت يخافون من حكم ائتلافي يعرقل عمل الحكومة، لكن نتائج الانتخابات لم تستمع للرغبات. اردوغان لا يستطيع تغيير الدستور مع حزب فاز بـ 259 مقعدا. لكن رئيس حكومته ايضا لا يستطيع تشكيل حكومة بدون ائتلاف.

          « يعلمنا التاريخ ان حكومة ائتلافية ليست جيدة لتركيا »، قال داود اوغلو « لكننا جاهزون لاي سيناريو بناء على التطورات الاخيرة ». تركيا لم تنجح بالعمل كما هو لازم عندما قادتها حكومات ائتلافية. الخلافات والصراعات لم تتسبب فقط باضرار اقتصادية كبيرة، وانما ايضا لاندلاع احداث عنف ادت الى انقلابات عسكرية في حالتين. لكن « التطورات الاخيرة » على حد قول داود اوغلو – أو بطريقة اكثر وضوحا، سقوط حزب السلطة- تستوجب ائتلاف الذي بدونه قد تسقط الحكومة عند اقامتها. وقال اردوغان في حديثه هذا الاسبوع مع اكبر اعضاء البرلمان سنا دنيز بيكل الذي كان رئيس الحزب الجمهوري المعارض (قبل ان يستقيل عام 2010 بسبب نشر افلام فيديو يظهر فيها بغرفة مع واحدة من اعضاء البرلمان) قال اردوغان ان « جميع الخيارات لاقامة ائتلاف مفتوحة » وصحيح ايضا ان امكانية تقديم الانتخابات واردة لكن من المشكوك فيه ان يرغب حزب السلطة مواجهة اختبار الجمهور مرة اخرى في الوقت القريب.

          المفارقة التي يتعرض لها اردوغان ستكون حجم التنازلات التي سيقدمها لشركائه. فمثلا ضم حزب الاكراد الذي فاز بـ 80 مقعدا سيضطره الى تعديل الروحية القومية التي عبأها في العام الاخير، وبالتالي التصالح مع الاكراد الامر الذي يعني تنازلات كبيرة بخصوص الحكم الذاتي الثقافي الذي يسعى اليه الاكراد. وتبني خط ليبرالي كما يريد الحزب، واعادة النظر في سياسته تجاه الاقلية الكردية في سوريا والعراق. وفي نفس الوقت يستطيع اردوغان متابعة تنفيذ الاجندة الاسلامية الخاصة به. حيث ان الاكراد حازوا على اصوات الاكراد المحافظين الذين صوتوا في الماضي لحزب العدالة والتنمية.

          بالمقابل، فان الشراكة مع الحزب القومي الذي على رأسه دولت بهتشلي قد تضر بعلاقات تركيا مع الاتحاد الاوروبي وتهدد عملية المصالحة مع الاكراد وتضطر اردوغان الى اتخاذ سياسات اكثر اعتدالا تجاه سوريا حيث ان الحزب القومي يتهم اردوغان بجر هذه الحرب الى داخل سوريا. ومشاركة الحزب القومي برئاسة كمال كيليشلد راولو، ممكنة بالرغم من الخلاف الايديولوجي العميق بينه وبين حزب السلطة. والحرب البشعة التي أدارها اردوغان ضد عدوه. لكن يمكن أن يفضل اردوغان شريك صغير على الحزب الذي لديه 132 مقعدا في البرلمان، ويستطيع المطالبة بتنازلات أكثر.

          تركيا التي تحولت في الاشهر الاخيرة الى حليفة للسعودية وقطر في الحرب ضد داعش، تثير الآن اسئلة في هاتين الدولتين حول التزامها بالسياسة المشتركة. رؤساء احزاب المعارضة في تركيا قالوا خلال الحملة الانتخابات إنهم لن يستمروا في سياسة دعم المنظمات الراديكالية في سوريا، بما فيها الاخوان المسلمين وجبهة النصرة. السعودية وقطر ترى هذه المنظمات على أنها مرساة ايجابية في الحرب ضد داعش في حربه ضد الاسد. اذا وضعت احزاب الائتلاف الحجارة على رقبة هذه السياسة فان تركيا ستفقد مكانها في الائتلاف العربي الجديد. وفي المقابل، السياسة الجديدة ضد المنظمات الراديكالية قد تُقرب تركيا من مصر، بعد أن قطعت مصر علاقاتها الرسمية معها في العامين الاخيرين بسبب تأييد اردوغان للاخوان المسلمين.

          في ظل خيبة أمل السعودية من فقدان اردوغان لقوته، وهو الشريك السني، فان ايران مرتاحة جدا. « هذا نتيجة اللعنة السورية التي ستطارد اردوغان والعثمانيين الجدد... الشعب التركي وقف ضد الطموح العثماني لاردوغان ودفنه الى الأبد »، كتب موقع « فارس » المقرب من حرس الثورة. وهناك من تحدث عن وجود اتحاد الشماتة بين اسرائيل وايران. من المبكر القول إن السياسة الخارجية لتركيا ستتغير، وكيف ستتأثر علاقاتها الاقليمية. الاهتمام الآن أكثر بتأثير الانتخابات على اقتصاد الدولة، والاستثمارات الاجنبية ومستقبل حزب العدالة والتنمية، الذي هبط من حزب أبدي قادر على كل شيء الى حزب مصاب.