خبر « الصرافة » في الضفة.. بين مطرقة الاحتلال وسندان السلطة

الساعة 08:28 ص|12 مايو 2015

فلسطين اليوم

يواجه القطاع المصرفي في الضفة الغربية ملاحقة متواصلة من قبل السلطات الإسرائيلية عبر اقتحام بعض مكاتب الصرافة ومصادرة محتوياتها تحت حجة ملاحقة « الإرهاب » ومنع وصول الأموال إلى فصائل المقاومة، فيما توجه اتهامات لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية بالتضييق على عمل هذه المكاتب وفرض إجراءات معقدة على حوالاتها المالية بحجة التأكد من عدم وصولها لحركة « حماس ».
فخلال الأيام القليلة الماضية، اقتحم الجيش الإسرائيلي عدداً من مكاتب « شركة عابدين » للصرافة والحوالات المالية في مدينتي الخليل وبيت لحم وقام بمصادرة محتوياتها، فيما وجه جهاز « الشاباك » اتهامات لأصحابها بنقل أموال لـ « حماس » في الضفة الغربية، مدعياً ضبط وثائق وملفات تؤكد تعاون صاحب المكتب مع الحركة لتسهيل معاملاتها المالية، وهو الأمر الذي نددت به سلطة النقد الفلسطينية، معتبرة أن ذلك يستهدف زعزعة الثقة بالقطاع الصيرفي الفلسطيني.
وحسب مزاعم الاحتلال فان مكاتب « عابدين » حوّلت أرصدة مالية لنشطاء « حماس » في الضفة الغربية لاستخدامها في تمويل أعمال عسكرية ضد أهداف إسرائيلية، واستخدمت الشركة لهذا الغرض مشاريع أخرى مملوكة لها بغية إصدار « فواتير وهمية » لخدمات لم تقدمها، كما تم تحويل مبالغ أخرى إلى الشركة من خلال استخدام أسماء وهمية للتملص من العقوبات الدولية المفروضة على « حماس » وتمويه مصدر الأموال عن طريق توقيع إفادات « كاذبة »، على حد قولها.
هذه الاتهامات وغيرها رفضها صاحب الشركة فضل عابدين، مؤكداً على ان عمل شركته وحوالاتها المالية تخضع للقوانين الفلسطينية ورقابة سلطة النقد والأجهزة الأمنية الفلسطينية، مشيرا إلى أن الأمر لا يعدو عن كونه « افتراءات كاذبة لضرب قطاع الصرافين وإلحاق الضرر بالاقتصاد الفلسطيني »، على حد وصفه.
ويلفت عابدين في حديث لـ « قدس برس » إلى أن الاحتلال كان قد اقتحم مكاتب الشركة عام 2008 وصادر منها مبالغ مالية كبيرة في عملية أطلق عليها اسم « البدلة الشخصية » بحجة تمويل حركة « حماس »، غير أن المحكمة الإسرائيلية وبعد متابعة قضائية من جانب الشركة أصدرت قرارا بإعادة كافة الأموال المصادرة، رغم الاتهامات الكبيرة التي وجهها الإعلام الإسرائيلي وجهاز « الشاباك » للشركة.
ويؤكد عابدين على أن مناطق السلطة الفلسطينية تخضع لرقابة مالية مشددة ومزدوجة لا مثيل لا في المنطقة من قبل الاحتلال أولا، ثم « الدائرة الاقتصادية » في جهازي الوقائي والمخابرات، والتي تفرض تدقيقا على كافة الحوالات المالية التي يزيد مبلغها في بعض المناطق عن ألف دولار كمدينة الخليل، وهو الأمر الذي تلتزم به جميع مكاتب الصرافة كقانون ضامن لاجراءات منح الترخيص.
وفي الإطار ذاته، يشير الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت نصر عبد الكريم إلى أن إجراءات الرقابة على العمل المصرفي بالضفة الغربية يقع ضمن قوانين دولية تلتزم بها السلطة لملاحقة « الإرهاب » ومنع غسيل الأموال، وهو الامر الذي لا يقتصر على الحالة الفلسطينية وحدها.
ويلفت عبد الكريم في تصريح لـ « قدس برس » إلى أن مهمة مراقبة الحوالات المالية تتبع لدائرة مختصة في سلطة النقد تقوم بتبليغ الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن أي حوالة تصل سواء عبر المصارف او مكاتب الصرافة أو أنظمة التحويل الفوري، تزيد عن 10 آلاف دولار (وربما اقل في بعض المدن)، بغرض التحقق من مصدرها، وهي بحاجة لموافقة أمنية قبل صرفها.
وفي المقابل، تتهم حركتي « حماس » و« الجهاد الإسلامي » أمن السلطة في الضفة الغربية بملاحقة أموال مخصصة لعوائل الأسرى والشهداء والأسرى المحررين، حيث أكدت حركة « الجهاد الإسلامي » أن امن السلطة أقدم مؤخرا على مصادرة أموال كانت في طريقها لـ« كانتين » أسرى معتقل « عوفر »، معتبرة ان مصادرة تلك الأموال ومنع تحويلها وإرسالها يتساوق مع سياسة الاحتلال في التضييق على الأسرى، على حد وصف الحركة.
من جانبه، أفاد أحد أصحاب مكاتب الصرافة -رفض الكشف عن هويته – ان الإجراءات التي تفرضها أجهزة السلطة على الحوالات المالية أصبحت تشكل حرجاً كبيراً لهم أمام المواطن الفلسطيني، مشيرا إلى أن صرف أي حوالة ربما لا تتجاوز ألفي دولار في بعض الأحيان، أصبحت تتطلب موافقة جهازين أمنيين يعمل كل منهما بشكل مستقل.
ويلفت إلى أن صرف هذه الحوالات وهي في الغالب لزوجة شهيد او أسير او موظف، قد تستغرق عدة أيام يضطر خلالها أصحابها لمراجعة تلك الأجهزة لإثبات مصدرها.
ومن ناحيته، يؤكد مسئول ملف الحريات في الضفة الغربية خليل عساف على أن حالة التقييد والملاحقة المالية بالضفة طالت مخصصات أسرى محررين وزوجات الأسرى، وهو ما اعتبره تجاوزا خطيرا بحاجة إلى « موقف وطني من الفصائل يخرج هذه الفئة من دائرة الانقسام ».
ويوضح عساف لـ « قدس برس » ان واقع الانقسام « أثر على بعض القيم الفلسطينية وخلق حالة من عدم الثقة بالآخر »، معتبراً أن عملية نقل الأموال لعناصر الفصائل سواء في غزة او الضفة في ظل الاحتلال، والمطلب الوطني بمقاومته لم يشكل يوماً حالة خلاف، الا عندما حل الانقسام الذي أثار المخاوف حول مخططات كل جهة ضد الأخرى.
وكان الناطق باسم الأجهزة الأمنية في الضفة عدنان الضميري قد أكد في مؤتمر صحفي عقده بعد أيام مع حملة الاحتلال ضد شركة « عابدين » للصرافة، على أن عددا من المعتقلين لدى السلطة من « حماس » أداروا شبكات مالية من بينهم صحفي، شكل « قناة أموال » للحركة عبر وسيط ايطالي، وهو الأمر الذي نفته عائلة الصحفي.