خبر الشيطان الطائفي.. معاريف

الساعة 08:58 ص|05 يونيو 2015

بقلم

(المضمون: يمكن التقدير بانه اذا تعرض الدروز في سوريا لخطر وجودي، سيصعب على اسرائيل الوقوف جانبا - المصدر).

جبل الدروز هو جزء من هضبة بركانية في جنوب شرق سوريا، على حافة الصحراء، على بعد نحو 60كم من الحدود مع الاردن وعلى مسافة مشابهة من هضبة الجولان. على مدى نحو 15 سنة ابتداء من 1921، وجدت في هذه المنطقة « دولة الدروز » – اقليم حكم ذاتي عمل في اطار الانتداب الفرنسي على سوريا الكبرى. وكان يسمى في البداية « دولة السويدة » (على اسم المدينة الكبيرة في الاقليم)، وبعد ذلك تغير الاسم ليصبح دولة جبل الدروز.

في 1925، بقيادة الزعيم الدرزي سلطان الاطرش (الذي تنصب تماثيل على صورته في القرى الدرزية في هضبة الجولان، وقعت ثورة ضد الحكم الفرنسي، قمعت في غضون سنتين. واستمر الحكم الذاتي حتى 1936، عند الغاء مكانة الاقليم الخاصة، وانقضى حلم الاستقلال الدرزي.

بعد نحو 30 سنة من ذلك تسلى يغئال الون، رجل الجليل وصديق الدروز في البلاد، بفكرة ان تساعد اسرائيل في استئناف استقلالهم. ومن خلال الموساد أجرى اتصالات مع عائلة الاطرش، وحسب شهادة الون زار حتى السويدة. وكانت فكرة الون جزء من فكر جغرافي – استراتيجي ساد القيادة في اسرائيل في الخمسينيات حتى السبعينيات، وحظي بلقب « الحلف الاقليمي ». وحسب هذا الفكر، كان على اسرائيل، المحوطة بعالم عربي معادل، ان تبحث عن حلفاء في دول غير عربية في الشرق الاوسط وعلى هوامشه (تركيا، ايران، اثيوبيا) وفي الاقليات الدينية – الاثنية مثل الاكراد في العراق، المسيحيين في لبنان والدروز في سوريا. وكانت الموساد مسؤولة عن عقد الاتصالات السرية مع هذه الدول والاقليات.

في حرب الايام الستة – التي نحيي اليوم ذكراها الـ 84، بعد أن احتل الجيش الاسرائيلي سيناء، غزة والضفة وقبل أن يتقرر احتلال هضبة الجولان، حاول الون، الذي كان في حينه وزير التعليم وعضو كبير في الكابينت اقناع رئيس الوزراء ليفي اشكول، وزير الدفاع موشيه دايان ووزراء آخرين، رئيس الاركان اسحق رابين وقائد المنطقة الشمالية دافيد اليعيزر، عدم الاكتفاء باحتلال الهضبة.

في المذكرات المسجلة روى الون يقول: « تحدثت عن هذا مع ددو، كنت في غرفته الحربية وتحدثت مع بار – ليف وغليلي. يوم آخر، حد اقصى يوم ونصف واذا بنا في جبل الدروز كي نشجع الدروز بان لهم اعتراف قومي. زرت السويدة عدة مرات وحلمت بالجمهورية الدرزية التي تقع في جنوب سوريا، بما في ذلك الجولان، في حلف عسكري مع اسرائيل. كما بنيت الكثير على الطائفة الدرزية في البلاد، التي كانت منظمة في الجيش الاسرائيلي في أن يشكلوا جسرا بيننا وبين الدروز الاخرين ».

اما اقتراحه، لاقامة دولة فاصلة درزية بين الاردن، سوريا واسرائيل، فلم يؤخذ به.

*  *  *

لعله يمكن للمسألة الدرزية أن تطرح مرة اخرى على جدول الاعمال في اسرائيل قريبا، فتجرها الى التدخل في الحرب الاهلية في سوريا، وذلك على خلفية فقدان الاراضي من جانب نظام الاسد وضعف جيشه في مواجهة منظمات الثوار.

حاليا لا يلوح تغيير في السياسة الاسرائيلية من الحرب او في وضع الحدود في هضبة الجولان. فجبهة النصرة التي تسيطر على الجانب السوري من الهضبة، تواصل الحفاظ على الهدوء في الحدود التي تمتد نحو مئة كيلومتر.كما أنه لم يطرأ تآكل في السياسة او التدخل الذي يعلن عنه المرة تلو الاخرى زعماء اسرائيل في ظل الحرص على حماية المصالح الامنية الحيوية. هذه المصالح، التي يصفها وزير الدفاع موشيه يعلون بانها « خطوط حمراء » تتضمن الرد بالنار على مصادر النيران المقصوده (خلافا لتلك العشوائية) من الاراضي السورية وكذا، حسب منشورات اجنبية، الهجمات على ارساليات السلاح المتطور من سوريا الى حزب الله في لبنان (ولا سيما الصواريخ الدقيقة) من خلال سلاح الجو. حدث كهذا لا بد يصبح محتملا كلما وجدت عن ذلك معلومات استخبارية دقيقة.

ومع ذلك، رغم السياسة المعقولة والمعتدلة نسبيا لاسرائيل (حتى وان لم تكن اخلاقية على نحو خاص)، والتي تكتفي بالمساعدة الانسانية بالجرحى وبالتوزيع المصادف للغذاء والدواء على اللاجئين السوريين في الاردن، من شأن الحرب الاهلية الوحشية أن تجتذب اسرائيل الى الدوامة الدموية.

الخطر على مصير الاقلية الدرزية في سوريا آخذ في الاتساع. « وضع اخواننا الدروز في الفترة الاخيرة صعب جدا، سيء، سيء جدا، مقلق للغاية »، قال لي في مقابلة خاصة نائب الوزير ايوب قارا الذي يوجد على حد قوله على اتصال يومي مستمر، مباشر وغير مباشر بزعماء الدروز في سوريا.

على هذه الخلفية، اجتمع أول أمس زعماء الطائفة الدرزية في اسرائيل، الذين يوجدون على اتصال وثيق بوزير الدفاع والجيش الاسرائيلي، للتشاور والاستعداد للسيناريو الاسوأ. ولم تتخذ في هذا البحث قرارات، ولكن واضح أن زعماء الطائفة في اسرائيل سيصعب عليهم الوقوف جانبا بصفر فعل امام سفك دماء اخوانهم.

واشار النائب قارا فقال: « حتى وقت اخير مضى لم يتجرأ داعش على الاقتراب من التجمعات الدرزية، ولكن طرأ قبل بضع اسابيع تغيير دراماتيكي ».

وحسب تقارير وصلت الى قارا والى جهات في اسرائيل في قنوات معلومات مختلفة، اقترب رجال داعش، بالدبابات والمركبات من طراز « هامر » التي سقطت غنيمة في ايديهم في المعارك ضد الجيش العراقي، الى مسافة بضع عشرات الكيلومترات من جبل الدروز، وباتوا في الجانب الاخر من المدينة الكبرى في منطقة السويدة. « وصلت الينا تقارير وصور فظيعة عن قطع رؤوس واحراق رجال ونساء دروز حتى الموت ممن علقوا في الخطأ في كمائن رجال داعش او اختطفوا من جانبهم »، يقول قارا.

حتى الحرب كانت الطائفة الدرزية تتجمع في ثلاث مناطق اساسية. واحدة منها في الشمال- في منطقة حلب وفي محافظة ادلب – تتعرض لهجوم شديد من جبهة النصرة وجيش الفتح (الذي يجمع ثماني منظمات). في هذه المنطقة توجد 18 قرية كان يسكن فيها نحو 25 الف درزي. ولكن بسبب اشتداد المعارك وضعف الجيش السوري، الذي يجد صعوبة في الدفاع عن حلب وادلب، فر غير قليل من السكان الدروز الى منطقة الشاطيء حيث تتجمع اغلبية الطائفة العلوية (الطائفة التي تعتبر قريبة من الشيعة) والتي تنتمي عائلة الاسد لها.

منطقة درزية اخرى، لا تزال آمنة نسبيا، هي في سفوح جبل الشيخ السوري حتى القنيطرة. القرية الاكبر في هذه المنطقة هي الخضر. في الماضي سكن في الخضر وفي قرى اخرى نحو 40 الف درزي. اما اليوم فبقي فيها نحو 25 الف والباقي هرب الى اماكن آمنة في منطقة جبل الدروز. تواجد الجيش السوري هزيل للغاية في جبل الشيخ، وتسيطر في هذه المنطقة جبهة النصرة وميليشيات محلية اقيمت في القرى المختلفة.

قبل بضعة اشهر حاول نصرالله نشر رجاله في المنطقة. وقاد المحاولة سمير قنطار، المخرب الذي نزل الى الشاطيء في 1979 مع ثلاثة من رفاقه في قارب مطاطي على شاطيء نهاريا بتكليف من جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة  ابو العباس. وتحرر قنطار من الحبس المؤبد في صفقة تبادل الاسرى والجثث مع حزب الله في 2008 (صفقة الداد  ريقف واودي غولدفاسر).

تواجد رجال النصرة في منطقة الحدود مع اسرائيل بارز وقوي، وحاليا لا توجد مؤشرات على ان رجال داعش يحاولون الاقتراب من المنطقة. بين النصرة وداعش توجد كراهية شديدة تعبر عن نفسها في المعارك التي يخوضونها فيما بينهم في مناطق مختلفة في سوريا.

ويضيف نائب الوزير قارا يقول: « اعتقد انه نقلت رسائل منة جهات مختلفة من النصرة وداعش بانه محظور لمس الدروز. وقد التقطت الرسائل ».

هل اسرائيل هي التي نقلت الرسائل؟

« كل كلمة زائدة مني قد تلحق ضررا ولهذا فاني سأقول ان الرسائل نقلت والتقطت ».

حسب منشورات أجنبية يوجد تعاون سري وهاديء بين اسرائيل والنصرة. ومن غير المستبعد ان يكون مثل هذا التعاون اذا كان قائما، يسمح بوجود تفاهمات غير مكتوبة ونقل رسائل، في انه اذا لم يحفظ الهدوء في الجانب الاسرائيلي من هضبة الجولان، واذا كان هناك مس بالدروز في الجانب السوري من الهضبة فستعمل اسرائيل بكل قوتها ضد النصرة او ضد كل تنظيم آخر. ومع ذلك، يستعد جهاز الامن لامكانية لا تبدو حاليا واقعية، في انه عند الازمة الشديدة سيفر المئات ان لم يكن الالاف من الدروز باتجاه الحدود سعيا لاجتيازه نحو اسرائيل. في مثل هذه الحالة سيكون شك كبير في أن تتمكن اسرائيل من الوقوف على الحياد. ولكن مشكلة اكبر وأخطر قد تنشأ على مسافة ابعد من الحدود.

التجمع الثالث والاكبر هو في جبل الدروز – نحو مليون درزي. وهم يسكنون في مدينة محافظة السويدة وفي مئات من القرى الصغيرة. « في المرة الاولى منذ اندلاع الحرب الاهلية يتجرأ رجال داعش على الاقتراب من هذه المنطقة »، يكشف النائب قارا النقاب ويضيف: « في الماضي لم يتجرأوا على عمل ذلك. اما الان فهم يتحدثون حتى عن احتلال جبل الدروز. داعش يوجد على مسافة بضع عشرات الكيلومترات وهم لا يطلقون النار ولا يقصفون القرى، ولكنهم اختطفوا دروزا واعدموهم. عقب الوضع الخطير هذا أعلن الزعماء الدروز عن حظر التجول الليلي ودعوا السكان الى تخزين الغذاء ».

وعلى حد قوله، ثارت مؤخرا مشكلة صعبة اخرى. فبسبب الضائقة في القوى البشرية في الجيش السوري المتفكك، طلب النظام تجنيد 27 الف شاب درزي، على حد قوله تملصوا من الخدمة او فروا من الجيش. وقيل للقيادة الدرزية انهم اذا لم يفعلوا ذلك فسيكف الجيش عن حمايتهم.

وشدد نائب الوزير على أن « هذا البلاغ ادخل الدروز في حالة ضغط وخوف أشد. فهم يفهمون بانهم ملزمون بالدفاع عن أنفسهم وبدأوا باقامة ميليشيا، يترأسها دروز خدموا في جيش الاسد برتب ضباط، حتى رتب عالية. وهم يتوقعون المساعدة من كل مصدر ممكن ».

من اسرائيل ايضا؟

« لا تسحبني من لساني. أنا في وضع حساس بصفتي نائب وزير ايضا. ولكن واضح اننا، اخوانهم، لن نبقى صامتين اذا تعرضوا لخطر الابادة. وانا اعتزم العمل بكل الوسائل التي تحت تصرفي لان احمي ليس فقط الاقلية الدرزية في سوريا بل وايضا كل الاقليات الاخرى في سوريا وفي العراق – اكراد ومسيحيين – في مواجهة داعش ومنظمات اخرى للاسلام المتطرف ».

بتعبير آخر يمكن التقدير بانه اذا تعرض الدروز في سوريا لخطر وجودي، سيصعب على اسرائيل الوقوف جانبا.