خبر مواجهة خلف الزاوية- معايف

الساعة 02:33 م|15 مايو 2015

فلسطين اليوم

مواجهة خلف الزاوية- معايف

بقلم: الون بن دافيد

(المضمون: بينما تتفكك سوريا، يواصل في لبنان اليوم تشكيل التهديد العسكري الاهم على اسرائيل. الجاهزية هي الكلمة التي يكررها رئيس الاركان الحالي أكثر من غيرها - المصدر).

في إطار التدريبات التي يخوضها الجيش الاسرائيلي في الاشهر الاخيرة جرت في الاسبوع الماضي مناورة لواء مشاة في الاحتياط في هضبة الجولان. وشاهد رئيس الاركان غادي آيزنكوت، الذي زار مناورة قتالية ضد قوات عصابات، كيف تهاجم أربع كتائب هدفا كان فيه نحو 70 الى 80 « مخربا ». وعندما انتهى الحدث، في حديث مع القادة تساءل آيزنكوت: « هل صحيحا وضروريا استثمار اربع كتائب لمعالجة مثل هذا الهدف؟ هل يتعين علينا حقا أن نواصل القتال على هذا النحو؟ ».

لقد كان مشوقا وغير لطيف مشاهدة هذا الاسبوع فيلم رفيف دروكر، الذي قدم روايات القادة عن حرب لبنان الثانية. في كل مرة كان يذكر فيها رئيس الاركان الاسبق داني حلوتس القوات البرية كان يمكن لنا أن نسمع في صوته الاحتقار الذي يكنه لها. ولكن توجد نواة من الحقيقة في أقواله: فلم تكن الاسلحة الغربية في الجيش الاسرائيلي جاهزة للحرب في 2009، ومشكوك اذا كانت اليوم ايضا ملائمة لنوع القتال الذي ستكون مطالبة له في المواجهة المستقبلية، في الشمال أو في غزة.

اسرائيل اليوم هي في الغالب تختار متى، كيف وضد من ستدخل في حرب. في 2006 اختار ايهود اولمرت الدخول في حرب مع حزب الله. لم يكن لهذه الحرب اهداف واضحة كما لم يسبقها تخطيط عملياتي. وقد اديرت ونفذت بشكل مخجل، ولكن النتيجة، في نظرة الى الوراء تبدو أقل سوء. فما كان يصدق في آب 2006 أن تجلب لنا حرب لبنان تسع سنوات من الهدوء في الشمال.

في نهاية 2008 اختار اولمرت مرة اخرى الدخول في مواجهة مع حماس. في حينه ايضا لم تتحدد اهداف واضحة للحرب. ولكن كانت خطة عملياتية، كانت القوات جاهزة لها جيدا وقد نفذت بدقة. قد لا تكون النتائج لامعة، ولكن الثمن الذي دفعته اسرائيل كان متدنيا نسبيا. وعلى الطريق، أعاد الجيش الاسرائيلي بناء الثقة بالنفس للاسلحة البرية واظهر بانه لا يخشى من المناورة في ميدان مديني مكتظ.

في 2012 اختار بنيامين نتنياهو التوجه الى مواجهة اخرى مع حماس، وليس واضحا ماذا كان هدف هذه المواجهة، باستثناء الفرصة لتصفية احمد الجعبري. ولكن نتنياهو ورئيس الاركان في حينه، بيني غانتس، فضلا عدم استخدام القوات البرية، وانتهت المواجهة بلا انجاز ذي مغزى. وألمحت حملة « عامود السحاب » لحماس وللمحيط باسره بان اسرائيل تمتنع عن خطوات عسكرية وتريد العودة الى الديار بسلام باسرع وقت ممكن.

في الجرف الصامد تفاقم هذا الميل. فقد جرت اسرائيل بلا رغبة بارزة الى الحرب. دخلت اليها بلا خطة عملياتية واضحة، امتنعت عن تحديد اهداف استراتيجية لها وأدارتها بشكل متردد ومع الكثير من الاخطاء العسكرية. ولكن القوة الشديدة التي مارستها اسرائيل في غزة، متداخلة مع التغييرات التي وقعت في مصر، خلقت ردعا حيال حماس.

يحظى الجنوب في الاشهر التسعة الاخيرة بهدوء لم يشهد له مثيل منذ 15 سنة، وحماس تطلق الاشارات بانها ناضجة للحديث عن وقف اطلاق نار طويل المدى ولكن محظور ان تشوش هذه الانجازات الاخطاء الكثيرة التي ارتكبت في الحرب الاخيرة.

بين التهديد والفرصة

لقد خرجت قيادة الجيش الاسرائيلي العليا فور الجرف الصامد الى احتفال طويل من الربت الذاتي على الكتف. فقد روت لنفسها قصة عن حرب ناجحة وتجاهلت سلسلة طويلة من الاخفاقات المهنية. القيادة الميدانية، قادة الكتائب والالوية – يعرفون الحقيقة: الجيش الاسرائيلي لم يخطط ولم يستعد للجرف الصامد، وكان التنفيذ بما يتناسب مع ذلك. لقد أظهر المقاتلون بطولة وابدى الكثير من القادة اليقظة والقدرة على الارتجال، ولكن هذا لانهم القي بهم في الحرب بلا اعداد مناسب وبلا غاية واضحة.

كثيرون منهم يؤمنون ايضا بان الثمن الباهظ الذي دفع في الجرف الصامد – الـ 72 اسرائيليا الذين قتلوا – ليس كامل الحساب الذي ستدفعه اسرائيل على هذه الحرب. فمنذ الصيف الماضي تجلس في غزة، في بيروت وفي طهران طواقم تحلل القتال بعمق، على كل المستويات، وتستخلص الدروس. على المستوى العملي، استخلصت حماس، حزب الله وايران درسين واضحين من الحرب: الاول هو ان اسرائيل تخشى من السعي الى الحسم وتريد فقط انهاء الحرب باسرع وقت ممكن وباقل ألم ممكن. الدرس الثاني هو انه ممكن ومجدٍ نقل الحرب الى ارض العدو (اسرائيل). اما ترجمة هذين الدرسين فسنشعر بها نحن في المواجهة التالية.

وعليه فان التحدي الاكبر امام رئيس الاركان الحالي هو كيف يجعل الجيش البري جيشا ذا صلة بمهامه وكيف يشطب رواية النجاح الزائفة التي تجذرت في قيادة الجيش. الكلمة التي تسمع من آيزنكوت اكثر من غيرها منذ تسلم مهام منصبه هي « الجاهزية ». وهو ينقل احساس التحفز الى الجيش، احساس مواجهة قريبة خلف الزاوية، يدرب الوحدات بوتيرة غير مسبوقة وينعش الخطط العملياتية. ولكن لديه مشكلة في مبنى القوة. فالنموذج القائم، الذي يفترض فيه بالوحدات ان تكون قبضة السحق المطالبة بالاحتفاظ بالخط على مدى ستة اشهر والتدرب لثلاثة اشهر في السنة فقط، لا يسمح بالحفاظ على الاهلية المهنية اللازمة منهم وتحسينها.

سيتعين على آيزنكوت ان يجد السبيل لان يفرق بقدر أكبر بين الوحدات المناورة في الجيش وبين تلك التي تحمي الحدود. وهذا سيتطلب اقامة المزيد من الوحدات المختصة، التي تحمي الحدود الطويلة وتفرغ الالوية النظامية لمزيد من التدريب. كما ان هذا سيتطلب زمنا اطول لرجال الاحتياط في العمل الميداني، ولكن مشكوك ان يكون بوسع الجيش الاسرائيلي أن يفي بهذه الكلفة. لهذا الغرض يتعين على رئيس الاركان أن يعين على رأس الذراع البري ضابطا مفكرا  وجسورا يعرف كيف يقود التغيير اللازم، ولا يوجد كثيرون كهؤلاء.

وفي مواجهة المحيط المتغير، سيتعين على آيزنكوت ان يعيد النظر ايضا في انتشار القوات البرية. فعلى مدى السنين احتفظ الجيش الاسرائيلي بفرقة نظامية في هضبة الجولان لتتمكن من صد هجوم سوري، ولكن بعد أن بات واضحا بان الجيش السوري لم يعد يشكل تهديدا على اسرائيل، فقد أخرج بيني غانتس الفرقة 36 من هضبة الجولان واقام مكانها فرقة من الامن الجاري تحمي اليوم الحدود.

ولكن بينما تتفكك سوريا، يواصل في لبنان اليوم تشكيل التهديد العسكري الاهم على اسرائيل. فعلى اساس دروس الجرف الصامد، يبني حزب الله قوات هجومية يمكنها أن تخترق الاراضي الاسرائيلية في الحرب وتسيطر لزمن قصير على البلدات. ويتطلب هذا من الجيش الاسرائيلي أن يكون جاهزا في كل لحظة لمعركة دفاع واسعة على الحدود الشمالية. وعليه، فمثلما حرس الجيش الاسرائيلي على مدى السنين على تواجد دائم للقوات النظامية في الجولان، مطلوب الان تواجد كهذا على الحدود الشمالية. اذا ما علقنا في مواجهة مع حزب الله دون انذار مسبق، فلن يتمكن الجيش الاسرائيلي من جلب فرقة نظامية الى المنطقة كي تتمكن من حماية البلدات من قوات حزب الله البرية.

يغرس آيزنكوت في الجيش احساسا بالاحتمالية العالية للمواجهة في الصيف القريب القادم، رغم ان الاحتمالية ليست عالية، وهذا على ما يرام. فخير للجيش أن يكون متحفزا حتى وان تبينت التقديرات مغلوطة. ولكنه رئيس اركان ينظر ليس فقط الى التهديدات بل وايضا الى الفرص. وثمة وفرة كهذه. العالم العربي المعتدل يطلق الاشارات لاسرائيل بانه منفتح على التعاون معها في تصميم الشرق الاوسط المستقبلي. وكرئيس للاركان، يمكن لايزنكوت فقط أن يشير الى هذه الفرص، ولكن القيادة فوقه في هذه الاثناء تتجاهلها.

في الحكومة الجديدة يتعين على رئيس الاركان ان ينظر ليس فقط الى المحيط بل وان يفتح العين على الجانب الاسرائيلي. فهذا الائتلاف مليء باعواد الثقاب، واذا ما اختار احدها الاقتراب في خطوة استفزازية من برميل  بارود مثل الحرم، فان هذا الصيب ايضا كفيل بان يكون حارا على نحو خاص.