خبر هل سيصمت العالم على إبادة شعب في المرة القادمة .. اسرائيل اليوم

الساعة 09:32 ص|08 مايو 2015

بقلم

(المضمون: فشل الغرب في الرد على ابادة الشعب في رواندة والبوسنة هو استمرار لقلة الحيلة التي اظهرها المجتمع الدولي في منع القتل الذي حدث في سوريا. بعد ذلك فان منفذي القتل الجماعي التالين سيعتقدون أنهم لن يعاقبوا على جرائمهم - المصدر).

في الشهر الاخير انشغلت وسائل الاعلام العالمية في رد العالم خلال العقود الاخيرة على الجرائم الفظيعة ضد الانسانية وعلى رأسها ابادة الشعوب.

هذا الموضوع أثير في الخطاب العالمي على خلفية احياء ذكرى 100 عام على القتل الجماعي للارمن على ايدي الامبراطورية العثمانية التي حتى هذه الايام ترفض تركيا الاعتراف به كعملية ابادة شعب. في الشهر الماضي تم احياء ذكرى 40 عاما على ابادة الشعب في كمبوديا. بعد الحرب العالمية الاولى ادخل الحلفاء الى ميثاق « سفار » بند يتحدث عن اقامة محكمة تعالج عمليات الذبح ضد الارمن.

هذا الميثاق الذي اكمل تقسيم آسيا الصغرى بين الدول المنتصرة ووقعت عليه الامبراطورية العثمانية، لم يتم تطبيقه ولم تتم اقامة هذه المحكمة. عندما طرد آلاف الارمن الى الصحراء السورية لم يكن هناك أي جهة ذات صلاحية تحدد جوهر هذا العمل الذي نفذ ضدهم.

رئيس حكومة بريطانيا، ونستون تشرتشل، الذي كان يعرف عن اعمال القتل الجماعية التي نفذها الجيش النازي في المناطق الواقعة تحت سيطرته، سماها « جريمة بدون اسم ». البروفيسور استاذ القانون من اصل يهودي بولوني، رفائيل لنكن، عرف هذا للمرة الاولى في 1944 بالابادة الجماعية في بحث كتبه حول سياسة الاحتلال النازي لمعهد كارينغي في واشنطن. في تطرقه لابادة الشعب اليهودي، اوضح لنكن أن معنى المفهوم هو تدميرا كاملا. إن عمل لنكن كان العمل الطليعي الذي ادى الى تغيير في رؤية القانون الدولي لقتل الشعب.

المفهوم الذي صكه لنكن تم تبنيه بسرعة من قبل الآخرين. كانت تلك فترة فريدة من المثالية، التي خلالها اظهر محامون دوليون تصميما لمنع تكرار الاعمال التي نفذت من النازيين. في 1945 قدمت للمرة الاولى في محاكمات نيرنبرغ لوائح اتهام على جريمة قتل شعب ضد مجرمي الحرب النازيين. بعد ثلاث سنوات تم التوقيع على ميثاق الامم المتحدة الذي حظر بصورة رسمية القيام بقتل شعب. اليوم هناك 148 دولة موقعة على الميثاق. في الاساس وكرد على الكارثة نشأ اجماع دولي قوي ضد تكرار قتل الشعب.

كيف طبق المجتمع الدولي هذين الهدفين من الميثاق ضد قتل الشعب، معاقبة منفذيه ومنع تكراره؟ مفهوم الابادة الجماعية الذي صكه مكين استند الى الكلمة اليونانية « الجنس » والكلمة اللاتينية « قتل ». الميثاق ضد قتل الشعب حدد في معناه لاعمال القتل الجماعي التي في الاصل « استهدفت التدمير بصورة كاملة أو جزئية لمجموعة قومية، عرقية أو دينية ». وبهذا نشأ اختراق كبير. هكذا وطوال سنوات طويلة امتنع المجتمع الدولي عن القيام بعمل ضد قتل الشعب الذي نفذ في السبعينيات في كمبوديا بواسطة بولبوت والخمير الحمر، وذلك بدعوى تقنية أن القتل الجماعي لما يقرب من المليوني شخص استهدف في الاساس اشخاصا معارضين للنظام في كمبوديا، وليس ضد أقلية عرقية أو اثنية.

إن فشل المجتمع الدولي في التعامل بصورة فعالة مع ابادة الشعب، برز بصورة خاصة في رواندة. ميثاق الامم المتحدة ضد ابادة الشعب يلزم كما قيل كل الدول بـ « منع ابادة شعب ومعاقبة منفذيه ». القائد الكندي لقوات الامم المتحدة في رواندة، الجنرال روميو دليير، كان يمكنه منع تنفيذ ابادة الشعب. لقد ارسل برقية سرية لكوفي عنان، الذي شغل في حينه رئيس قسم العمليات المتعلقة بحفظ السلام وفيما بعد السكرتير العام للامم المتحدة، وفيها اعطى معلومات مفصلة عن التدريبات التي اجتازتها المليشيات الهوتية في معسكرات جيش رواندة تمهيدا لابادة قبيلة التوتسي.

كان لدى دليير معلومات عن الاماكن السرية للسلاح الذي استخدمه الهوتيون، وقد طلب الاذن من كوفي عنان بوضع اليد على ذلك السلاح بواسطة القوة البلجيكية لحفظ السلام من اجل احباط مؤامرة ابادة قبيلة التوتسي. الامم المتحدة رفضت طلب الجنرال دليير بدعوى أن عملية عسكرية من هذا النوع « تخالف التفويض » لقوات الامم المتحدة لحفظ السلام. وهكذا بالفعل تمكن الهوتيون في 1994 من تنفيذ قتل جماعي لـ 800 ألف من ابناء قبيلة التوتسي. بعد ذلك بسنة فشلت قوات الامم المتحدة في مهمتها في الحفاظ على مسلمي البوسنة، وقتل حوالي 8 آلاف مسلم في سربنتسا على أيدي الصرب البوسنيين.

إن فشل الغرب في الرد على ابادة الشعب في رواندة والبوسنة خلق لفترة معينة شعورا بالذنب في اوساط النخبة الدبلوماسية في الولايات المتحدة واوروبا. هؤلاء اظهروا نشاطا اكثر في الرد على ابادة الشعب في دارفور في السودان لكنهم لم ينجحوا في وضع حد لاعمال القتل الجماعية. إن تدخل قوات الناتو في ليبيا حدث بعد أن ساد تقدير لدى المستوى الدبلوماسي يقول إن القوات الموالية للقذافي يمكن أن تنفذ ابادة جماعية ضد رجال المعارضة في بنغازي، تشبه المذبحة في سربنتسا.

التدخل الغربي العسكري انقذ بنغازي، ولكن الفوضى كانت هي قدر ليبيا وقد انتشرت في ارجاء الدولة بعد سقوط نظام القذافي. هذا الوضع أدى الى تحفظ متخذي القرارات في الغرب من التدخل العسكري في مناطق ازمات اخرى في العالم، كما تمثل هذا في امتناعهم عن القيام بعملية عسكرية في سوريا، رغم القتل الجماعي للمواطنين الذي نفذه وما زال ينفذه النظام بمستوى اكبر بكثير من نظام الطاغية الليبي الذي سقط، معمر القذافي. المجتمع الدولي يدفع ثمنا باهظا على عدم قيامه بالعمل ومنع الابادة – منفذو القتل الجماعي التالين سيعتقدون انهم لن يعاقبوا على جرائمهم.

المجلة الاسبوعية البريطانية « ايكونوميست » ادعت في عددها الصادر في 18 نيسان أنه حدث انسحاب من الالتزام الدولي للعمل ضد جرائم الحرب، كما تبدت بعد الحرب العالمية الثانية، وأنه حدث ضعف في تصميم الغرب للنضال ضد هذه الظاهرة.

وفقا لوثائق عرضت في محاكمات نيرنبرغ فان لامبالاة العالم ازاء مصير الاركن شجعت القيادة النازية في 1939 على الاعتقاد ان العالم سيصمت امام ابادة الشعب ضد اليهود. للأسف، فشل الغرب اليوم في التعامل مع القتل الجماعي في اماكن مثل سوريا يمهد الارض لقتل جماعي وحتى لابادة الشعب القادمة.