خبر اكتشاف امريكا -هآرتس

الساعة 08:46 ص|04 يونيو 2015

فلسطين اليوم

اكتشاف امريكا -هآرتس

بقلم: آري شبيط

          (المضمون: صحيح أن حركة المقاطعة « بي.دي.اس » في الولايات المتحدة ضئيلة العدد إلا أنها فعالة وخطيرة وقادرة على مضاعفة عددها من خلال التقرب من الأقليات والهيئات المدافعة عن حقوق الانسان - المصدر).

          اكتشفت حكومة اسرائيل هذا الاسبوع امريكا. بعد سنوات طويلة أهملت فيها المؤسسة الاسرائيلية خطر التسونامي السياسي – وفجأة تحول التسونامي السياسي الى الخطر الوجودي الجديد. وبعد عقد طويل تصرف فيه المعسكر القومي وكأنه لا يوجد « بي.دي.اس » في العالم، وفجأة تحولت الـ « بي.دي.اس » الى كل شيء. الاعلان الدراماتيكي لبنيامين نتنياهو، والتعيين الجديد لجلعاد أردان والمبادرة الطموحة لشلدون ادلسون حولت مشكلة اللاشرعية لاسرائيل الى مشكلة تضعها اسرائيل في مركز برنامجها اليومي. جيد جدا. من الأفضل أن يأتي متأخرا على أن لا يأتي أبدا. مثل من حاول منذ زمن طويل تعريف اسرائيل على مشكلة الجيل الشاب في الولايات المتحدة، أنا سعيد جدا لأن الامر بات واضحا أخيرا.

لكن حكومة اسرائيل لم تكتشف امريكا بشكل حقيقي بعد. المفاهيم التي تستخدمها هي مفاهيم الأمس، والأدوات التي تحاول تشغيلها هي أدوات أول أمس. فهي لا تفهم السياق الذي يعمل فيه مقاطعو اسرائيل ولا طريقة عملهم ومصادر قوتهم. في ظل غياب فهم ساحة المعركة وطابعها فان المبادرة الجديدة ستفشل فشلا ذريعا.

          الاشهر الطويلة التي قضيتها في الجامعات الامريكية علمتني أن حركة مقاطعة اسرائيل قد كبرت بسرعة كبيرة، لكن حجمها ما زال مقلصا. ايضا في الجامعات الراديكالية فان عدد الملتزمين بالنضال الفعال ضد اسرائيل، ليس كبيرا، العشرات أو المئات. لكن نجاح « بي.دي.اس » ينبع من القدرة على الانضمام الى مجموعات الأقليات المختلفة (الافروامريكية، لاتينوامريكية، آسيوامريكية واحيانا مجموعات حقوق النساء). يوجد لاستراتيجية الأقليات تأثير مزدوج: من جهة تقوم بمضاعفة عدد المؤيدين ثلاث أو اربع أو خمس اضعاف لمؤيدي اقتراح المقاطعة، ومن جهة اخرى تضع اليهود المدافعين عن اسرائيل في ضائقة، لأنهم متهمون بأنهم عنصريين يؤيدون المس بحقوق الانسان.

          لذلك فان محاولات محاربة العدو الجديد عن طريق التشريع والاسكات فقط، مدمرة. وستزيد من الصورة الكاذبة لاسرائيل وكأنها غول والصورة المشوهة للجالية اليهودية كجسم مؤسساتي يعتمد القوة. وفي نهاية المطاف فان الصراع على الوعي وعلى القلب. فقط اذا استطاعت اسرائيل اقناع الشباب اليهود وغير اليهود أنها دولة ديمقراطية، ليبرالية وتريد السلام، فانه يمكنها اختراق دائرة الحصار الآخذة في الضيق.

          نتنياهو، أردان وادلسون ملزمون بالاقتناع بالحقيقة التي هي بالنسبة لهم حقيقة مُرة: المعركة هي على اليسار، وهي في داخل اليسار، لذلك فان من يحتقر اليسار لا يستطيع الانتصار فيها. 90 بالمئة من الشباب الذين التقيت معهم في الجامعات، ديمقراطيون يؤيدون براك اوباما. ومحاولة بيعهم البرنامج اليومي لغوش ايمونيم لن تنجح. فقط رسالة صهيونية ليبرالية تستطيع احداث التغيير. فقط صهاينة ليبراليون يستطيعون اثارة اهتمامهم واعطائهم الالهام. فقط اسرائيليون يؤمنون بالدولتين يستطيعون محاربة كارهي اسرائيل الذين يؤمنون بالضبط بما يؤمن به اليمين: دولة واحدة. لهذا، من اجل التغلب على « بي.دي.اس » مطلوب طريقة من هنا ومن هناك. إظهار السخاء تجاه الفلسطينيين وايضا رواية القصة اللافتة والعادلة لاسرائيل. ايضا الاعتراف بحق جيراننا في تقرير المصير، وايضا نبذ كل من ينفي حقنا في الحياة السيادية في وطننا التاريخي.

          الفشل العميق للدعاية الاسرائيلية في الجيل الأخير ليس تقنيا أو صدفيا. بل هو ينبع من حقيقة أن معظم من يحاربوا من اجل اسرائيل لا يتحدثون بلغة حقوق الانسان، ومعظم من يتحدثون بلغة حقوق الانسان لا يحاربون من اجل اسرائيل. يجب تغيير هذا وفورا. فقط اذا أعدنا أنفسنا الى الجهة الصحيحة للتاريخ، نستطيع أن نبقى في التاريخ ونضمن المستقبل.