خبر إخراج الهواء من بالون الخطاب الشرقي -هآرتس

الساعة 09:27 ص|26 مايو 2015

فلسطين اليوم

بقلم: درور اتيكس

  (المضمون: حان الوقت لاخراج الهواء من بالون الخطاب الشرقي الاجوف الذي يركز على الامور الشكلية ويتجاهل الامور الجوهرية  - المصدر).

  لقد شاء سوء حظي أن يولد جدي لأبي في وارسو وأن تولد جدتي في دمشق. ولو أراد الله وتحولت الامور لكان اسم عائلتي اليوم هو عطية. صحيح أن هذه الحقيقة بحد ذاتها لم تكن لتوفر علي الزيارات المتواصلة لاطباء الجلد وتوبيخي على تعرضي للشمس، لكن على الاقل كنت سأكون يساري شرقي، زبون غالي الثمن في الاعلام الاسرائيلي اليوم. حيث أنهم في الاعلام المهم لديهم هو الاطار وليس المضمون.

تطور الامور هذا يؤلمني أكثر منذ أن قرأت مقال د. ميراف ألوش لبرون « فقاعة اوروبية بيضاء » (« هآرتس » 18/5) الذي تعلمت منه أن 5 بالمئة فقط من الموقعين على عريضة « لا للذكرى الخمسين للاحتلال » (التي وقعت عليها) هم من الشرقيين. الحجة الاساسية لـ ألوش هي أن المبادرين للعريضة والموقعين عليها، التي عرضتها في مقال سابق (« هآرتس » 11/5)، هي أن اليسار عليه أن يتعلم التحدث بـ « صورة يهودية »، « شرقية » و« عربية »، من اجل أن يدفع بحل الصراع مع الفلسطينيين، وأنه ليس هناك احتمال أن نفس هذا اليسار العلماني، الاشكنازي المغترب والذي لم يكن في أي يوم عنصري، سينجح في المكان الذي فشل فيه في العقود الخمسة الاخيرة.

  رغم أنني عدت وتفحصت أقوالها إلا أنني لم أنجح في فهم ما هي بالضبط تلك اللغة اليهودية الشرقية والعربية، وكيف يمكنها أن تجعل الاسرائيليين يتنازلون عن الحقوق الزائدة لهم المشتقة من الواقع السياسي الحالي. ولمن نسي نقول إن تصريحاته المعتدلة نسبيا من الناحية السياسية، المشبعة بالعنصرية، كبير المفتين السفارديم في الجيل السابق – الحاخام عوفاديا يوسف – لم تجعل اغلبية مصوتي شاس أو اعضاء العائلة يتطوعون في ساعات الفراغ في « محسوم ووتش » (مراقبة الحواجز) أو في « بتسيلم ».

لقد حان الوقت لاخراج الهواء من البالون المنفوخ المسمى خطاب يساري شرقي، والاعتراف مع كل الألم الذي ينطوي على ذلك، بأن نظرية المساواة المدنية وحقوق الانسان لم تنبت في المناخ السياسي الشرق اوسطي، بل في الغرب، بعد أن سحق نفسه لكي يعرف (مع عديدين آخرين خارجه) طوال مئات السنين.

 

المتحدثون الشرقيون أنفسهم يفضلون كما يبدو ابعاد حقيقة أن « الشرق التقليدي » الذي دمر له الاشكناز تناغمه المفقود، والذين يستندون عليه برومانسية صبيانية، لم يرتكز في أي يوم على المساواة المدنية، بل على استعداد حكام مستبدين مختلفين للمعاناة، للتقبل، للاستخدام واحيانا التودد للاقليات المختلفة التي ضموها تحت أجنحتهم. من نافل القول أن الديمقراطية المدنية أو شيء مشابه لم توجد هناك في يوم من الايام.

 

          لو أن الكُتاب الشرقيين كانوا اصحاب نزاهة ثقافية، لكانوا يعرضون على العرب فتح جبهة مشتركة ضد الافكار المقيتة التي تم استيرادها من بلاد الاشكناز الباردة، مثل القومية، الاشتراكية، المواطنة، المساواة والسيادة. هذه قائمة جزئية فقط. ربما عندها كانوا سيفسرون لنا أخيرا، وفي الاساس لانفسهم، ما هي بالضبط تلك اللغة اليهودية الشرقية، العربية، التي يعظمونها. لكن من الواضح أن من الاسهل مواصلة التمسك بصفات جميلة ومفيدة مثل دكتور وبروفيسور (التي هي ايضا اوصاف يهودية شرقية وعربية أصيلة)، مع كل الاحترام لهذه الالقاب والمكافآت المترتبة عليها. ونضيف في نفس الوقت الانتصار على سياسة هويات مرفوضة، وأن شخصيات مثل آريه درعي هي محل تقديرها (حتى اذا كانت حذرة ومتحفظة احيانا). كل ذلك في الوقت الذي فيه ملايين الآخرين يرزحون تحت نير الاحتلال العسكري العنيف والفوق عنصري. لهذا، بالمناسبة، يسمونه « يهودي »: « إمسك بهذا وبذاك ولا تفلت يدك ».

 

          لكن الاساس ألا يتم اتهامهم بـ « الشكنزة ». وهو مفهوم تحول الى لعنة، بدلا من أن نرى فيه ما هو في الحقيقة: « امتصاص التأثير من ثقافة غريبة » (الاستعداد لتقبل ثقافة اخرى). ويسمون هذه العملية « سوسيولوجيا ». ولم نكتشف أن نفس تلك الاوصاف الاكاديمية التي حصل عليها المثقفون في « طيف الديمقراطية الشرقية » (من خلال اثبات التمسك بالقيم والجهود الجديرة بها) تم الحصول عليها بسبب أنهم « تشكنزوا ». وأنه بالامكان التعلم في الجامعة وبالاحرى كتابة تحقيقات للتحلية بدون التشكنز؟ وأن العالم الاكاديمي كما هو اليوم لم ينبت في اساسه اذا لم يكن كله في الغرب؟.

 

          المجتمع الاسرائيلي يتمرغ في عنصرية مقرفة، والموجهة في جزء منها ايضا ضد يهود اصلهم من دول الشرق الاوسط. لكن يبدو أن مصدر الألم على الاقل جزء من اولئك المثقفين الشرقيين، الذين هوايتهم الانقضاض على اليسار، يرتبط بحقيقة أنه من اجل تمهيد طريقهم في المجتمع الاسرائيلي اضطروا الى هجر جيل آبائهم واحيانا ايضا جزء من اخوتهم واخواتهم، وان يهاجروا ثقافيا الى عالم كان غريبا عن العالم الذي جاءوا منه.

 

          ليس هناك خلاف حول ان الهجرة والانفصال من كل نوع تستدعي عدد لا يحصى من الصعوبات والآلام المشروعة. لكن في الجيل الموجود فيه معظم هؤلاء المتحدثون فانه من المتوقع أن يحاولوا في كل مرة التفكير في الوقائع فيما حولهم بصورة انعكاسية قليلا، من اجل أن يروا الامور في سياقات اوسع. ان هذا بالتأكيد اكثر فائدة من البحث في قائمة اسماء موقعي العريضة وعد كم منهم شرقيون.