خبر اليوم ايضا، المسؤولية لا تزال علينا... هآرتس

الساعة 09:39 ص|29 مايو 2015

بقلم

الى جانب الشجب المبرر الذي اثاره الشهر الماضي القول العنصري بعض الشيء من الممثلة عنات فاكسمان حول وجود شعبين في اسرائيل، معارضي نتنياهو في دولة تل أبيب ومصوتيه في بلدات المحيط، ينبغي الاعتراف بانه في الاوضاع التي يكون فيها تغيير داخلي عميق بين الجماعات داخل الامة الواحدة، ليست نادرة في تاريخ الامم الحديثة. هكذا مثلا، اقل من جيلين من تقسيم المانيا الى غربية وشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى سقوط سور برلين، كانت كافية لبلورة هويتين قوميتين المانيتين، توحيدهما من جديد تبين مهامة ليست سهلة. في ايطاليا، ظاهرا احد النماذج الناجحة للقومية المدنية الموحدة، معروف للهويات الاقليمية الداخلية تأثير قوي جدا. فالصلة القوية بين سكان بداينا – منطقة غور النهر بو في شمالي ايطاليا التي تعتبر كـ « امة » في نظر الانفصاليين الايطاليين في المنطقة – وبين سكان جنوب ايطاليا – هزيلة جدا.

في روسيا الحديثة في النصف الثاني من القرن الماضي كان يمكن ان نجد في جبال الاورال، حتى بعد سنوات عديدة من بناء الوعي لتطوير صلة قومية بالوطن الروسي، فان جموع الفلاحين الناطقين بالروسية ممن لم يعرفوا انفسهم كـ « روس » بل كـ « ايليين » ينتمون الى ايل.

اذا كانت هكذا هي الامور في واقع الدول القومية التي تملك أدوات بناء الامة، فعند الحديث عن الامم التي بسبب ظروف تاريخية معينة توجد بدون دولة قومية واضحة، فان ميول الاختلاف والاستقطاب الداخلي قد تكون أقوى بكثير. هكذا هي حالة الامة العربية منذ قرابة مئة سنة.

في بداية القرن الماضي ظهرت في بعض من مراكز المجال العربي للامبراطورية العثمانية بوادر أولية للقومية العربية الحديثة. بعد سنوات عديدة من ذلك بتر المجال العربي الى مناطق شبه دول منفصلة وفقا للمصالح الاستعمارية الغربية. وعزز هذا التطور الهويات القبلية والاقليمية في اوساط الامة العربية، وجعل الانقسام والقطيعة الداخلية ميزة مركزية لهذه الامة.

المعنى العملي للامر هو أن مدى علاقة الوعي والتضامن الجماعي بين مواطني الدول العربية المختلفة محدود جدا. وبشكل مشابه كانت الصلة القومية الالمانية بين سكان بفاريا وسكان سكسونيا مثلا ضيقة جدا قبل توحيد المانيا وبعد وقت غير قصير من ذلك. كما أن العلاقة والتضامن القومي بين الاوكرانيين الغربيين والاوكرانيين الشرقيين في عصرنا ليست قوية.

هذه الامور يجب أن نتذكرها على خلفية يوم النكبة، الذي احياه الشعب الفلسطيني مؤخرا. ومثلما في كل سنة تطرح في الخطاب الاسرائيلي حول هذا اليوم الادعاءات القديمة ضد الدول العربية في أنها لم تستوعب في اوساطها اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا أو هربوا من وطنهم كنتيجة لاحداث 1948. ولا سيما اذا أخذنا بالحسبان حقيقة أن هذا حصل بينما قاتلت الدول العربية نفسها ضد اسرائيل، باسم المصالح العربية العامة.

ولكن شن جيوش البلدان العربية الحرب ضد اسرائيل معا لا يدل الا على عدائها المشترك للصهيونية، ذاك العداء الذي ترسخ في الشرق الاوسط خلافا لارادة سكان المنطقة. وهو لا يدل على وجود هوية قومية عربية موحدة في اوساط سكان دول المنطقة العربية باسرها. فمثل هذه الهوية كان يمكنها أن تحتوي اللاجئين الفلسطينيين، مثلما تم – وان لم يكن دوما بنجاح كبير – مع اللاجئين اليونانيين الذين طردوا من تركيا الى الدولة القومية اليونانية في اطار الترحيل المتبادل بين تركيا واليونان في بداية العشرينيات من القرن الماضي، او مع الالمان من اقليم السودات ممن طردوا من تشيكوسلوفاكيا الى المانيا الغربية مع سقوط النازية.

هوية كهذه في المجال العربي كان يمكن ان تتطور بشرط واحد: اقامة دولة عربية كبرى على خرائب الامبراطورية العثمانية مما كان سيجعل من الصعب على أي حال تحقق الصهونية. ومن الجهة الاخرى، ففي غياب هوية قومية سياسية عربية عامة، وفي ضوء انشقاق الهوية الداخلية المستمر في المجال العربي بشكل عام وفي داخل كل واحدة من الدول العربية بشكل خاص، فان عملية استيعاب وانخراط « العرب الاخرين » – اللاجئين الفلسطينيين الذين لهم هوية محلية مميزة – كانت ستنطوي على مصاعب كبيرة للغاية ان لم يكن مآلها الفشل.

اذا كان ممكنا التوقع من الدولة والمجتمع في كل واحدة من الدول العربية التي وصل اليها اللاجئيون الفلسطينيون أن تحتوي وان تدمجهم في حاضرها المحلي، فهذا فقط لاعتبارات انسانية، وليس لاسباب الوعي والتضامن القومي العربي العام. ولكن لذات الاعتبارات كان يمكن التوقع من الدولة اليهودية الا تطرد السكان المدنيين الفلسطينيين الى حيث طردوا، والا تمنع العودة الى الوطن عن المطرودين والهاربين والا تسيطر على املاك اللاجئين.

اليوم ايضا – لذات الاعتبارات الانسانية ولكن ايضا بسبب الحاجة الى تحمل المسؤولية القومية – واجب على اسرائيل أن تسعى الى اصلاح التشويه بطريقة حل متفق عليه للمشكلة الاليمة في الشرق الاوسط، مثلما تقترحه المبادرة العربية.