خبر « يديعوت » تُعلنها حرباً على « حملة المقاطعة »: خطر وجودي

الساعة 05:22 ص|03 يونيو 2015

فلسطين اليوم

استغلت صحيفة « يديعوت أحرونوت »، حادثة « فيفا »، لتطلق حملة إعلامية تحت عنوان « نحارب المقاطعة »، جندت من أجلها أقدر أقلامها الصحافية للقول إن « حركة المقاطعة » خطر وجودي، أكثر مما هو مجرد نشاط احتجاجي يهدف إلى إلزام إسرائيل على وقف الاحتلال والانسحاب من الأراضي الفلسطينية والقبول في نهاية المطاف بحل الدولتين.

ويتصدر حملة « يديعوت أحرونوت » الصحافي اليميني البارز، بن درور يميني، الذي بات اسمه مقروناً بالتحريض المتواصل على الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل، ممثلة بـ« التجمع الوطني »، والمفكر العربي، عزمي بشارة، والنائب حنين زعبي. قبل أن ينضم إليها الصحافي المخضرم، ناحوم برنيع، الذي انضم، أخيراً، أيضاً، إلى جماعة التحريض المتواصل ضد عزمي بشارة وضد قطر، إضافة إلى عدد من أقلام اليمين المعروفة، مثل يوعاز هندل، المستشار السابق لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ونوح كليجر، وهو صحافي من أصول ألمانية، ناج من المحرقة النازية، جعل من نجاته جواز سفر للتحريض ضد العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، ناعتاً إياهم بأقذع الشتائم وأقذرها.

اللافت في الحملة الجديدة لـ« يديعوت أحرونوت »، هو تبني كتابها، الذين كانوا في مقدّمة معارضي إعادة انتخاب نتنياهو، خطاب الأخير نفسه. فقد اعتبر ناحوم برنيع مع إطلاق الحملة، أمس، أن « نتنياهو صادق عندما يقول إن الفلسطينيين لا يحتجون ولا يتحدون الاحتلال فقط، بل هم يحتجون على مجرد وجود إسرائيل، وإن مشكلتنا ليست مع الفلسطينيين، بل مع جزء كبير من أصدقاء إسرائيل في الغرب ».

أما بن درور، فقد اختار أن يعنون مقالته بـ: « خطر على حق الوجود »، ولم يفوت الفرصة للترويج لنشاطه وكتاباته ضد حركة المقاطعة وجمعيات حقوق الإنسان وجمعيات اليسار الإسرائيلي، واستهل مقالته: « تدور منذ سنوات، في جنوب أفريقيا معركة على كعك (البيغل)،  كجزء من المعركة الكبرى ضد إسرائيل. ويصارع ناشطون حركة المقاطعة الدولية ضد شركات التسويق في جنوب أفريقيا التي تستورد هذا الكعك من إسرائيل، ومع أن من يقول، إن المقاطعة لم تؤثر على إسرائيل اقتصادياً محقون في قولهم، إلا أن المنظمة المذكورة (BDS) تدير معركة على الوعي في الجامعات، وفي النقابات العمالية وهي تحقق انتصارات تبعث على القلق ».

ولم يذكر بن درور يميني مسألة المقاطعة والنشاط في الجامعات العالمية عبثاً، فالرجل يكاد يكون نبيّاً غارباً في قومه من كثرة ما يكتب ويجتر ما يقوله عن النشاط في الجامعات الأميركية وفي كندا، تماماً مثلما كان يفعل بنيامين نتنياهو في شبابه، وهو طالب في معهد « إم أي تي »، عندما جنّده النائب عن حزب « الليكود » موشيه أرنس، للنشاط الدعائي لصالح إسرائيل في الولايات المتحدة. غير أن بن درور لا يتورّع عن توجيه وإلصاق تهمة معاداة السامية لكل من يعارض سياسات الاحتلال، حتى وإن كان من الطلاب اليهود في جامعات أميركا وأوروبا.

وفي هذا السياق يختار بن درور، عبر اللجوء إلى وسائل الدعاية الديماغوجية، هو الآخر، أن يحرف طبيعة نشاط حركة المقاطعة الدولية كي يتلاءم مع الدعاية الإسرائيلية، بالقول، إن هذا النشاط لا ينطلق من معارضة إسرائيل وسياسات التمييز العنصري، بقدر ما يعكس حقيقة أقطابه وكرههم اليهود ومعاداتهم السامية، ليصل إلى الإعلان بأنها حرب على حق الوجود الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن الكاتب يشير إلى قرارات دولية في محاكم أوروبية، كفرنسا مثلاً، اعتبرت أن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية « جريمة كراهية »، إلا أنه يؤكد أن النجاحات القانونية والقضائية كحالة فرنسا « قد تخلق انطباعاً واهماً بالنجاح، لأن الحركة الدولية تنجح في معركتها على الوعي والرواية ». ويضرب مثالاً على ذلك بأنه « على الرغم من أن التأييد الأميركي لإسرائيل يبلغ اليوم أوجه، لكن الأجيال القادمة، من طلبة الجامعات ومعاهد الأبحاث، قد تجد جرفاً معادياً لإسرائيل يؤتي ثماره عندما يصل هؤلاء إلى مناصب رفيعة كأعضاء في الكونغرس أو الإدارة الحكومية ».

ولا يوفر الكاتب أعضاء في حركات إسرائيلية يسارية وحركات مناهضة للاحتلال، مثل منظمة « يكسرون الصمت »، ليقول، إن نشاطهم يندرج في سياق صناعة « معاداة السامية وشيطنة إسرائيل »، حتى وإن كان المشاركون، في هذا النشاط، يهوداً متدينين وأروثوذكس، مثل اليهودي الأميركي، بيتر باينريط، وكذلك الأمر في حالة القاضي اليهودي، ريتشارد غولدستون، الذي وضع تقريراً أممياً عن جرائم الاحتلال في عدوان الرصاص المصبوب على غزة عام 2008.

لا يختلف الحال عند الصحافي، نوح كليجر، الذي يدعو في مقالته إلى الرد على المقاطعة بشنّ هجوم مضاد عليها. ويستهل مقالته بالعودة إلى وزير الدعاية النازي، جوزيف غوبلز، ليصف نشاط حركة المقاطعة والانتقادات لإسرائيل بأنها لا تختلف عن الدعاية النازية. معتبراً أن « غوبلز كان الأكثر خطراً على اليهود، بل إن خطره فاق الخطر الذي مثله إدولف هتلر، لأنه نجح في نشر أكاذيبه باعتبارها حقائق ناجزة »، وهو الاتهام نفسه الذي يوجهه كليجر، اليوم، لناشطي حركة المقاطعة الدولية.

لكن الحمى الصهيونية التي تبثها « يديعوت أحرونوت » لم تمر دون انتقاد وجهته لها صحيفة « هآرتس » الإسرائيلية التي تساءلت: هل حقاً تملك « يديعوت » « دوافع أيديولوجية صهيونية من وراء هذه الحملة، خصوصاً وأنها أعلنت، دائماً، أنها تجارية، أم أن كل هذه الضجة ناجمة من ضرورات السوق، وحقيقة تراجع الصحيفة التي كانت، يوماً، الأكثر انتشاراً في إسرائيل ».

وبحسب « هآرتس »، فإنه لا يمكن تجاهل إمكانية أن يكون المستهدف الرئيسي من وراء حملة « يديعوت »، هو جمهور القراء اليمينيين في إسرائيل الذين انتقلوا في السنوات الأخيرة من شراء « يديعوت » إلى الإقبال على الصحيفة المجانية « يسرائيل هيوم » الأقرب لنتنياهو.