خبر في ثنائية.. النور والعتمة..علي عقلة عرسان

الساعة 11:25 ص|05 مايو 2015

 

 

الليل اثنان، والنهار اثنان، ليل الكون الأرضي ونهاره، المتجليان في الطبيعة؛ وليل الكائن الإنسان ونهاره، المتداولان المتنازعان المتفاعلان في كيانه وفق قوانين تكوينه.. اثنان اثنان في ثنائيات المكان والزمان، الروح والمادة، الخير والشر، الوجود والعدم، العلم والجهل، آدم والشيطان.. إلخ. الطبيعيان المرئيات منهما، أي الليل والنهار، تتوقف عليهما حياة الكائنات، أمَّا الآخران المحسوسان، نور الذات وعتمتها، فتتوقف عليهما سلامة الإنسان وفرح الحياة. فهل من صلات أعمق وأبعد، ومن تفاعلات أقوى وأشد، بين ليل الطبيعة ونهارها، النور والعتمة، من جهة.. وبين ليل النفس ونهارها، النور والظلمة في مدارها، من جهة أخرى؟! وهل هذا المعطى في تجلياته وانعكاساته نحو الداخل والخارج، الذات والآخر.. محكوم بذاته ولذاته، أم أنه محكوم بقواعد أعم وأشمل، وبقدرة أعظم وأكمل، فوق القدرة البشرية وقواعدها.؟! حالة تنتج حالة تواكب الإنسان في الحل والترحال، عبر مراحل حياته، ومحاولات معرفته لذاته، من خلال كل ما يتصل بذاته ويعتمل فيها.

هل الليل قافلة الظلام، وهل النهار قافلة النور؟ لا هذا ولا ذاك، فالشمس في حركتها الدائبة لا تغيب عن عالمنا.. إنما هي أرضنا التي تغيب أجزاءٌ منها إثر أجزاء، وتظهر أجزاءٌ منها إثر أجزاء، في حركتها الدائبة، وهي تلهث في ركب الشمس، مصدر النور، وضمن مدارها، فتخلّف في أثناء ركضها، ظلاماً هو الليل في قافلة تسير، وتبقى مشمولة بأشعة تدركها من الشمس، هي النهار في قافلة تسير.. وكل ذلك عطاء المتبوع للتابع. فالشمس، مصدر النور، لا تغيب أبداً عن كوكبنا، وأرضنا في لهاثها في موكب الشمس، تصنع نوراً وظلمة. النورإذن لا يغيب، إنما نحن الذين نغيب عنه حتى في الأرض، أو يُغيِّبنا عنه ركضنا مع الأرض وفيها، تعلقاً بشعاع من نور يعلَق بنا ونعلق به، لأن فيه الحياة، ومن دونه الديجور الذي فيه ما فيه من رعب وهول وموت. ولذا نبقى لهاثاً خلف النور مدى الحياة. فسبحان الله العظيم الذي ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ الآية﴿١٣﴾ من سورة فاطر. وسبحانه تعالى الذي يترك في أرض البشر عقولاً تغرق في العتمة فتَشقى وتُشقي، وتُغرِق غيرها في المحنة.. ويغمر أخرى بالنور فتشع معرفة وحكمة ورحمة.. ويكون في هذه وتلك عدل وظلم، هما بحكم النور والعتمة في النفس، يحييان ويميتان، يسعدان ويشقيان، ويُغنيان ويفقران.

وإذا كنّا في مدار الأرض بين نور وظلمة، فهل نحن في مدار العقل والنفس كذلك يا تُرى، أم أن للنور والظلمة مصادر أخرى في كيان الإنسان، تشارك العقل والنفس الإظلامَ والإنارة، التبصّر والتصرّف، التنوير والتدبير.. وغير ذلك من ثنائيات كثيرة.؟! سؤال يترك الحيرة مطلقة العنان، مفرودة الجناح، تحرّك في كيان المرء تيارات الرياح في الجهات الأربع الأصلية، وفي ما بينها من جهات فرعية، وتتناثر آراء ورؤى، مناهج واجتهادات، خيارات وطرقات.؟! قضية ملقَّحة في فضاء البحث تنتظر العقول. لكن أياً كان الأمر، فإنه: يبقى النور وتبقى العتمة، يبقى الظلم وتبقى الرحمة، يبقى العدل ويبقى الجور.. ويبقى الكائن الإنسان عاصفة لا تهدأ، في ترجّحه الدائب بينها من جهة، وبين الشك واليقين من جهة أخرى.. يضيئ بعضُه ويُظلِم بعضُه، يشرق آناً ويعتم آناً، يصنع الرحمة ويصنع القسوة، يتناسل ويبيد النسل.. ويبقى نَوَسَاناً ولُهاثاً مدى المدى، مدى الأرض، ومدى الشمس والكواكب الأخر، في مجرّتنا وفي المجرّات الأخر.. يبقى هو المشكل، المعجز، المثقل بأعماله، وأسئلته، ووساوسه، وشكوكه، وتطلعاته.. يهجُس بذاته لذاته، ويتشظى بين تهيؤاته ويقينياته، مادياته وروحانياته، شهواته وطموحاته.. ويبقى يبحث عن أسرار في ثنائيات: النور والعتمة، العلم والجهل، المادة والروح، الخير والشر.. إلخ، وعن سر توق الروح ونبض الشهوة، دفق الرحمة ودفق القسوة.. ويبقى الإنسان المعجِز والمعجزة، أحجية منطلقة في المدى، وسؤالاً، ولغزاً، واستبسالاً.. يسعى لفك رموز الفضاء، السماء، الحياة، النور، العتمة.. ويبقى نفْساً تحارُ، وتفتح كل محار الحياة لتكشف الأسرار، لتتحرر وتحرر وتختار.. تأمر وتسأل: هل العقل هو مركز الثقل الذي ينوس الإنسان بين طرفي محور حيوي يرتكز عليه؟! أم أن للعقل شركاء في عملية المد والجزر الحيوية، تلك التي يعيشها الإنسان، وينميها، ويوسع مداراتها، لتشمل الذات والآخر، الحيوات والمآلات، وربما لتشمل الكون بصورة ما، ولتحفز أكثر وتعجز أكثر.؟!

نعرف أن الحواس الخمس هي نوافذ الجسد على العالم، وأنها مَجَاسّه المستوفِزَة، المستنفرة في كل اتجاه، وأن هناك من يضيف إلى الحواس حاسة سادسة، ذات آفاق ومدارات واستشعارات ما ورائية، وقدرات استثنائية، عجائبية غرائبية، تدخل في مدار السيّالات الروحية، وتخترق العتمة بنور ما، وتستوحي النور بصورة ما!!.. ونعرف أن العين، من بين الحواس الخمس، لا تنقل صورة إلى مراكز الرؤية، إلا إذا وقع النور على المرئيات، حيث تنعكس منها أشعة على العين فتركّزها العين، حاسة البصر، وترسلها إلى مراكز الإدراك في الدماغ، ليفسر ويقرر. ولكن البصر خدّاع، يَخْدَع و يُخْدَع؛ فالعين قد تزوغ، وتتأثر بزوغانها الرؤية، وقد تمرض، وتضعف، وتعمى، أو تُصاب بما لا يمكِّنها من أن تكون مرآة نظيفة نقية، وحاسّة سليمة قوية.. وقد تكون في قمة دقتها وتركيزها، ومع ذلك كله يتأثر الإبصار، ومن ثم يتأثر الإدراك الحق لما ينقله البصر إلى مراكز الإدراك، ويحدث تشتت ما، ولذلك أسباب وأسباب.. فهل نحن أمام تدخل الشركاء من غير الحواس.. فلا تعود العين، على سلامتها، ورغم سطوع النور عليها، قادرةً على جعل الإبصار الصحيح السليم ممكناً ومحكوماً بها فقط، لأن شركاء آخرين يشاغَلون عمليتي الإبصار والإدراك ويعطلونهما.؟! وقد تتعطل وظيفة العين، ومع ذلك يبقى إبصار وإدراك من نوع ما، يهدي الإنسان ويسدد خطاه في متاهات الحياة.. وفي هذه الحالة نحن أمام نور داخلي يخترق العتمة، ويبصر ويهدي، وأمام الحقيقة الإلهية التي جاءت بالنص القرآني: ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور﴾ الآية ﴿46﴾ من سورة الحج؟!.. وهذا النص الإلهي الذي يشير إلى معانٍ، ويفتح العقل على مدارات، ويرسل في كيان المرء كله إشارات استفهام، وأخرى تنطوي على معنى الاستنكار والدهشة.. هو مما لا يجوز التغاضي عنه، ولا يمكن إخراجه من دائرة الحسابات الموضوعية للشخصية البشرية المتوازنة، لا سيما حين تقارب النور والظلمة، في مناحٍ ومدارات أبعد من آلية الرؤية والإبصار، ومما في البصيرة من أسرار.، وأبعد من النفس البشرية وتحولاتها وتفسيراتها وآلياتها ومآلاتها، ومن أوامرها وهي الأمارة بالسوء.

يذهلنا الليل ويذهلنا النهار، عندما نبحر في خضم كل منهما، وندخل عالم الإبهار عندما نحاول أن نتقرى العالم، لنقرأه بأدوات الحواس، لا سيما آلية الرؤية المباشرة. وتذهلنا أكثر فأكثر مقارباتُنا للبصيرة في تجليات واستشعارات لها، حيث يعجز العقل عن إدراك مكنونها ومكوناتها وآلياتها وأبعادها ومصادرها وكشوفها. ونحن في ذهولنا الأول نمخر عباب فضاء الطبيعة، ونغزو بعض معالم الكون؛ وفي ذهولنا الثاني نبحر في خضم النفس البشرية بكل مقوماتها وقيمها وأدواتها وآلياتها.. ولكن يبقى هناك ما هو أعلى من الليل والنهار، ومن مدار الكون والطبيعة، وما هو أكبر وأعظم من مدارات النفس البشرية ومكوناتها وأدواتها وتردياتها وإشراقاتها.. يبقى الخالق، المدبّر، المصور، نور السماوات والأرض، العظيم الذي يقف وراء ذلك كله.. ويحاول الإنسان جاهداً أن يفهم بعض أسرار عظمته، وحين يعجز يأخذ أحد منحيين: فإمّا أن يسلّم تسليماً تاماً، ويترك أمره لتلك القدرة التي لا تحدّها حدود ولا تقيّدها قيود؛ وإمّا أن يخرج عليها متمرداً منكراً مستكبراً، فيكفر ويتماهى مع غِي غَبي، ويعتلي أجنحة الغرور، ويسير في اتجاهات تبقي كل المدارات أمامه مغلقة، وتبقيه يخال أنه يراها مشرَعة، وما هو إلا في ضلال مبين.؟! وكل هذا نشهده في الناس، ونسمع حجج المحتجين من الآخذين به والخارجين عليه.

فأي الأمرين أحق بأن يتبع، أو يُحاكم ليحكم: بنور العقل والقلب والبصيرة، وبما ترسله الحواس من معطيات مادية ومعنوية، لتعالجه مراكز الإدراك بسلامة تكوين وتفسير وتدبير؟! أهو التسليم التام الشامل، أي الاستسلام للإرادة العليا المهيمنة، والكف عن الشك العدمي، وعن العقم المرْدي لأصحابه.. ومن ثم اختيار البحث المجدي، انطلاقاً من الشك المنهجي البناء، والتأمل والتفكير والتدبر، ليزداد الإنسان علماً فيزداد إيماناً، وليتجنب القلق والرَّهق، والسير في المسالك المهلكة، ويتجنب تهلكة العقل والنفس التي هي كتهلكة الجسد، كل منهما تفضي إلى نهاية مفجعة؟!.. أم هو الخروج على كل تلك المنظومة العقلانية البرهانية الروحيانية، والتنكر لها ولكل ما لديها من حجج وبراهين، ولكل ما وراءها من قدرات، والكفر بكل الما ورائيات، والنظر إلى الكون بوصفه مادة تحرك مادة وتنتجها، وإلى الطبيعة على أنها خالق بالتطور، وإلى الخلق الكائن على أنه صنع الطبيعة ومنها وإليها، يتطور بتطورها، ويؤول إلى رماد وعدم يثوي فيها، ولا شيء غير ذلك.. لا قبل ولا بعد، لا حساب ولا عذاب، لا بعث ولا نشور.. ولا.. ولا..إلخ، ومن ثم المضي في التجذيف في بحار التجديف ومجاهله، وهي ظلمات تضاعف الظلمات، يبحر فيها من أجل الوصول إلى.. إلى ماذا؟! ربما إلى مزيد من الضياع والحيرة والشك غير البناء، والقلق المضني الفتاك المهلك.؟!     

لا يمكن القطع بأن البشر سوف يسلكون مسلكاً واحداً من المسلكين، فيكونون جميعاً: إمّا مسلِّمين متوكلين، وإمّا كفاراً ملحدين.. ذلك لأنهم يسلكون السبيلين ما يتفرع عنهما من فروع.. فمنهم المسلِّم بقدرة الله، المؤمن به، المتوكل عليه.. ومنهم الخارج على أمره، الكافر به بدرجة ما.. ومنهم من هو بين بين، وعلى درجة من درجات المرقيين الرئيسين السالف ذكرهما. وتلك في النهاية مشيئة الله سبحانه، لدى من يؤمنون، فالله هو القائل: ﴿ وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالونَ مُختَلِفينَ﴿١١٨﴾ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم وَتَمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجمَعينَ ﴿١١٩﴾ سورة هود. ولو كان الأمر غير ذلك، لبطُلت الإرادة، وبطل مفعول العقل والاختيار، ولبطلت من ثم المسؤولية التي ترتبها الحرية، ولبطُل حكم إلاهي أراده تعالى، وثبته في قوله سبحانه عن الإنسان: ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴿٨﴾ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴿٩﴾ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴿١٠﴾ سورة البلد. والهدى هنا بمعنى التبيين، والتمييز بين الخير والشر، ومن ثم ترك باب الاختيار مفتوحاً، مع تنبيه وتحذير: فاتباع طريق التسليم والإيمان، وما يجسدهما ويعززهما له نتائجه، واتباع طريق الكفر والألحاد، وما يجسدهما ويعززهما له عواقبه.. وقال تعالى في سورة البقرة، مما يعد توضيحاً لحرية الاختيار، وإعمال الإرادة، مع تحمّل المسؤولية.. مبيناً ما يترتب على اختيار ليس هو الاختيار الصحيح، من نتائج.. قال، جل من قائل: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴿٢٥٦﴾ وقال في سورة الكهف: ﴿ وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ نارًا أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها وَإِن يَستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كَالمُهلِ يَشوِي الوُجوهَ بِئسَ الشَّرابُ وَساءَت مُرتَفَقًا ﴿٢٩﴾ وجاء الكثير في محكَم التنزيل، بشأن الحكم على من ينكر القدرة الإلهية ويتنكر للإيمان. وقد بينت الآيات السابق ذكرها شيئاً من ذلك، وهناك كثير غيرها في مجراها، مما يضيق المجال عن الإشارة إليه. ولم يقل الله سبحانه مطلقاً بتعطيل العقل بل حث على العلم والتعلم، وعلى التأمل والتدبّر، والتفكير والبحث.. وفي ذلك كله اسناد للتوكل والتسليم، والإيمان على بينة من الأمر، وفيه تعميق للإيمان وزيادة له بالبراهين، وفيه بيان صريح بأن العلم يعزز الإيمان، والتوكل يزيده.. فقد جاء في سورة فاطر:﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴿٢٨﴾، لأنه سبحانه وتعالى قرر وقدَّر أن في ما قدمته آيات كثيرة، من براهين وحجج دامغة: إقناعاً، وهدىً، وتعزيزاً لإيمان المؤمنين، وتنبيهاً، وإرشاداً، ونُذراً، لمن كفر ومكر ولم يهتد، ولمن لم يرشَد على الرغم من الرسالة والتبيين.

وبعد فالنور والظلمة، فينا وفي ما حولنا.. في كيان الفرد الإنسان منا، وفي الطبيعة وفق المكان والزمان، وعبر آماد الحركة، والحياة حركة.. هما إحدى الثنائيات العديدة، التي على الإنسان أن يتعامل معها، وأن يقاربها، ويحاول فهم قوانينها، ويُحْسِن التلاؤم مع تلك القوانين، التي لا يكون الخروج عليها إلا بسلطان، بمعنى الحجة والبرهان وفق منهج سليم مقنع.  

فهل إلى رؤية في أحد النورين، نور السماوات ونور الذات، أو في كلاهما من سبيل؛ بعد أن تهنا، وشقينا، وغرقنا في الاثم والدم، ومتنا موتاً.. ونسينا حكم الله فيما نسينا، وزاغت أبصارنا وبصائرنا عن نور نرى في ساطعه مآل الأمور.. بعد كثافة الشرور، وشقاء السائرين في دروب ليست هي الدروب التي تفضي إلى خير الدنيا وخير الآخرة، إلى أمن وشبع، وفلاح وصلاح، وبناء وحقن للدماء. ؟! وهل نصبوا إلى النور بعد أن أصبحنا العتمة، ونفيئ إلى الرشد بعد أن أصبحنا الغي، ونعود إلى الله بعد أن نسيناه، وإلى العقل بعد أن دمرناه> ونهجر القسوة، والقتل، والظلم، والإفك، والبلوى.. وصناعة الوحشية والموت التي أنستنا الله وفرح الحياة.؟! هل من سبيل إلى اختيار إرادي، حر، صحيح، حكيم، منقذ، نختاره بنور الله والعقل والعدل، في وقت نحترق فيه بنار الفتنة، ونحرق حرثنا ونسلنا، ونضعف أنفسنا ودين الله، في أرضنا وكياننا الفردي والجمعي والوطني والقومي والإنساني؟!.. وهل إلى وعي ديني، أو وطني، أو قومي، أو إنساني.. من سبيل، بعد كل الذي كان وصار، ويستمر في الكينونة والصيرورة.. مع ما فيه من خروج على نور السماوات والأرض، ونور أنفس تبحث في النور والحياة في العدل والحق والحرية، بصفاء نفس، وهدوء عقل، وحرارة قلب، يحرره الإيمان بالله والإنسان من كل القيود والأدران، ومن عبادة الأفراد والأموال والأوثان.

اللهم اهدنا فيمن هديت، فقد شقينا. والحمد لله على كل حال.

 

دمشق في الثلاثاء، ٥ أيار، ٢٠١٥

 

علي عقلة عرسان