خبر كفى للانبطاح -هآرتس

الساعة 10:36 ص|15 ابريل 2015

فلسطين اليوم

بقلم: ايلي فودا

          (المضمون: أحد دروس هزيمة اليسار في الانتخابات هو أنه يجب ان ينتقل من اللغة الاعتذارية الى اللغة المباشرة والكفاحية فيركز هو ايضا على المخاوف الحقيقية ليواجه بها المخاوف الوهمية التي يثيرها اليمين ويوقظ الاسرائيليين من غفوتهم وجهلهم - المصدر).

          أدخلت نتائج الانتخابات للكنيست اليسار في حالة دفاع. وهو يضطر الان الى تفسير سبب هزيمته، والذنب ملقى على المشبوهين الفوريين: الدعاية الانتخابية غير الناجعة، الزعامة غير الكاريزماتية بما يكفي، هجر المحيط والطبقات الفقيرة، التغييرات الديمغرافية في المجتمع الاسرائيلي وغيرها.

          ولكن الحقيقة هي ان اليسار يوجد في حالة دفاع منذ صعود اليمين الى الحكم في 1977. فمع قيام الدولة ثبت دافيد بن غوريون مقولة « بلا حيروت وماكي »، والتي كانت تستهدف ترسيم حدود الشرعية السياسية – من جهة اليمين الاصلاحي بقيادة مناحم بيغن، ومن جهة اخرى اليسار الراديكالي في شكل الحزب الشيوعي الاسرائيلي. عندما عزا الليكود لنفسه اصطلاح « المعسكر الوطني »، فانه أجرى بذلك نزعا للشرعية لكل من يختلف مع مفاهيمه السياسية – الحزبية، على اعتبار انه لا ينتمي الى المعسكر الوطني.

          ووجد نجاح هذا التصنيف الاستبعادي تعبيره في الاسم الذي تبناه حزب العمل التاريخي في الانتخابات الاخيرة – « المعسكر الصهيوني ». فهذه الخطوة لا تعتبر محاولة للتمييز، بل ردا استفزازيا على اليمين، في صيغة: نحن ايضا صهاينة. ولكن هذه الخطوة الاعتذارية لم تخلق فقط اغترابا في اوساط الجمهور العربي – بل ويعتبر ايضا استمرارا لانبطاح اليسار امام اليمين الوطني.

          لقد كان الخطأ الاساس للمعسكر الصهيوني في عرض عدمي للرسائل الايديولوجية. فقد كان الهدف ظاهرا اجتذاب الاصوات من الوسط واليمين المعتدل من خلال رسائل غير راديكالية. وبرز هذا النمط على نحو خاص في المجال السياسي، والذي بقيت فيه مواقف المعسكر الصهيوني غامضة. خطأ آخر كان في الامتناع عن توجيه مخاوف الاسرائيليين الى الاماكن المقلقة حقا. فقد تمكن بنيامين نتنياهو من أن يطور في اوساط ناخبيه المخاوف من ايران، من القاعدة، من داعش ومن جماهير العرب الذين يصوتون للاحزاب المناهضة للصهيونية. والتخوف من آثار غياب الحل للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني لم يرفع الى مقدمة المسرح، رغم أن المخاطر التي يحذر منها نتنياهو توجد بعيدا عن حدودنا، خلافا للسلطة الفلسطينية وحماس؛ التخوف من اندلاع انتفاضة ثالثة في ضوء المأزق السياسي هو تخوف حقيقي؛ التخوف من المقاطعة الدبلوماسية، الاقتصادية والاكاديمية من جانب الاسرة الدولية ليس خياليا؛ اسرائيل تعتبر منذ الان في نظر الكثيرين دولة « منبوذة » واستخدام عبارة « ابرتهايد » لوصف الاحتلال بات ظاهرة سائدة.

          ينبغي الاستعداد لان تكون الحكومة الجديدة، في ظل غياب مسيرة سياسية، عرضة لهجوم جبهوي يمس باقتصاد الدولة ويقلص شرعيتها. هذا هو التخوف الحقيقي الذي ينبغي ان يقلق الاسرائيليين، وكل هذا لم يجرِ التشديد عليه في حملة الانتخابات.

          سيكون من الخطأ مواصلة سياسة الاعتذار والانبطاح بسبب اتخاذ مواقف تبدو ظاهرا بانها غير « وطنية » بما فيه الكفاية. وعلى اليسار أن يخرج من خانة الخطاب المدني المتصالح والانتقال الى خطاب عسكري يتضمن هجوما جبهويا بكل الوسائل الديمقراطية الشرعية. فالهدف الاساس هو الايضاح بشكل واضح وجلي للمخاطر الكامنة في استمرار الوضع الراهن. مذهل ان نتبين بان معظم خريجي جهاز الامن (كما يتمثل جيدا في فيلم « حماة الحمى ») يؤيدون مبادرة اسرائيلية بعيدة الاثر، سواء حسب مبادرة السلام العربية، مبادىء كلينتون، مبادرة جنيف أو خليط منها. وها هو رغم التأثير الهائل الذي لكبار رجالات جهاز الامن على الاسرائيليين – في هذه المسألة  يوجد تجاهل مطلق لموقفهم.

          يبدو أن التفسير لهذه الظاهرة عاطفي وليس عقلانيا؛ فالبحوث تظهر بان الناس لا يسارعون الى تغيير مواقفهم. ولكن القصف (مرة اخرى تعبير مأخوذ من الخطاب العسكري) للمعلومات المتضاربة على مدى الزمن سيؤدي الى تغيير للمواقف. وهو وحده يمكنه أن يقنع الاسرائيليين بانه يوجد مع من يمكن الحديث في الطرف الفلسطيني؛ وانه توجد جهات معتدلة في العالم العربي معنية بانهاء النزاع؛ وان الحل السياسي سيزيل المخاوف من المقاطعة والعزلة الدولية، كما سيسمح باعادة توزيع اكثر عدلا ومساواة للمقدرات، التي ستنتقل من المستوطنات والمناطق الى المحيط. هذه ليست معلومات مسلم بها؛ فاذا كان 70 في المئة من الاسرائيليين، حسب الاستطلاعات، لم يسمعوا عن مبادرة السلام العربية، ثمة إذن خلل جوهري في الطريقة التي تنقل فيها المعلومات الحيوية الى الجمهور.

          والاستنتاج هو أن على اليسار ان يتبنى خطابا مباشرا وهجوميا. « تعالوا نتكلم دغري »، قال نتنياهو في احد خطاباته في الامم المتحدة، عندما توجه الى محمود عباس؛ هذا التوجه، كما شهدت اعمال نتنياهو بعد ذلك، كان بعيدا عن أن يكون صادقا. ولكن على اليسار أن يتكلم « دغري »، إِذ ان هذه هي الميزة التي يفهمها الاسرائيليون. واذا كان « الدغري » يتضمن ايضا موقفا من المخاوف الوجودية، كما اظهر عالم الاجتماع غاد يئير من الجامعة العبرية، في كتابه « رمز الاسرائيلية السري »، فان احتمال قبوله سيكون أعلى. وسيكون هناك من يدعي بان تبني الخطاب الكفاحي يخدم اليمين؛ ولكن مثلما يقول المثل: « في الحرب مثلما في الحرب ». هذا هو احد دروس الانتخابات. بالتوازي مع تبني الخطاب المباشر والهجومي، على اليسار، في تعريفه الاوسع، أن يرص صفوفه؛ فالانشقاقات، على خلفية شخصية وايديولوجية هي التي كانت تميزه على نحو دائم.

          ليست نتائج الانتخابات مثابة نهاية قاطعة في كل ما يتعلق بالكفاح في سبيل انهاء الاحتلال؛ كل من يؤمن بانه ينبغي تغيير الواقع المؤدي الى دولة واحدة للشعبين يجب ان يتجند للكفاح، في ظل الفهم بان هذه مسيرة طويلة، ولكنها محتمة، حتى تحقيق الهدف.