خبر وكان يا ما كان.. في مقبرة « شي آن » ..علي عقلة عرسان

الساعة 10:54 ص|28 ابريل 2015

فلسطين اليوم

قديمةٌ، عريقةٌ، « شي آن »

حكايةُ المكان للزمان..

حكايةُ التاريخ للإنسان،

حكايةُ الملوك والجنود والعبيد والزّنُود،

تجسّدت في مشهد مؤثرٍ، فتَّان،

حكاية التراث والتراب والدماء في ألوان،

يصنعها الفنّان،

حضارةً، وحكمة، ومحنة، وزهوَ فنٍ خالدٍ في آن،

بقدرة فائقة يملكها الإنسان.

قديمةٌ، عريقةٌ.. « شي آن »،

مدينةٌ عجيبةٌ،

في حضنها مقبرة من طين..

تاريخها أنين،

دروبُها من طين، 

فرسانُها من طين،

خيولُهم لباسُهم سيوفُهم رماحُهم حرابهم، من طين،

حتى الملك..

وذكرُه وظلّه المديد..

في صهوة عالية، من طين.

ـ 2 ـ

في المقبرة..

تقدمت جيوشُه,

صفوفُها تزحمُها صفوف،

فرسانُها، مشاتُها، يمضون للحتوف كالحتوف،

وجوهُهم للشرق حيث الشمس والحياة..

عبادة الإلاه.

يمشون في ركاب من يغادر الحياة، 

يواجه المجهول..

في موكبٍ مهول..

في موكبِ الملك.

الخيلُ والجنود والسيوف والحراب،

تحت سقوفٍ من حَصيرٍ فوقه تراب..

أسلحةُ الجنود، والبنود،

مشرعةٌ على المدى،

مرهفةُ الحدود..

تصارع الحتوفَ والعِدى،

مع الملك..

خلف الملك..

في الموت والحياة.

هل يرهبون الموتَ في إقدامهم،

أم أنهم في الموت يصنعون ما يرسِّخ الحياة.؟

ذاك سؤال مطلق العنان،

في مهمه الزمان،

في تربة المكان،

يسأله الإنسان، في كان يا ما كان.!!

يا موكب التراب..

غاب الحضور في فَضَاهُ، أوغلَ الغياب في الغياب..

غابت تفاصيلُ الوجوه والمكان والزمان..

غاب الوجود والعدم،

وعندَم البغاءُ والندَم..

في آن.

وأينعَ الغياب،

وعنكبَ اليباب..

وحاضرٌ في ظله ذاك الملك،

في عرشه المكين..

وجيشه العرمرم الهجين،

وشعبه السجين،

يلهج والسكين،

في قلبه الطعين:

وصوته الأنين:

عاش الملك..

مات الملك.

حتى الملك من طين..

في قبره العجيب في « شي آن ».

ـ 3 ـ

مقبرة مذهلةٌ، تضمها « شي آن »،

أحجيةٌ كبيرةٌ، من أول الزمان..

وربما لآخر الزمان.

في المقبرة..

محفَّة جليلةٌ مُذهَّبةْ..

خيولُها أربعةٌ: أنيقةٌ، رشيقةٌ، مطهَّمةْ..

حوذيّها مظهرُه حزين،

وسوطُهُ، وهمُّهُ، ودمعُهُ، وصوتُهُ.. من طين..

وكلّ ما فيها خِبا عجين،

وجوفُها يكاد يُنْطِق الترابَ، ينطق السنين..

بذكرياتٍ وعِبَر،

وبعد صِيتٍ ونظَر،

وقدرة على الظَّفَر،

تقولها في آن..

مقبرةٌ تضمّها « شي آن »:

مات الملك..

عاش الملك..

مات الملك..

عاش الملك.

يا لعبة تغتالُنا كأنها الغِناء في دوامة الفَناء،

يا لعبة الأحياء في دوَّامة البقاء:

عاش الملك.

مات الملك.

عاش الملك.!!

يا لعبة الشقاء.

ـ 4 ـ

يا ملك الزمان..

يا شين..

يا أول الملوك في سلالة البُناة..

في الصين..

من يدفن الجنودَ لا يعيش يا ملك،

مَن جيشُه يموت إذ يموت..

وعرشُه تابوت،

وداره محفَّةٌ مذهَّبَة،

تجرّها الخيول في الجَبّان،

يحرسُها الفرسان في الجَبَّان..

تزفّه للقبر ثلَّتان.. ثلَّتان.. ثلَّتان..

من عسكر الميدان..

من يَدفُن الحياة لا يعيش يا ملك.

مهابة جليلة، يا سيد الفرسان..

يا ملك الزمان..

مهابة جليلة، لكنها من طين..

يا أيها المبجَّل الفطين..

« وأصلها من نطفة، سابحة في مائها المهين.. »،

وجسمكم، يا سيد المكان، تأكلُه الديدان.

فهل تراها حكمةُ الزمان،

وكلمة، وآية، في غاية البيان..

 بلاغةُ الموت التي قد أعيَت الإنسان..؟!

نهايةٌ معتبَرَة،

في مقبرة،

لقوةٍ قهّارة مُدَبِّرة..

لملك الزمان..

تضمّها مقبرةٌ، تضمّها « شي آن »؟.

ـ  ـ

عمراً قضاه شينُ في إعداد مقبرة.

منذ استوى في عرشه، وسنّه صغير..

نصَحَه الوزير،

بأن يُعدّ مقبرة،

من تربة.. قرميد،

أقوى من الحديد،

يحشد فيها قسورة.

قال الوزير: يا ملك..

« يفنى الورى..

تفنى العظامُ في الثرى،

ويصمد القرميد. ».

نصيحةٌ « عظيمةٌ » مبكِّرَة..

قد أُسديت لشين..

أسكنها مساكن اليقين..

راح يُعِدّ القبرَ، يستعدّ للمصير،

ويحشد الحياة للممات.

ـ  6 ـ

ما سرّ ذاك السعي في الحياة للممات..

 يا شين؟

ما سِرّه الدفين؟

هل سِرّه في قوة الأقدار، أم أنه التسليم للأقدار؟

هل خلفه سياسةٌ، أم خلفه أفكار..

أم أنه إيمان..

أقوى من الزمان..

يهزّ أركان العقول والقلوب، والبنا..

وراسخاً يبقى على الزمان؟ 

أم صنعةٌ من عَظَمَة..

يعتادها، يدمنها الإنسان.

أم حكمةٌ نجهلها، ومنهج قويم.

يا شين.؟!

ما السرّ في موت غدا يستعبد الحياة والأحياء في الحياة،

يصفّهم، يزفّهم، يقتلهم، يدفنهم في مقبرة؟

أذلك الوداع.. وعودة من بعد للصراع؟

ما سِرّ جبّارٍ ملك،

فرعون أو أنت الملك..

يهلك كل الكون إن هلك..

يا شين،

يدفِّن، الأحياء في قبر له،

يجرهم للحرب، يفنيهم معه؟؟

أتلك أيضاً مفْخَرَة

يصنعها الملوك؟.

اشرح لنا يا شينُ سِرّ المقبرة،

وسِرَّك الدفين،

فإنها فلسفة قديمة، فيما بدا، في الصين..

في العالم الممتد حتى أعلى عليين..

فلسفة نجهلها..

نشتاق أن نفهمها..

بيِّن لنا يا شين..

واشرح لنا يا شين..

ما سِرّك الدفين،

ما سِرّها مقبرة مذهلة،

تضمها « شي آن »؟

من أول الزمان..

لآخر الزمان.؟!

 

ـ ـ

ألا تجلّى.. قل لنا يا شين..

يا ملكاً من ذهبٍ وطين..

ما سِرّ هذا الموكب المهيب،

يقتحم الممات في الصبح والمغيب،

ما سِرّ هذا العالم العجيب،

وركنِك الركين،

وعرشِك المكين،

ووجهِك الحزين..

وكل هذه الحشود المبهِرَة..

في مقبرة،

تضمها « شي آن ».؟

يا أول الملوك في السلالة البناءة المؤسِّسَة

في الصين..

ما سِرّها الدفين،

مقبرةٌ مذهلة..

شخوصُها من طين.؟.

حكايةٌ معجِبِة..

لكنّ خلْف طينها أسرار.

قلها لنا يا شين؟

يا ملكاً من ذهبٍ وطين،

آثاره من طين،

وجيشُه من طين،

ووجهُه حنين،

مثل أنين متعبٍ يقطّع الوتين،

يجيء من بوابة السنين،

مثل رنينٍ خالدٍ حزين،

تحمله الرياح الأربعة..

في الصين..

من أول الزمان..

لآخر الزمان.؟

ما سرّها الأوثان..

ما سرّها مقبرةٌ مذهلة..

تضمّها « شي آن ».؟

ـ  8 ـ

تسألنا.. نسألها، مقبرة لشين،

في الصين.

تقدم الدروسَ للإنسان،

تقول للأجيال والزمان:

مات الملك، عاش الملك، يبقى الملك،

فليحسِن الكتّاب رسمَ الخطِّ والسطور،

وليُحسِن القراء فهم ما يدور،

في عامرِ البيوت،

في دارسِ القبور،

ولتحْسِن العقول،

تدبرَ الأمور في الحياة والممات.

هذا وفاء كامل لملك الزمان..

في الموت والحياة.

وفرقةُ الحراسة الغراء في ركابه،

تحميه من وحدته في تربة الفَناء،

تحميه من مصيره،

تحميه من دود الجسد،

وكل أنواع الحسد،

وكل ما قد يعتريه من بلاء، للأبد،

في عالم الفَناء؟

فلتَحْسُن القراءة!.

وليحسِن الكتّاب والقراء فقه ما يدور من أمور..

في سالف العصور، وقادم العصور.؟

مات الملك، فليدفَن الجيشُ معه،

يَبيد قبل مصرعه..

ولتدفن الخيول، والسيوف، والرماح، والعيون، والعقول، والآمال، والـ ..

هذا هو المآل..

في سالف الزمان، وقادم الزمان،

في دورة الأفلاك والأحوال:

مات الملك..

ونقطة في آخر الكلام..

نهاية المقال، نهاية الأحوال.!!

- 9 -

« لا جيش يبقى بعدما يفنى الملك..

لا عيش، لا عمران، لا ظلال..

حتى ولا أشباح من رجال.. »؟

هذا هو حكم الملك..

هذا هو الجواب والسؤال.؟!

يا شين..

يا ملكاً من ذهبٍ وطين..

في مقبرة « شي آن ».؟!.

يا هولها الأيام، يا ملك..

في ظل من ضياؤهم ظلام،

قلوبهم ظلام،

عقولهم ظلام..

يا هولها، يا هولها.. ممالك الظَّلام..

يا هولها.. يا شين،

يا ملكاً في الصين،

من ذهبٍ وطين...

يا هولها الأيام..

يا هولها الأيام.

 

دمشق

علي عقلة عرسان