خبر أمل جديد للأطفال الذين يواجهون العمى

الساعة 07:20 م|08 مايو 2015

فلسطين اليوم

يعتبر البصر من أهم الحواس البشرية، فهو النافذة التي نطل من خلالها على العالم الخارجي، والتي تسمح لنا برؤية جماله، والإحساس بعظمته، كما أن نعمة البصر تسمح لنا بأن نكون مستقلين، والرؤية من وجهة نظر العلم، هي قدرة الدماغ والعين على كشف الموجة الكهرومغناطيسية للضوء لتفسير صورة الأفق المنظور، فعندما يمر الضوء من عدسة العين يؤدي ذلك إلى انعكاس الصور المنظورة على شبكية العين التي تقوم بدورها بنقل الصورة للدماغ الذي يعقل (يدرك) هذه الصورة.

فقدان الرؤية أو جزء منها يسمى بالعمى، وهو فقد الإدراك البصري الذي يعزى إما لعوامل فيزيولوجية أو عصبية، ويوجد نوعين أساسين من العمى، وهما العمى الكلي وهو غياب كامل للإدراك الحسي للضوء المرئي (يعرف طبياً باسم NLP)، والعمى الجزئي وهو غياب جزئي للإدراك الحسي الضوئي المرئي، وتشير منظمة الصحة العالمية بأن وظيفة البصر توصف بأربعة مستويات هي: الرؤية الطبيعية، ضعف البصر المعتدل، ضعف البصر الوخيم، العمى.

يقدر عدد الأطفال دون سن الخامسة عشرة الذين يعانون من ضعف البصر بنحو 19 مليون طفلاً، منهم 12 مليون طفل يعانون من ضعف البصر بسبب الأخطاء الانكسارية، وهي حالة يمكن تشخيصها وتصحيحها بسهولة، وهنالك 1.4 مليون طفل مصابون بعمى غير قابل للشفاء لبقية حياتهم ويحتاجون إلى تدخلات لإعادة التأهيل البصري لتحقيق التطور النفسي والشخصي الكامل لديهم.

إن أحد أسباب العمى هو التهاب الشبكية الصباغي (RP)، وهو عبارة عن مجموعة من حالات العين الوراثية التي تؤدي إلى العمى، وهو من الأسباب الأكثر شيوعاً للعمى التي يصاب بها الأشخاص في سن العمل في الغرب، حيث أنه يصيب واحداً من كل 3500 شخصاً، وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص لا يتم تشخيص حالتهم حتى الكبر –عادةً في عمر 26-ولكن هناك بعض الأشخاص الآخرين الذين تبدأ الأعراض بالظهور عليهم في أعمار صغيرة جداً.

إن التهاب الشبكية الصباغي (RP) الذي يصيب الأطفال عادةً ما يدعى باسم مرض فقدان البصر الخلقي (LCA)، ففي حين أن جميع الأشخاص المصابين بالـ (RP) يتدهور وضعهم تدريجياً على مدى سنوات عديدة وجميعهم يتشاركون بذات المصير -العمى الجزئي أو الكلي –، إلا أن الأطفال الذين يعانون من (LCA)، فإنهم لا يمتلكون الكثير من الوقت، حيث أن فقدان البصر يحدث لديهم بسرعة، ومعظمهم يصاب بالعمى التام قبل بلوغ سن العشرين.

في الواقع فإن مصطلح الـ ((RP هو عبارة عن مظلة يجمع تحته العشرات من مختلف مشاكل ضمور الشبكية الموروث، وقد تم تحديد أكثر من 50 جيناً مرتبطاً بهذه الحالة حتى الآن، ولكن يمكن أيضاً للطفرات المختلفة والمتعددة التي تحدث ضمن هذه الجينات أن تسبب هذه الحالة، وما يزال أمام الباحثين طريق طويل ليقطعوه قبل أن يستطيعوا التوصل لمعرفة كل تلك الطفرات.

عادةً ما يتم أخذ عينة من الحمض النووي التابع للمريض ويتم وضعها تحت الاختبار بغية فرزها، لمعرفة أي من تلك الجينات هي المسؤولة عن حالة ال(RP)، ولكن مع ذلك فإن فرصة معرفة الخلل الوراثي لا تتجاوز الـ 50/50.

إن مجال البحث الذي تم احراز معظم التقدم فيه حتى الآن يقتصر على العلاج الجيني، ففي عام 2007، أصبحت مجموعة صغيرة من المرضى المصابين بطفرة في الجين RPE65))، أول مجموعة تحصل على عملية تصحيح للجينات، عن طريق زرع جينات صحيحة غير متحولة في شبكية العين باستخدام ناقلات الفيروس، ولم يتعرض أي من المرضى لأي نوع من الآثار الجانبية السلبية، إضافةً إلى أن أحد المرضى شهد تحسناً في رؤيته الليلية، مما يدل على أن المبدأ الذي يتبعه الباحثون هو صحيح في أساسه، وقد أشار كبير الباحثين البروفيسور (روبن آلي) إلى أن التجارب المقبلة سوف تستخدم ناقلات أكثر فعالية وهذا سيساعد بالحصول على ترخيص لدواء قادر على الحفاظ على القدرة على الرؤية النهارية وقادر على إبطاء ضمور عضلات العين، ويعتقد الباحثون أن بمقدورهم الوصول إلى هذا الهدف في غضون ثلاث أو أربع سنوات.

هناك جين معين يقوم الباحثون الآن بدراسته بشكل مكثف، وهو مرتبط بالـ (LCA)، هذا الجين يدعى بـ (RDH12)، وهو المسؤول عن ترميز الانزيم الذي يعمل على تحليل السموم في شبكية العين، ومن دون هذا الإنزيم، فإن السموم ستتراكم في العين، وهذا بدوره سيؤدي إلى تعطل وظيفة الشبكية وموت خلاياها، وعلى الرغم من أن ((LCA يؤثر على شخص واحد من كل مئة ألف شخص، إلّا أنه لا يوجد سوى حوالي 1800 حالة تم التبليغ عنها في جميع أنحاء العالم من هذا الشكل المعين من (LCA).

في عام 2010، قام (مات وجنيفر بليتشر)، من بوسطن، ماساشوستس، بإنشاء مجموعة دعم مقرها في الولايات المتحدة، تضم 21 طفلاً من 15 عائلة، جميعهم مصابون بطفرة في جين (RDH12)، وذلك بعد أن تم تشخيص ابنة (مات وجينفر) التي تدعى (فينلي) بـ ((RDH12 LCA، (فينلي) تبلغ الآن الثامنة من العمر، وهي فاقدة حالياً لمعظم رؤيتها المركزية، و(مات) يخشى أنه بانحسار بصرها فإنها ستخسر معه ثقتها بنفسها، فقد أصبح مجرد الخروج إلى الملعب وإيجاد الأطفال الذين تعرفهم للعب معهم بمثابة تحدي لها، وذلك لأنها لا تستطيع رؤيتهم بشكل جيد، وهذا يدفعها في كثير من الأحيان إلى الاكتفاء بمجرد اللعب مع نفسها لأن هذا اسهل بالنسبة لها.

تبعاً للبروفيسور (آلي) فإن هناك أمل للأطفال الذين لديهم طفرة بجين ((RDH12، حيث يتم حالياً تطوير التجارب على RDH12))، وقد استطاعت التجارب الحالية إثبات قدرة العلم على تصحيح الطفرة بهذا الجين لدى الفئران، والباحثون الآن يتوجهون نحو المرحلة التالية، والمؤسف أن هذه المرحلة لا يمكن أن تأتي بالسرعة اللازمة لمساعدة الأطفال الذين لديهم طفرة في جين RPE65))، فالعلاج الجيني قد يعيد وظيفة المستقبلات البصرية، لكنه لا يمكن أن يحل محل الخلايا الميتة أو أن يعيد إحياءها بعد أن يكون الضرر قد أصابها، وعلى الرغم من احتمال وجود علاج في الأفق، فإن ما يقف في وجه الوصول إليه الآن هو المال.

أخيراً، تبقى قضية هؤلاء الأطفال معلقة على حصول العلماء على التمويل اللازم لإكمال أبحاثهم بغية مساعدة الأطفال على استرداد بصرهم، للعيش بطريقة طبيعية كما يعيش أقرانهم.