خبر رسالة عسكرية جزائرية تعيد الجيش « رسمياً » إلى السياسة

الساعة 05:45 ص|14 يونيو 2015

فلسطين اليوم

لا تكاد القوى السياسية والمتابعون للشأن السياسي في الجزائر، ينتهون من فهم تفاصيل تطور سياسي، حتى يلحقه تطور آخر أكثر أهمية. تطورات لا تتوافق مع حالة الجمود التي دخلت فيها البلاد، منذ أكثر من ثلاث سنوات، بسبب تداعيات الوضع الصحي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

ثلاثة أحداث مركزية ميّزت الأسبوع السياسي في الجزائر: رسالة قائد الجيش إلى زعيم « جبهة التحرير الوطني » (الحزب الحاكم) عمار سعداني، التي أعادت الجدل بشأن علاقة الجيش بالسياسة، ومؤتمر الحزب الحاكم وما انتهى إليه من تشديد سعداني قبضته على الحزب، وتنحي رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح من منصب رئاسة « التجمع الوطني الديمقراطي »، الحزب الثاني الموالي.

أكثر من أي حدث آخر، أطلقت الرسالة التي وجّهها قائد أركان الجيش، الفريق قايد صالح إلى سعداني، مجدداً، أسئلة عديدة بشأن صلة الجيش بالمشهد السياسي، بعد أكثر من عقد على إعلان قيادة الجيش انسحابها العملي من الشأن السياسي، وتحميل الأعباء السياسية لأصحاب الشأن. وظلّت المؤسسة العسكرية تؤكد، بعد سنوات، عدم تدخلها في الشأن السياسي، وتطالب السياسيين بإبعادها عن أي جدل خصوصاً في المواعيد الانتخابية. كما كانت قيادة الجيش، مع كل مناسبة، تصدر سلسلة من البيانات، تؤكد فيها أن لا صلة لها بالمشهد السياسي، وأنها تقف على مسافة واحدة من كل القوى السياسية، على الرغم من أن الواقع والظروف المحيطة بالعمل السياسي في الجزائر، وهيمنة المؤسسة العسكرية لعقود لن تسمح بقطع حبل الصرة بين الجيش وصناعة القرار، وهو ما ظهر جلياً في أكثر من استحقاق انتخابي.

ففي انتخابات عام 1999، عملت قيادة الجيش على إعادة عبد العزيز بوتفليقة، بعد 20 سنة من ابتعاده عن المشهد السياسي، والدفع به إلى سدة الحكم، ودعمه في انتخابات عام 2004 ضد منافسه البارز، رئيس حكومته الأسبق علي بن فليس. كما تمسّكت به كرئيس للجمهورية في انتخابات 2014، على الرغم من وضع بوتفليقة الصحي، الذي لم يعد يساعده على إدارة شؤون البلاد.

خلّفت رسالة قائد الجيش في الوسط السياسي ردود فعل كثيرة، وأعادت الشكوك بشأن ترتيبات تجري في دوائر صنع القرار لمرحلة ما بعد بوتفليقة. فالمعارضة المنضوية تحت تنسيقية « التغيير الديمقراطي »، رأت أنّ الرسالة « فضيحة سياسية ».

وبحسب رئيس حركة « مجتمع السلم »، عبد الرزاق مقري، فإنّ « الرسالة خطوة غير مسبوقة في الساحة السياسية الجزائرية، إذ لم يسبق للمؤسسة العسكرية أن تدخلت بشكل علني في الشأن الحزبي ». ويربط مقري في حديثه لـ« العربي الجديد »، بين رسالة قائد الجيش إلى سعداني، وبين « ما كان يُحاك في السر لترتيب المشهد السياسي بواسطة الدعم غير العلني لحزبي السلطة »، مشيراً إلى أن رسالة الفريق صالح تمثّل « جرأة وتحدياً واضحاً لضمائر الجزائريين ومشاعرهم، ما يظهر بأن أوضاعنا تسوء أكثر، وهو أمر مخيف بخصوص مستقبل »الديموقراطي« ، بل ومستقبل الجزائر كلها ».

ويعتبر مقري أنّ « مواقف قائد الأركان لا تخدم المؤسسة العسكرية، إذ يجعل الكثير من الجزائريين لا يشعرون بالأمان تجاه مؤسسة بنيت بدماء الشهداء، وينبغي أن تكون للجميع وعلى مسافة واحدة بين كل الأحزاب ».

واعتبر رئيس الحكومة الأسبق وأبرز منافسي بوتفليقة، علي بن فليس، أنّ « الدفع بالجيش وتوريطه في القضايا ذات الصلة بالشأن السياسي أمر خطير جداً ».

كما أثار تحول آخر بلبلة في الوسط السياسي، مساء الأربعاء الماضي، بعد تزكية أحمد أويحي أميناً عاماً بالنيابة لـ« التجمع الوطني الديمقراطي » من طرف المجلس الوطني للحزب. وأتت تزكية أويحي، وفق لائحة دعم تضمّنت 300 عضو من أصل 362 في المجلس، التي طالبت أويحي، البالغ من العمر 63 عاماً، بالعودة على رأس الحزب. وجاءت عودته بعد أيام من استقالة بن صالح من منصب الأمين العام للحزب، بعدما كان أويحي قد استقال من المنصب ذاته في يناير/كانون الثاني 2013، وهو المنصب الذي يشغله منذ عام 1999، إثر حركة احتجاجية طالبت برحيله، وبرر استقالته آنذاك بـ« الحفاظ على استقرار التشكيلة السياسية ».

لكن يرى مراقبون أنّ التغيير الذي حصل على صعيد الحزب الثاني في أجهزة السلطة، والمخارج التي انتهى إليها مؤتمر الحزب الحاكم، عوامل تتعلق بترتيبات المرحلة السياسية المقبلة، المتسمة بطرح مسودة تعديل الدستور، وبمرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة. لكن يبدو أنّ المعارضة تبدو مستعدة أكثر من أي وقت مضى، للتدخل في إفساد ما يوصف بـ« أعراس السلطة »، وتعتبر أن هذه الترتيبات لن تجدي نفعاً، « وقد استنفذ النظام كل فرصه، وهو الآن يجرّنا إلى أزمات لا تحمد عقباها ».