خبر والدا الشهيد عوض:لم يعد يملكان سوى دموعهما وحسرتهما على شباب نجلهما

الساعة 08:39 ص|11 ابريل 2015

فلسطين اليوم

لم تتحمل الحديث عنه، لم تتصور أنها سترثيه وتفتقده وتشتاق له، حشرجة كبيرة وبكاء سخي ونحيب هكذا كانت إجابة أم الشهيد جعفر عوض عن سؤالنا عنه، فلم تستطع أن تلفظ جملة كاملة حتى باغتها الحنين والألم والشوق والحسرة وباغتتها الدموع من كل ناح، جعفر عوض الأسير المحرر بالأمس.. الشهيد البطل اليوم، لقصة رحيله الكثير من التفاصيل ورحلة من الاعتقال منذ الصغر والاغتيال في زهرة الشباب.

عوض الذي كان أسيراً من بين ما يفوق 6000  أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، لكنّه من بين من انغرس فيه نصل سمّ الاحتلال بصورة كبيرة، وذاق الويلات في سجونهم منذ الصغر، فهو الذي اعتقلته قوات الاحتلال في يوم ميلاده السادس عشر في عام 2008، ليقبع بعدها في سجونهم لمدة عامين قبل أن يخرج للنور مجدداً.

ويتم اعتقاله من جديد في العام 2013  لكنه خرج هذه المرة بصورة مغايرة، خرج وهو يحمل قصة مليئة بالتفاصيل والوجع، روتها غيبوبته الطويلة، وارتقاؤه شهيداً.

وعن حكاية الوجع التي خاضها جعفر يتحدث والده لـ « وكالة فلسطين اليوم الإخبارية » قائلاً أنَّ جعفر جرب ويلات الشجن منذ صغره، لذلك قرر بعد خروجه من اعتقاله الأول أن يدرس في الكلية القانونية في رام الله، كي يعمل جاهداً من أجل الدفاع عن الأسرى وحقوقهم، لكن قبل تخرجه بعام طالته يد الغدر والاحتلال مرة أخرى ولفقت له تهمةً جديدة.

أمّا عن مرض جعفر وتفاصليه فيؤكد أبو جعفر أن جعفر كان سليماً معافى قبل دخوله المعتقل قائلاً « بدأ المرض يظهر على جعفر بعد اعتقاله وبالتحديد في شهر 6  من عام 2014 تحديداً بعد أن تم نقله إلى عيادة سجن إيشل الذي يقبع فيه إثر تعرضه للإنفلونزا، لكن كما ذكر لي طارق فقد قام شخص بزي عسكري بحقنه بإبرة قبل أن يعيده للمعتقل ».

ويتابع أبو جعفر أنَّ أعراض المرض بدأت تنهال على جعفر تباعاً بعد ذلك اليوم ومع احتجاج كبير لزملائه الأسرى للمطالبة بعلاجه، نقل طارق لمستشفى عوفر ليتبين أنّه يحمل مرض السكري ومشاكل في الغدة الدرقية وضمور في العضلات، ومن ثم تم نقله لسجن الرملة الذي دخله في شهر 10  ودخل عيادته وهو في غيبوبةٍ قاسية في شهر 12

تدهور وضع جعفر بصورة كبيرة، وفي مكالمة من الصليب الأحمر لعائلته بيّنوا لهم أن الوضع الصحي لجعفر يزداد سوءاً وأنه سيتم نقله لمستشفى اساف هاروفي، وعن وضع جعفر في المستشفى يقول والده « كان جعفر مكبل في السرير، والمشرف على حالته يقول أن جعفر يحمل مرض نادر اسمه كرون سيرا وأنه يصيب شخص واحد من بين ستة ملايين شخص حول العالم ».

بعد رحلة العذاب التي عاناها جعفر وأهله، حاول أهله بمساعدة نادي الأسير الفلسطيني إخراج جعفر بأي وسيلة، وتوجهوا للصليب الأحمر بتقرير تحمله محامية جعفر أحلام حداد يبيّن أن جعفر قد أخذ أدوية عن طريق الخطأ كما تدعي المستشفيات « الاسرائيلية »، ذلك الذي ساعد في إخراج جعفر بكفالة تصل إلى 40 ألف شيكل وسنة ونصف سجن مع وقف التنفيذ.

يسترسل أبو جعفر في سرد قصة معاناته وولده قائلاً لـ « وكالة فلسطين اليوم الإخبارية » « لم تتوقف عذابات جعفر بالخروج من قبضة المحتل، فقد غمس هذا الاحتلال في جسده السم وتركه يعاني، وبعد خروجه تم نقله إلى مستشفى الأهلي في مدينته الخليل وقد دخل في غيبوبةٍ كبيرة لم يستطيع أحد السيطرة عليها، في ظل رفض لمستشفيات الاحتلال استقبال حالته، مع العلم أنهم من كانوا يشرفون عليها وهو معتقل ».

ويضيف أبو جعفر أنه بذل هو ونادي الأسير كل جهد من أجل الوصول لحل لأزمة جعفر ومعاناته، بعد أن عجزت المستشفيات المحلية عن علاجه، في ظل تقصير كبير وغياب لوزارة الصحة، فهو من راسل صديق في ألمانيا شارحاً له قصة جعفر، وقد تم عرض الحالة على الأطباء هناك في مستشفى لنداو وأكدوا أن حالته نادرة ولكنهم قادرين على علاجه، وأرسلوا الأوراق المالية وتفاصيل المدة التي يجب أن يقضيها جعفر.

بعد أن ظهر أمل في حالة جعفر، تكسّر هذا الأمل على عتبة الإهمال وعدم المسؤولية وغياب الضمير، وعن ما لاقته حالة جعفر من تجاهل يقول والده لـ « وكالة فلسطين اليوم الإخبارية » « تواصلت مع عيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الأسرى، وتقدمنا بطلب لمكتب الرئيس نطالب فيه بدفع تكاليف سفر وعلاج طارق وأن حالته تدهورت بشكل كبير وبحاجة إلى السفر في أقرب وقت ».

ويشير أبو جعفر أن مع كل التظاهرات والمطالبات والسعي، بقي الطلب في مكتب الرئيس دون عرضه عليه لمدة شهر ونصف، وبصوت مجروح ومتعب يقول أبو جعفر « لم يتبقَ أحد لم نرجوه أن نطالبه أو نزوره أو نناشده، وكل محاولاتنا باءت بالفشل، وقد أوصلنا صوتنا في الجرائد وعلى الإذاعات والوكالات والمسيرات ولا فائدة، وقد عرضوا التقرير بعد فوات الأوان بعد أن تدهورت حالة جعفر بشكل كبير جداً ولم يعد هناك أمل في النجاة ».

وبكل ما أوتي من غضب ورجولةٍ يصرخ أبو جعفر مطالباً كل الأحرار في مناصب الحكم والقوى الإسلامية والوطنية والمؤسسات المجتمعية والعالمية، للنظر في قضية اغتيال جعفر، وعدم طي صفحته لأنها ستتكرر مع الكثير من الأسرى، وعدم السكوت على ما يقاسيه الأسرى ويعانونه، وأنّه لن يقف مكتوب الأيدي لكنه بحاجة لمن يسانده لمن يقف معه.

ويناشد أبو جعفر كافة القوى للسعي من أجل إيصال قصة جعفر لمحكمة الجنيات وكل مؤسسات القضاء مؤكداً أنّ الاحتلال يتنصل ويكذب في قضية جعفر قائلاً « الاحتلال يقول أنَّ جعفر يعاني من مرض وراثي، في حين أن 7 عينات في أكثر من مستشفى في الداخل والخارج أكدت أن جعفر خالي من أي مرض وراثي، لذا يجب محاكمة السجان لأن ما حدث لجعفر سيكون مصير الكثير من الأسرى ».

وبعد أن تمالكت نفسها قليلاً تستذكر أم جعفر لحظات جعفر الأخيرة قائلةً « جعفر كان متعلق بي جداً، كان كالطفل الذي يريد حضن أمه قليلاً، حتى في غيبوبته الأخيرة لم يرد فراقي وصار يصرخ أمي أمي ولم يرد فراقي أبداً، وأنا كنت متعلقة بجعفر بشكل كبير جداً، وأطالب كل العالم بأن يرد حق جعفر وأن لا يسكت على اغتياله من قبل السجان، وأن ينظر في أحوال الأسرى المأساوية ».

قصة جعفر عوض وبكل ألآمها وعذاباتها تبقى قصة أسير واحد في سجون الاحتلال، قاسى وعانى بل واغتيل ببطئ، وتبقى الكثير من القصص مطموسةٍ تحت ظلم السجن، فالأسرى الفلسطينيين إلى متى سيدفعون ضريبة القضية التي عاشوا وأسروا من أجلها، وإلى متى سيبقى التجاهل الطبي والتساهل وعدم الاهتمام من قبل السلطات المسؤولة، أهكذا يُكافئ الأسرى المحررين ؟!