خبر إعادة الإعمار بين غياب الرقابة وتضارب مصالح صناع القرار .. بكر التركماني

الساعة 11:29 ص|06 مايو 2015

بقلم: بكر التركماني

المستشار القانوني للإئتلاف من اجل النزاهة والمساءلة امان

 

تتصدر قضية إعادة الإعمار سُلم أولويات المواطنين، ومما لا شك فيه أن التأخر في تنفيذ عمليات إعادة الإعمار بالتزامن مع الغموض العام الذي يشوب آلية تنفيذها المرتبطة بأطراف عديدة، يستدعي تعزيز بيئة النزاهة والشفافية والمساءلة في تنفيذها والوقوف على الفجوات والتحديات التي تُعيقها أملاً في تفاديها قدر المستطاع ووضع كل ذي موقع أمام مسؤوليته تجاه المواطن الفلسطيني المتضرر بالدرجة الأولى.

وحيث أن عملية إعادة الإعمار لا تزال قضية شائكة محل تشكيك وتخبط وعدم وضوح للمواطن والمؤسسات الأهلية كونها مرهونة بآلية أممية بطيئة الخُطى وغير متفق عليها من كافة الجهات، علاوةً على تعدد الأطراف المرتبطة بتنفيذ إعادة الإعمار، فبعد أن اتفق الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي على وقف إطلاق النار والالتزام بآلية روبرت سيري لإعادة الإعمار رفض القطاع الخاص وعدد من المؤسسات الأهلية تلك الآلية وما زال يسعى لطي صفحتها كونها كما يعتبرها البعض غلاف جديد يُزين الحصار لقطاع غزة وذلك ما يُثير الاستفهام حول أسباب قبول تلك الآلية من قبل السلطة وما يُشير إلى ضعف المسؤولية لديهم تجاه المواطنين ومستقبل الأجيال القادمة في غزة.

 

وحتى تستقيم طريق تلك القضية الشائكة يجب أن تتمتع بالمناعة والحصانة ضد أي شُبهات فساد محتملة من خلال تعزيز قيم النزاهة في تنفيذ إجراءات وسياسات لإعادة الإعمار تتواءم مع كرامة المواطن الفلسطيني وتكفل حقه في تعويض أغلى ما كان يملك وتتزامن مع التزام الجهات الرسمية بمبادئ الشفافية من خلال الإعلان عن  تلك المعايير والإجراءات والإفصاح عن الموازنات والخطط المعدة لتنفيذ عملية إعادة الإعمار، ولا تكتمل مناعة تلك المنظومة إلا بجاهزية المؤسسات المرتبطة بإعادة الإعمار للخضوع للمساءلة الرسمية والشعبية والانفتاح للرقابة على الأداء وفق منظومة شاملة تضمن أن سلوك العاملين فيها قائم على وعي وإدراك بأهمية المحافظة على الموازنة العامة لإعادة الإعمار والتعامل مع هذه الموارد باعتبارها ملكية عامة لجميع المواطنين المتضررين.

الإجراءات والمعايير

 

إن الأطراف القائمة على عمليات إعادة الإعمار اكتفت بنقل الإجراءات المطلوب من المواطن المتضرر اتباعها بموجب خطة سيري في الحصول على مستحقاته العينية والمالية من خلال إعلان الصحافة أي الإعلانات المتضاربة وغير الرسمية ولم تقم بتطوير أدلة إجراءات مرجعية ومكتوبة حول إجراءات تقديم الخدمات للمتضررين، وذلك ما يشير إلى ضعف البُنية القانونية و الرقابية في تقديم الخدمة للمواطنين.

كما ولم تتقيد الأطراف القائمة على عمليات إعادة الإعمار بنظام واضح ومحدد في عمليات الشراء والتعاقد كنتيجة لعدم قيام الجهات المشرفة على عمليات إعادة الإعمار بتطوير دليل إجراءات الشراء والتوريد، وإن غياب دليل إجراءات الشراء والتوريد أدى إلى عدم وجود دائرة مختصة تشرف على العطاءات والتوريدات والمشتريات ولم يكن واضحاً من الذي سيتحمل المسئولية القانونية عن عمليات الشراء والتوريد، كما أن غياب دليل واضح للمشتريات والعطاءات فتح باب الاجتهاد للأطراف القائمة على عمليات إعادة الإعمار عبر إتباع سياساتها الداخلية في احتكار عمليات الشراء والتوريد لشركة بعينها، وهو ما أوقع المقاولين والموردين في حيرة من أمرهم وأَضر بشكل بكبير بيئة النزاهة في عمل هيئات إعادة الإعمار المتعددة.

تضارب المصالح وتعدد الأطراف

 

إن أحد أهم الأسباب وراء بطئ وتعقيد إنجاز عملية إعادة الإعمار هي تعدد الأطراف القائمة عليها وتنوعها ما بين مؤسسات دولية وفلسطينية مع خضوع معظمها لرقابة أممية خارجية وليس رقابة شعبية واجتماعية أو فلسطينية رسمية في ظل الانقسام القائم والذي يغيب دور المجلس التشريعي في الرقابة على أهم قضايا الشارع الفلسطيني فرُغم استحداث لجنة إعادة الإعمار من قبل الرئيس قبل مؤتمر القاهرة والتي أوكلت لها مهمة تقديم مقترح خطة إعادة الإعمار للدول المناحة والتي لم يُشرك بها المجتمع المدني ولا حتى المؤسسات الرسمية في القطاع، إلا أنه لم يكن هناك وضوح في المهام والمسئوليات والأدوار المنوطة بكل طرف من الأطراف القائمة على عمليات إعادة الإعمار وهو ما أضعف من خضوع الأطراف القائمة على عمليات إعادة الإعمار للمساءلة والرقابة حيث اقتصر دور الوزارة الحكومية على الإشراف بينما كان الدور الرئيسي للجهات الدولية في التنفيذ المرتبط بالآلية الدولية والتي لم تخضع للمساءلة من قبل منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والمجلس التشريعي باعتباره رأس المساءلة الشرعية .

غياب الرقابة الشرعية

 

إن معضلة عدم خضوع الأطراف القائمة على عمليات إعادة الإعمار للرقابة من قبل المجلس التشريعي تزيد من تحديات العملية وتتيح المجال لمماطلة الأطراف الخارجية لاسيما الاحتلال الإسرائيلي في احراز تقدم لصالح إعمار غزة بصفته المتحكم في المعابر والحدود وهو الجهة المستفيدة من آلية سيري، وعلاوة على ذلك لم تسعى الجهات القائمة على إعادة الإعمار سواء الأونروا، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وزارة الأشغال العامة والإسكان وغيرها لعقد لقاءات دورية مع المواطنين والمستفيدين لعرض الموازنات والخطط المتعلقة بإعادة الإعمار أو حتى الإجراءات والمعايير المُلزمين بها كما ولم يسجل حتى الآن تقديم أي تقارير تقدمية رغم إنجاز مرحلة تعويض المتضررين جزئياً من اللاجئين وذلك ما يضعف بشكل كبير فرص الرقابة الشعبية على إعادة الإعمار ويضعف ثقة المتضررين كلياً بمصداقية تلك الأطراف في انجاز إعادة إعمار ما تم تدميره.

 

وفي هذا الصدد أيضاً لم يجد المواطن أمامه جهة رسمية تقدم سياسة واضحة لاستقبال الشكاوى من المواطنين.

تصحيح المسار

 

وبعد مرور نصف عام على تقديم تعهدات المانحين المرتبطة بخطة إعادة الإعمار لم يرتقي فيه الإنجاز المحرز للمستوى المطلوب فلا بد من ضرورة مراجعة الإطار القانوني الناظم لعمليات إعادة الإعمار بحيث يوضح حدود الصلاحيات ونطاق الإشراف والمسؤوليات لكل طرف ويحدد الجهات الرقابية التي لا بُد أن تخضع لرقابة المجلس التشريعي فقضية إعادة الإعمار كونها الأهم تتطلب تفعيل دور المجلس التشريعي مع توليه لمراجعة وتطوير البيئة القانونية الناظمة لعمليات إعادة الإعمار لتتضمن مواد وبنود تتعلق بإلزام الموظفين والقائمين على عمليات إعادة الإعمار بتقديم إقرار الذمة المالية والإفصاح عن المصالح التي من الممكن أن تنشأ بينهم وبين مواقعهم الوظيفية وتضمينها بنود عقابية رادعه تعزز من قيم النزاهة في عمليات إعادة الإعمار، ومراجعة وتطوير القوانين والتشريعات الناظمة لعمليات إعادة الإعمار لتضمينها بنود ومواد تؤكد على حق المواطنين في الوصول للمعلومات عبر أدوات الاتصال الجماهيري المتوفرة كإجراء إلزامي مع تضمين هذه القوانين والتشريعات نظام شكاوى موحد يُعزز من ثقافة المساءلة في عمليات إعادة الإعمار.

 

بالإضافة لضرورة وجود تحرك من قبل الأطراف القائمة على عمليات إعادة الإعمار باتجاه إعداد وتطوير أدلة إجراءات مرجعية ومكتوبة في تقديم الخدمات للمستفيدين، ونشرها بالوسائل المتاحة، بحيث يصبح لدى المواطنين دراية كاملة بإجراءات الحصول على الخدمات.