خبر التعاون بين النازية والحركة الصهيونية

الساعة 08:18 ص|12 مايو 2015

أطلس للدراسات

من النادر جدًا أن تظهر للعلن كتابات تتحدث عن صلة بين الحركة الصهيونية والحزب النازي في فترة صعود النازيين الى الحكم في ألمانيا في ثلاثينات القرن الماضي، فالمشروع الصهيوني يحرص أشد الحرص على إسدال الستار على هذه العلاقة وتغييبها عن ذاكرة الأجيال، إسرائيل، التي تضخ الوثائق عن علاقة قادة عرب بالحركة النازية – مثل الحاج أمين الحسيني مفتى فلسطين، وأبرز الشخصيات التي قادت النضال الفلسطيني منذ نهاية الحرب العالمية الأولى – لتشويه النضال الفلسطيني وتشويه صورة العرب؛ لا تقبل بظهور أي وثيقة تتطرق للعلاقة بين الصهيونية والنازية، وهي التي وظفت الممارسات النازية أكبر توظيف لخدمة مشروعها في فلسطين، ومن بين ذلك لعب دور الضحية واستجلاب التعاطف، ولاحقًا التعويض المادي والسياسي، واجتهدت للاستفادة من الممارسات النازية بحق اليهود لتفرض على المجتمع الدولي سن تشريعات تجرم التنكر لما تسمية بمحارق النازية والكارثة ضد اليهود أو مجرد التشكيك عبر البحث العلمي التاريخي في الأرقام المهولة التي تتبناها الصهيونية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ينبذ « العنف » دومًا ويرفض اللجوء الى السلاح، وقبل بوجود إسرائيل على أكثر من 80% من فلسطين التاريخية؛ لم يسلم من هجوم أبواق الدعاية الصهيونية ووسائل إعلامها بسبب كتابين صدرا عنه في منتصف الثمانينات « الصهيونية بداية ونهاية »، وأطروحته لنيل الدكتوراه من معهد الاستشراق في موسكو، والتي حملت عنوان « الوجه الآخر: العلاقة السرية بين النازية والحركة الصهيونية »، والتي تتضمن وثائق خطيرة لم تكشف من قبل عن تورط قادة الحركة الصهيونية في الجرائم التي حلت بالشعب اليهودي، حيث طالب المستشرق اليهودي الدكتور اري كوهن بإزاله هذين الكتابين من الموقع الخاص بالرئيس عباس، واعتبر ان هذه الكتب تحمل دعاية كاذبة ولاسامية.

في هذا الكتاب يثبت ابو مازن ان النصف الثاني من المسؤولية تتحمله الحركة الصهيونية التي تعاملت مع النازيين، وان زعماء الصهاينة اعتبروا ان ملاحقة اليهود والتعرض لهم هو امر مقبول ومطلوب من اجل دفعهم للهجرة الى فلسطين، وان هذه الوسائل كانت مبررة لتحقيق هذه الغاية. وبحسب أبي مازن فإن كل من حاول قول الحقيقة دفع حياته ثمنًا لذلك، ومن الشواهد التي يوردها أبو مازن « ايخمان » الذي قام « الموساد » باختطافه من الأرجنتين وقتله؛ ليس بسبب مسؤوليته عن جرائم النازية، وإنما كونه بدأ يكتب ويقول الحقيقة حول من يقف وراء هذه الجرائم، أيضًا « اسرائيل كاستنر » الذي تعرض له « الموساد » وقتله لأنه كان يريد الحديث في المحكمة عن تفاصيل المؤامرة الصهيونية النازية.

صحيفة « معاريف » نشرت مقالًا لـ « ماندي غروسمان » أحد الناجين من « المحرقة »، حاول ان يسلط الضوء على هذه الحقيقة المهمة، خفايا علاقة الصهيونية بالنازية الألمانية أو ما يسميه كاتب المقال « العلاقة شبه المنسية بين الحركة الصهيونية وبين الحزب النازي قبل الحرب العالمية الثانية، والمقصود هي السنوات ما بين صعود النازيين الى سدة الحكم (1933) ولغاية الحقبة التي لم يكن من الممكن التملص من نواياهم التدميرية تجاه يهود ألمانيا » لتشجيع هجرة اليهود الألمان الى فلسطين، وهو أمر حاولت الصهيونية إنكاره وتهميشه دومًا. وقمنا نحن في « أطلس للدراسات الإسرائيلية » بترجمته كاملًا.

 

ما هي العلاقة بين الحركة الصهيونية وبين الحزب النازي؟ القطعتان اللتان اكتشفتا مؤخرًا تسلطان الضوء على العلاقة شبه المنسية بين الحركة الصهيونية وبين الحزب النازي قبل الحرب العالمية الثانية، والمقصود هي السنوات ما بين صعود النازيين الى سدة الحكم (1933) ولغاية الحقبة التي لم يكن من الممكن التملص من نواياهم التدميرية تجاه يهود ألمانيا، القطعتان تعرضان حاليًا في دار المزاد العلني « كيدم » في القدس.

القطعة الأولى هي ميدالية مطبوع عليها الصليب المعقوف ونجمة داود معًا على الوجهين، الشخص الذي طبع الميدالية ليس سوى وزير الاعلام النازي جوزيف غوبلز، وذلك حسب دعوة « الاتحاد الصهيوني النازي » في العام 1934 في إطار سلسلة كتابات في الصحيفة النازية التي تحمل اسم (Der Angriff) أو « الأمل » والتي يخرجها غوبلز، وهو رئيس طاقم الصحيفة أيضًا، على أحد وجهي الميدالية توجد نجمة داود وعليها عبارة (النازي ذاهب الى فلسطين) وعلى الوجه الآخر صليب معقوف مكتوب عليه (ونكتب عن ذلك ويحدونا الأمل).

بداية الحكاية التي أنشأت الاتحاد بين صهاينة ألمانيا مع جهات في أوساط الحزب النازي قبل هذا التاريخ بعام، على أمل ان يؤيدوا الأهداف الصهيونية، ففي تلك السنوات اشترت الصهيونية لنفسها الكثير من المؤيدين في أوساط يهود ألمانيا، وسيما مع اعتلاء هتلر لسدة الحكم والتخوف من انه زرع (نطفة) في أوساط اليهود، افترض يهود ألمانيا انه يجب التعاون مع النازيين في كل ما يتعلق بتشجيع هجرة اليهود الى أرض إسرائيل، والذين حفز الحزب النازي مغادرتهم أيضًا.

من أجل ذلك اختير الحقوقي كورت توكلر وقاضي اليهود الألمان وعضو إدارة « اتحاد صهاينة ألمانيا » والذي توجه ليوبولد بون ميلدنشتين رئيس القسم اليهودي في أجهزة أمن الحزب النازي الـ (SS) والذي سمي في حينه أيضًا بـ (SD) وطلب إليه ان يكتب في الصحف النازية عن المجتمع اليهودي في أرض إسرائيل، وذلك بهدف تحقيق دعم الحزب النازي لإسكان اليهود في أرض إسرائيل المنتدبة كـ « شركاء نزيهين »، ولقد أيدت هذه المبادرة من قبل عناصر معتمدة في الحركة الصهيونية العالمية.

سافر الرجلان الى أرض إسرائيل لمدة شهر بهدف جعل بون ميلدنشتين يتأثر بالورشة الصهيونية، في التقرير الذي أرسله توكلر الى يوميات أرشيف « ياد فاشيم » كتب « كان هدف الزيارة أن نخلق في صحيفة نازية جوًا يدعم ورشة البناء في أرض إسرائيل »، وعند عودته الى ألمانيا نشر بون ميلدنشتين سلسة « دزينة » من المقالات المصورة تغطي زيارته لأرض إسرائيل، نشرت في المجلة الرسمية النازية بعنوان « النازي ذاهب الى فلسطين ».

عرضت صفحة الجريدة الرئيسية خارطة أرض إسرائيل، وتلاها سلسلة مقالات، أظهر من خلالها الكاتب النازي تأييدًا لإنجازات المستوطنين اليهود، الأمر فسره بأنه إنقاذ خلق « صنف جديد من اليهود »، بالإضافة الى وصفه لمشاهد الطبيعة في فلسطين والمستعمرات والمستوطنات الجديدة التي كانت قد تأسست قريبًا إلى جانب يهود يحرثون الأرض ويجففون البيض ويزرعون البيارات، وهكذا يحولون تعاليم التوراة إلى أعمال الرؤية الصهيونية.

ميرون اران صاحب دار المزاد العلني « كيدم » قال عند عرض القطعة ان « المفاجأة الكبرى في ميدالية غوبلز صدمت كل إنسان معاصر يعيش في الـ 2015 ويعرف عن فظاعة الكارثة، الميدالية تعتبر شهادة أظهرت ببراءتها السذاجة اليهودية وقلة الوعي بالعام 1933، بالتوجه الذي سلكه الحزب النازي لدرجة ضم رمز اليهودية مع رمز الحزب النازي جنبًا الى جنب، ضم يبدو اليوم بشعًا تقشعر له الأبدان.

 

ايخمان يشجع الهجرة

القطعة الثانية تعكس هي أيضًا الأحداث التي وقعت بين صعود النازيين إلى القيادة وبين الحرب العالمية الثانية، يدور الحديث عن بيان يبدأ بالعنوان »لا تمسوا سفن النقل« ، ويقرر ان »الترحيل يفتح بوابات الأرض ليهود ألمانيا وأن إصدار الأمر بالهجرة الى فلسطين هي الأمل بالنجاة الوحيدة والأخيرة، أيها اليهودي هل تريد أن تترك اليهودية الألمانية في مخالب مصيرها المر وإبقائها في طريق مسدود؟« .

وإليكم ما وقف من وراء هذا البيان: الجدل حول »اتفاق التعويضات« ، تلك الدفعات التعويضية التي دفعتها الحكومة الألمانية للناجين من المحرقة في العام 1952، معلوم ان الاتفاق الذي جاء بعد المحرقة يهدف لإعادة أملاك وأموال القتلى وأبناء عائلاتهم، وما نعرفه بشكل أقل هو اتفاق النقل الذي سبق هذا بعشرين سنة، هذا الاتفاق الذي وقع بين السلطات الألمانية النازية للوكالة اليهودية في العام 1933، ويمكن يهود ألمانيا من ان يهاجروا الى فلسطين وينقلوا ممتلكاتهم وأمولهم معهم.

البيان الذي وصل في الفترة الأخيرة الى »كيدم« يكشف استغلال الجدل العنيف الذي دار في الجلسة حول اتفاق هذا البيان الواسع الانتشار، والذي ولد استجابة للمواقف المتشددة التي أعلن عنها الاصلاحيون ضد الاتفاق، والأساس في معارضتهم كان ضد الحاجة الى التواصل مع السلطات الألمانية النازية الذين كانوا متطرفين في نظر أفراد المجتمع في تلك الفترة، وأكثر من ذلك فقد كسر الاتفاق بشكل عملي المقاطعة التي حاول يهود أمريكا فرضها على شراء المنتجات الألمانية، كما عبر عن ذلك على سبيل المثال ستيفن ويز، وهو أحد القادة البارزين ليهود الولايات المتحدة في تلك الحقبة، »لا نبني الأرض المقدسة من جديد لكي نجعل منها أرض رفاه للأغنياء الذين يتعاملون مع الحكومة الألمانية« .

ورشة النقل أثارت مواجهة عاصفة في الثلاثينات قبل الكارثة، في المجتمع اليهودي في البلاد وفي الشتات، والذي انشغل من بين ما انشغل بالمسألة الأخلاقية في إجراء المفاوضات مع النازيين والفائدة الناتجة عن ذلك، على جانبي الخندق في أرض إسرائيل وقف حزب »المبام« (هذه الأيام »العمل« ) الذي سيطر على الوكالة اليهودية وقاد الاتفاق، وعلى الجهة الأخرى الحركة الاصلاحية (والتي انضمت قبل أيام الى حزب »حيروت« وفيما بعد »الليكود« ) والتي عارضت الاتفاق بشدة، ذات اللاعبين تحديدًا الذين وقف أحدهم في مواجهة الآخر في الجدل حول اتفاق تعويضات قتلى المحرقة.

أول رد فعل لليهود على مطاردة إخوانهم في ألمانيا من قبل النازيين، أريد منه في الأساس الحفاظ على حقوق اليهود، وهو الأمر الذي عبر عنه بمقاطعة النازية وتوسيعها لتشمل مجموعات غير يهودية في الواقع، وخاصة بمبادرة من الإصلاحيين، غير ان اهتمام المنظمات الصهيونية تركز في الأساس على فرص استغلال الأزمة كرافعة محتملة لتطوير الورشة الصهيونية عن طريق جذب الوافدين الى فلسطين.

أعداد المهاجرين اليهود في ألمانيا مال أكثر، وبشكل كبير، لأفراد المجتمع في البلاد؛ إذ ان المقصود بالعل أناسًا أغلبهم من الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا أصحاب أملاك ومثقفين، ما عدا ذلك الهجرة المكثفة ليهود ألمانيا فهمت على انها شرارة تستطيع ان تدشن حركة شعبية واسعة النطاق في بقية الدول الأوروبية.

العائق الأساسي أمام تهجير المهاجرين الأثرياء من ألمانيا كانت القوانين التي تمنع إخراج العملات الأجنبية منها إثر أزمة اقتصادية ضربت العالم قبل تولي النازيين لمقاليد الحكم، وهكذا نضج اتفاق النقل مع السلطات الألمانية من خلال البنك الانجلو – فلسطيني وبنك الفرسان بهدف تمكين نقل أموال اليهود »أبناء العرق اليهودي« الذين يهاجرون الى أرض إسرائيل.

رغم المعارضة، ليس فقط ان اتفاقيات مشابهة وُقعت فيما بعد مع هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا؛ بل في فبراير 1937 أجريت في برلين مقابلة بمشاركة مسؤولين نازيين، وعلى رأسهم ايخمان تم الاتفاق فيها على نقل قسطًا من أموال الانتقال مقابل ان يضاعفوا هم من جانبهم تدفق المهاجرين إلى فلسطين ليبلغ عددهم الـ 50000 مهاجر في العام، كما تقرر ان يسمحوا لكل مهاجر ان يخرج من ألمانيا 1000 جنيه استرليني بهدف تلبية متطلبات تكلفة الأثرياء، هذه المبادرة أنقذت عددًا من يهود ألمانيا قبل بدء الأحداث.

»رغم العلاقة بين الصهاينة والنازيين، والتي عبر عنها في البيان المؤيد لها لو استغل يهود ألمانيا الفرصة التي واتتهم لربما نجوا من المصير المر الذي كان بانتظارهم بعد ذلك ببضع سنين" يجمل ميران اران القول.