خبر اعتقالات الضفة والدور الوظيفي للسلطة ...بقلم د . وليد القططي

الساعة 04:17 م|08 مايو 2015

عندما أعلن السيد محمود عباس بصفته رئيساً للسلطة الفلسطينية في وقت سابق , أن التنسيق الأمني مقدس , بمعنى أنه لا يمكن إيقافه أو التخلّي عنه , كان يدرك أن التنسيق الأمني مرتبط بوجود السلطة نفسها , وأن التخلّي عنه سيقود في نهاية المطاف إلى التخلّي عن السلطة نفسها , لأن التنسيق الأمني هو جوهر وظيفتها الأمنية حسب اتفاقية أوسلو التي أُنشأت السلطة بموجبها , والوظيفة الأمنية للسلطة بدورها هي لب الدور الوظيفي للسلطة المتمثل في الوظائف الأمنية والمدنية ولسياسية , وبدونها فإن السلطة ستفقد مبرر وجودها – في نظر داعميها – وبالتالي لن يتم دعمها . وتدخل الاعتقالات السياسية لعناصر وكوادر حركتي حماس والجهاد في الضفة في إطار الوظيفة الأمنية المتواصلة للسلطة منذ إنشائها , والتي لا يمكن إيقافها إلاّ بعد أن تتغير هذه الوظائف المحددة للسلطة , وتُستبدل بوظائف أخرى تقوم على فلسفة مختلفة عن الفلسفة التي أفرزت هذه الوظائف بما فيها الوظيفة الأمنية التي تخدم الاحتلال الصهيوني .
فمن المعروف أن السلطة الفلسطينية قد تأسست على أساس إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الكيان الصهيوني حول الحكم الذاتي المرحلي على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بتاريخ 13 سبتمبر 1993 في واشنطن , وبقرار من المجلس المركزي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته المنعقدة في تونس بتاريخ 10 – 12 أكتوبر 1993 م . أي أن المرجعية القانونية للسلطة هي اتفاقية أوسلو , والمرجعية السياسية هي منظمة التحرير الفلسطينية , وبناءً على هاتين المرجعيتين انبثقت وظائفها الأمنية والمدنية والسياسية , والتي بناءً على أدائها يتم دعمها مادياً وسياسياً من الأطراف المانحة الدولية والإقليمية , وأي خلل في أدائها أو عدم أدائها سيؤدي إلى وقف هذا الدعم الذي يمثّل شريان الحياة للسلطة , وبالتالي فإن قطع هذا الشريان سيوقف عنها أسباب الحياة .
فالوظيفة الأمنية للسلطة تتم عن طريق ما يُسمى بالتنسيق الأمني الموّجه أساساً ضد المقاومة الفلسطينية للاحتلال , ويهدف إلى إحباط عمليات المقاومة قبل أن تتم , أو كشفها بعد أن تتم , وضرب البُنية التحتية للمقاومة التي يأتي في إطارها الاعتقالات السياسية لكوادر المقاومة السياسية والفكرية , وتمتد للنشطاء في العمل الطلابي والجماهيري . والوظيفة المدنية للسلطة أراحت الاحتلال من عبء إدارة شئون السكان المدنية , وإلقاء هذا العبء على السلطة الفلسطينية , بينما يحتفظ الاحتلال بالأرض ليقيم عليها المستوطنات التي تتمدد يومياً , إضافة باحتفاظه بالسيطرة الإستراتيجية على الضفة والقطاع . أما الوظيفة السياسية للسلطة فهي الأخطر في مشروع أوسلو , وتتمثل في إعطاء غطاء سياسي للاحتلال طوال المرحلة الانتقالية التي تحوّلت إلى مرحلة دائمة , ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يمتد إلى إنهاء الصراع مع الكيان الصهيوني في الاتفاق النهائي لصالحه , ومن ثم إنهاء الصراع بين هذا الكيان وبين العرب والمسلمين ليدخل إلى كل العواصم تمهيداً لدخوله إلى عقولهم وقولبهم تحقيقاً لحلم « إسرائيل الكبرى » .
وبعد أكثر من عشرين عاماً على إقامة السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع , ككيان سياسي غير محدد المعالم باعتباره أكثر من مجرد حكم ذاتي وأقل من دولة , وككيان حاجز بين الاحتلال والمقاومة , وككيان مؤقت تحوّل إلى دائم بفعل الأمر الواقع , وككيان مرحلي على طريق تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني أصبح مقبرة للمشروع الوطني الفلسطيني , بل أصبح مجرد وجوده إنجاز وطني يجب الحفاظ عليه بكل ثمن , ولو كان هذا الثمن هو التضحية بحلم التحرير والعودة والاستقلال , وككيان من المفترض أن يوّحد الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين إلا أنه ساهم في تقسيم الشعب الفلسطيني بين مشروعين وإقليمين وسلطتين .... فبعد أكثر من عشرين عاماً من مشروع أوسلو وما أفرزه من سلطة على جزء من أرض فلسطين فقد حان الوقت لإعادة النظر في مشروع أوسلو والسلطة برمته باتجاه إما التخلّي عن هذا المشروع كلية لتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي شعب محتل يقاوم عدو مغتصب لوطنه بدون حواجز حتى يحقق هدفه الوطني في التحرر والاستقلال , أو على الأقل تغيير المرجعية التي أُقيمت على أساسها السلطة , وتغيير فلسفة السلطة السياسية والمدنية والأمنية لتقوم على أساس الثوابت الوطنية ونهج المقاومة وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني لوضع عجلات القطار الوطني الفلسطيني على مسار المشروع الوطني الفلسطيني الحقيقي مجدداً .