خبر النكبة والطريق إلى فلسطين.. بقلم / د. وليد القططي

الساعة 07:30 ص|27 مايو 2015

بعد عشرين عاماً من النكبة , في العام الثامن والستين من القرن العشرين أبدع نزار قباني قصيدته  « أصبح عندي الآن بندقية » متأثراً بانطلاقة الثورة الفلسطينية المسلّحة في منتصف الستينات , وسرعان ما التقطها محمد عبدالوهاب ليلحنها لأم كلثوم التي غنتها بنبرة ثورية معبّرة عن روح نضالية مفعمة بالأمل بمستقبل أفضل يتحقق فيه حلم التحرير والعودة رغم النكبة وما تبعها من نكسة التي ضاعت فيها ما تبقّى من فلسطين . وليؤكد في نهاية قصيدته أن الطريق إلى فلسطين يمر عبر الثورة المسلحة بالمقاومة والجهاد « إلى فلسطين طريق واحد يمر من فوهة بندقية » , بعد أن كفر بكل مشاريع السلام الخادعة التي تريد أن تُعطي للمغتصب شرعية امتلاك ما اغتصبه قائلاً « فقصة السلام مسرحية والعدل مسرحية » .

وفي العام نفسه الذي أبدع نزار قباني قصيدته انطلقت اذاعة ( صوت فلسطين صوت الثورة الفلسطينية ) من القاهرة لتعبّر عن هذه الروح الثورية المستندة إلى فكر ثوري يرفض التسليم بنتائج الهزائم العسكرية المتتالية للعرب في النكبة ( 48 ) والعدوان الثلاثي ( 56 ) والنكسة ( 67 ) ويرفض إعطاء العدو كلمة واحدة تجعله يطمئن إلى أن الأمور قد انتهت وأن العرب قد سلّموا بالهزيمة . بل إن هذه الإذاعة كانت تذكّرنا يومياً من خلال افتتاحيتها بأن الثورة الفلسطينية لن تحط رحالها إلّا بتحرير كامل الوطن المحتل , ولن توقف زحفها حتى تحرير فلسطين كل فلسطين . ولتؤكد على التمسك بالهدف – تحرير كل فلسطين - , والوسيلة – الثورة المسلحة – من خلال أغاني الثورة الفلسطينية التي كنا نسمعها بشغف : يا فدائي خلي رصاصك صايب , استمروا يا رفاقي , أنا آتٍ يا وطني , أنا صامد , بالمقاومة , جايينك يا فلسطين , لا صلح لا استسلام .....

واستمرت هذه الروح الثورية المعبّرة عن فكر ثوري يؤمن بأن إلى فلسطين طريق واحد هي طريق الثورة والمقاومة والجهاد , إلى أن صُدم الوعي العربي بزيارة السادات للكيان الصهيوني في العام السابع والسبعين من القرن العشرين محدثاً اختراقاً في الجبهة العربية الموّحدة المعادية للكيان الصهيوني , وخلخلة للموقف العربي الرافض للاعتراف بدولة « اسرائيل » وكسراً للحاجز النفسي الذي يحول دون التفاوض معها , وما هي إلّا سنوات حتى انتقلت كثير من الدول العربية إلى مربع مصر بدلاً من اخراجها من مربع كامب ديفيد , أو كما قال الشاعر أحمد مطر « لم يرجع الثور ولكن ذهبت وراءه الحظيرة » . ولكن الأخطر هو لحاق الثورة الفلسطينية ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية بالثور الهارب – حسب تعبير أحمد مطر – تحت ضغط الواقع العربي البائس والدولي المتآمر , وتراجع ثقل الثورة الفلسطينية في الخارج لصالح الداخل خاصة بعد الانتفاضة الأولى التي توّقفت على أثر توقيع اتفاقية اوسلو 1993 ومن ثم تشكيل السلطة الفلسطينية 1994 في آخر فصول مسرحية التراجع وتقديم التنازلات للعدو .

والآن بعد أكثر من عشرين عاماً على مشروع أوسلو , وفي ذكرى النكبة السابعة والستين , ووصول ما يُسمى مشروع السلام إلى طريق مسدود , ووضوح الرؤية فيما يتعلق باتفاقية اوسلو وسلطة الحكم الذاتي التي أُريد منها شرعنة اغتصاب فلسطين المحتلة عام 1948 وإعطاء غطاء لاستمرار احتلال واستيطان ما اُحتل منها عام 1967 , وليتم تحويل الوضع المؤقت إلى دائم والمرحلي إلى نهائي بفعل الأمر الواقع , ولتكون جسراً لعبور « اسرائيل » إلى كافة العواصم العربية ... فهذا يدل على سقوط نظرية استرجاع فلسطين أو جزء منها بالسلام عبر المفاوضات والضغط الدولي , القائمة على فرضيات خاطئة منها إمكانية أن يعطينا الكيان الصهيوني الأرض المحتلة عام 1967 إذا سلّمنا له بالأرض المحتلة عام 1948 واعترفنا بشرعية وجوده واحتلاله لها , وأن الضغط العربي والدولي على الكيان الصهيوني كفيل بتحقيق هذا الهدف .... وبعد كل هذه السنين أليس الأجدر بنا أن نعيد النظر في هذه النظرية ونُعيد رسم استراتيجيتنا على الأسس التي انطلقت منها الثورة الفلسطينية والقائمة على الثوابت الوطنية ونهج الثورة والمقاومة , وبمعنى آخر من الأفضل لنا أن نعيد الاعتبار إلى قصيدة نزار قباني التي يقول في ختامها « فقصة السلام مسرحية والعدل مسرحية , إلى فلسطين طريق واحد يمر من فوهة بندقية » .