خبر الاجندة لا تلغي الادعاءات - هآرتس

الساعة 06:59 م|04 مايو 2015

فلسطين اليوم

الاجندة لا تلغي الادعاءات - هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: الجيش الاسرائيلي لم يتبنَ أبدا مدونة أخلاقية تعتقد « بالحد الادنى من المخاطر لقواتنا » كنقطة انطلاق في كل اشتباك مع السكان المدنيين في القتل يخيل أنه في اماكن عديدة اتخذ هذا النهج كعقيدة شفوية يستمد منها السلوك - المصدر).

مثلما في كل حملة عسكرية واسعة في العقد الاخير، ففي أعقاب الحرب التي وقعت في الصيف الماضي في قطاع غزة ينشر الان ايضا تقرير شامل لمنظمة « نحطم الصمت ». وعلى نهجها تروي المنظمة للجمهور الاسرائيلي أمورا كان معظمنا يفضل على ما يبدو الا يسمعها. شهادات مفصلة لمقاتلين وضباط تتضمن ادعاءات بشأن حواث شاركوا فيها أو شاهدوها، وفي اثنائها انتهك الجيش الاسرائيلي ظاهرا قواعد القانون الدولي وقيمه القتالية الخاصة المعلنة.        

يصف واضعو التقرير « حملة الجرف الصامد » كـ « الرصاص المصبوب » المكثف. فالجيش الاسرائيلي حسب انطباعهم، استخدم في اثناء الحرب نارا أثر وألحق قدرا أكبر من الاصابات والضرر مما خلف وراءه في اعقاب الحملة البرية السابقة في القطاع، قبل خمس سنوات ونصف من ذلك. وعلى قسم من هذه المعطيات لا يجادل الجيش نفسه. فمعدل القتلى الفلسطينيين العام الماضي كان اعلى بنحو 70 في المئة من عددهم في « الرصاص المصبوب ». وحسب كل التقديرات فان نحو النصف على الاقل (بزعم الفلسطينيين نحو الثلثين) من القتلى كانوا مدنيين لم يشاركوا في القتال.

ومع ذلك، فقد وقع منذئذ تطور آخر لا ينبغي تجاهله: بين المعركتين، حماس هي الاخرى حسنت بقدر واضح قدرتها على الحاق الضرر. وقد وجد هذا تعبيره باطلاق الصواريخ المكثف نحو الجبهة الداخلية – حتى غوش دان وشمالها (في الرصاص المصبوب اطلقت الصواريخ حتى بئر السبع). وفي شبكة الانفاق المتفرعة التي حفرتها المنظمة منذئذ – بعضها داخل الاراضي الاسرائيلية، وبالاساس في شبكة الدفاع لديها – استخدمت العبوات الناسفة، قذائف الهاون، نار القنص والصواريخ المضادة للدروع نحو القوات وقتلت في اثناء القتال على الانفاق 67 جنديا من الجيش الاسرائيلي.

عندما يرتفع مستوى الخطر على القوات (في الحملة السابقة قتل عشرة جنود، معظمهم بنار خاطئة من الجيش الاسرائيلي) يقتل بما يتناسب مع ذلك هامش الخطر الذي يبدي القادة استعدادهم لاخذه على عاتقهم. واضح ايضا انه كلما ارتفع عدد المصابين الاسرائيليين على مدى الحملة، وفي الخلفية حام كل الوقت خطر اختطاف جندي، تجسد باختطاف جثتي الجنديين هدار غولدن واورن شاؤول – استخدمت نار اكثر بهدف احباط مزيد من النجاحات لحماس.

في هذا الشأن تظهر مرة اخرى ظاهرة برزت منذ الرصاص المصبوب. مع أن الجيش الاسرائيلي لم يتبنَ أبدا مدونة أخلاقية تعتقد « بالحد الادنى من المخاطر لقواتنا » كنقطة انطلاق في كل اشتباك مع السكان المدنيين في القتل يخيل أنه في اماكن عديدة اتخذ هذا النهج كعقيدة شفوية يستمد منها السلوك.

من المهم التمييز بين القتال على نمط غزة وما يجري يوميا، عند صيانة الاحتلال في الضفة الغربية. فعندما تبلغ منظمة « نحطم الصمت » او « بتسيلم » عن قتل لفلسطيني غير مسلح في الضفة، يكون هناك مسبقا فارق هائل في الشدة وفي مستوى الخطر بين القوة العسكرية والمدنيين، وبالتالي يكون مطلوبا من الجنود مستوى أعلى من الحذر. في القتال في منطقة ميدانية مكتظة، مثلما في غزة، تكون الظروف مختلفة جوهريا. فاحساس الخطر لدى القادة هو احساس حقيقي. وهذا لا يعفي الجيش من كل قيد على استخدام القوة، ولكن بالتأكيد يملي تفكيرا آخر، في ضوء الخطر.

في نهاية الاسبوع أجرى قائد لواء المظليين النظامي، العقيد اليعيزر طوليدانو مقابلة مع موقع « واللا » وشرح الامور ببساطة قائلا: « نحن لا ندخل الى بيت لاحظت فيه مخربا. اذا لاحظت مخربا في البيت، فان هذا البيت يدمر... لا ندمر مدينة على سكانها باسم الحرب، ولكن ايضا لا نقاتل ضد العدو المحتمل باسم القيم الانسانية. هذا ليس صفرا أو واحدا ». كل مكان قاتل فيه لواء في الجرف الصامد، كما اعترف، « ليس مناسبا للسكن الان ».

« لن تسمعي مني ان الجيش الاسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم »، قال بصدق النائب العسكري الرئيس اللواء داني عفروني، في مقابلة مع « هآرتس » قبل نحو شهر. وتعبر تصريحات النائب العسكري العام التي استقبلت باستياء لدى قسم من زملائه في هيئة الاركان، عن نهج سليم من التوازن في الموقف من الحرب الاخيرة. وهي تنزع عن النقاش قسما من المزايدة وادعاء الحق اللذين ميزان ردود فعل الجيش الاسرائيلي على الادعاءات بشأن سلوكه في الماضي ولا سيما في الرصاص المصبوب. فالواقع أكثر تعقيدا من أي العاب اولمبية دولية بالاخلاق تجري في خيال اولئك القادة او كُتّاب الرأي.

عمليا، توجد أماكن يتخذ فيها الجيش الاسرائيلي جهودا جديرة بالتقدير لتقليص الاصابة للمدنيين، مقارنة بجيوش غربية اخرى (نظام « اطرق السطح » قبل هدم المنازل هو مثال على ذلك).

وتوجد احداث اخرى، مثل تلك التي توصف في التقرير الجديد. يبرز في الشهادات الكثيرة قدر من الرقابة المحدودة على الوحدات الهامشية للقوات البرية. عندما تقتل طائرة من سلاح الجو بالخطأ اطفالا على شاطيء غزة، يعرف الجميع هذا ويكون الخلل قابلا للاستيضاح دون صعوبة خاصة. أما عندما يسمح قائد دبابة للمدفعيين لديه ان يتدربوا على النار من بعيد على سيارات لم يصفها احد كخطيرة، او عندما تستخدم قوة من المشاة النار نحو شخوص ظهرت في النواظير (تتبين لاحقا انهما امرأتان بلا أي وسائل للرقابة)، مشكوك أن يكون أحد ما فوق في سلسلة القيادة العسكرية يتحكم بكل التفاصيل.

في بعض من الشهادات تظهر اعمال قصف أو الحاق تدمير عام بواسطة الجرافات كانتقام على مصابي الجيش الاسرائيلي او كوسيلة للتنفيس عن السأم. هذه ايضا ظواهر معروفة من حروب سابقة وبالتأكيد لا ينبغي أن تفاجيء أحدا.

« نحطم الصمت » ليست منظمة عديمة الاجندة السياسية. مؤسسوها اقاموها في 2004، تحت تأثير تجاربهم كمقاتلين في قوات الناحل في ذروة الانتفاضة الثانية. واضح انهم يعملون انطلاقا من فكر يساري، ولكن لا ينبغي لهذا أن يمنع البحث في الادعاءات نفسها.

بعد لحظة من نشر التقرير سيأتي بالتأكيد، كما هو دارج رد فعل شرطي يتهم الجنود الشهود بالاساءة لسمعة الجيش الاسرائيلي والدولة عبثا وسيحاول تصنيفهم كخونة للوطن. استنادا الى احاديث مع بعض الشهود، يخيل أن هذه الاتهامات زائدة لا داعي لها.

لقد جبيت هنا شهادات من عشرات المقاتلين – وان كان هذا معدلا صغيرا من المشاركين في الحرب نفسها – يبلغون عن امور اختبروها وشاهدوها وازعجتهم. يفضل الا ينجر الجيش الاسرائيلي الى قلب الخلاف السياسي، مثلما فعل بعد الرصاص المصبوب وان يفحص هذه الادعاءات موضوعيا. اذا كان هكذا تصرف النائب العسكري الرئيس مع عشرات الحوادث الاخرى التي وقعت في الحرب الاخيرة، فلا يوجد سبب يمنعه من أن يفحص الشكاوى في الحالات الجديدة ايضا.