خبر أدنى درجات السوء -معاريف

الساعة 10:29 ص|05 ابريل 2015

فلسطين اليوم

بقلم: بن كسبيت

        (المضمون: في الاتفاق بين ايران والدول العظمى عدد من البنود المهمة والايجابية لاسرائيل. الاتفاق كان يمكنه أن يكون أفضل لو لعبت اسرائيل دورا غير الذي لعبته فيه. ومع ذلك فان الاتفاق لا يشكل تهديدا وجوديا على اسرائيل كما قال نتنياهو - المصدر).

        من المبكر أن نحكم على مسودة الاتفاق بين ايران والدول العظمى، حتى الآن ليس هناك اتفاق دائم، كما أن المباديء التي تم تفصيلها في يوم الخميس الماضي فدريكا موغريني ومحمد ظريف، ضبابية وغير واضحة بما يكفي. هناك خلافات في الرأي حول خمسة بنود على الأقل. كل طرف أكد على ما يريد تأكيده والايرانيون منذ الآن يتهمون الامريكيين بتشويه الاتفاق.

        الاختلاف الاساسي يتركز حول موضوع رفع العقوبات (متى وبأي وتيرة)، ولكن هناك خلافات كثيرة اخرى. الطرفان، رئيس الولايات المتحدة والرئيس الايراني روحاني عليهما اجتياز حواجز ليست سهلة في البيت الداخلي: اوباما عليه اجتياز الكونغرس وروحاني عليه اجتياز المرشد الاعلى خامنئي. باختصار، قافلة الاتفاق لم تصل حتى الآن الى هدفها لكنها اجتازت واحدة من المحطات المهمة في الطريق اليه. هل كان الاعلان في يوم الخميس الماضي في لوزان تاريخيا؟ هذا ما سنعرفه ربما في نهاية حزيران.

        رئيس الحكومة نتنياهو عقد عشية العيد المجلس الوزاري السياسي الامني المصغر (الذي انتهت ولايته) وبعد ذلك نشرت اسرائيل بيانا شديدا ضد مسودة اتفاق الاطار. الحقيقة هي أن اسرائيل في وضع معقد وهذا هو البيان الوحيد الذي يمكن نشره في ظروف كهذه. اسرائيل ما زالت أسيرة دور الولد الشرير للمسألة كلها وليس هناك معنى لتغييره الآن. البيان الاسرائيلي نشر رغم وجود عدد لا بأس به من البنود المهمة والايجابية في اتفاق الاطار التي فاجأت الجانب الاسرائيلي. هذه البنود وفي الاساس حقيقة أن ايران وافقت أن تخرج من حدودها تقريبا كل المادة الانشطارية (وابقاء 300 كغم من 10 أطنان)، ووافقت على مراقبة لصيقة في كل اراضيها وعلى التوقف عن تخصيب اليورانيوم في منشأة بوردو. هذه الحقائق حولت الاتفاق الى أقل سوءً مما كان متوقعا وأقل جودة من الاتفاق الانذاري الذي تسعى اليه اسرائيل، شيء ما في الوسط.

        يجب ألا ننسى أنه في المرة السابقة عندما تم التوصل الى الاتفاق المرحلي بين ايران والدول العظمى سارعت اسرائيل كالعادة الى الهجوم عليه وكأن الحديث يتم عن وثيقة نقل ملكية تل ابيب للايرانيين. بعد ذلك اتضح أن الاتفاق ليس بهذا القدر من السوء. كما اتضح أن الايرانيين خلافا للتقديرات يطبقون بنوده بصرامة، وفي نهاية المطاف عارضت اسرائيل بشدة امكانية الغاء الاتفاق التي قبل بضعة اشهر فقط عارضت التوقيع عليه بنفس الدرجة من التشدد. باختصار، تحولت اسرائيل الى معمل الصراخ والتحذير التي لا يوجد أحد بخلاف الحزب الجمهوري وأسيادها في الولايات المتحدة لا يأخذون اسرائيل بجدية. ومن الخسارة أن المعلومات الموجودة في أيدي اسرائيل والخبرة المتراكمة لديها والتفاهمات الخاصة بها كان يمكنها أن تلعب دورا أكثر تأثيرا في المفاوضات بين ايران والدول العظمى لو كان لها موطيء قدم مهم في واشنطن. في اللحظة التي فقدنا فيها الوصول الى قدس الاقداس تحولنا الى مُبعدين وفي لحظة معينة توقفنا عن استقبال آخر التطورات الداخلية من الامريكيين، فقدنا قدرتنا على تفعيل أدوات ضغط و« التأثير من الداخل ». كل هذه فقدناها بفضل سياسة نتنياهو، الذي بدلا من أن يبيع كلية من اجل أن يحتل مكانا قريبا من الرئيس حاول إزاحته. لكن كل هذا أصبح من التاريخ. ماذا علينا العمل الآن.

        الانقضاض على واشنطن

        هناك الكثير مما يمكن فعله. حكومة مسؤولة عليها في هذه المرحلة أن تصل بقوات معززة الى واشنطن وهي تصطحب معها قائمة بكل البنود المفتوحة وكل المواضيع التي لم تغلق في محاولة حقيقية للتأثير على ما تبقى. في المقابل هذا هو الوقت للحصول من الامريكيين على الضمانات، التعهدات والتأكيدات  (المكتوبة) بنفس الصيغة التي حصلنا عليها منهم في كل مرة أخذنا على أنفسنا مخاطر في مواضيع الأمن. هكذا كان على سبيل المثال بعد التوقيع على اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر، ليس هناك سبب ألا يحدث هذا ايضا الآن. المشكلة هي أنه ليس لدينا بالضبط من نتحدث معه في واشنطن، ليس هناك سفير وليس هناك من يصغي. كل ما يوجد هو العداء والكراهية والتطلع الى الانتقام. علينا أن نصلي لأن اوباما هو في الحقيقة السمكة الباردة التي يتحدث الجميع عنها. هذا هو الوقت لكي يُظهر سخاءً من جانبه. من الجيد لو أن نتنياهو مد يدا للتحسس، لكن ليس من المؤكد أن سيده سيسمح له بذلك.

        من الواضح أنه كان بالامكان التوصل الى اتفاق أفضل. لو أن الامريكيين كانوا يعرفون ادارة المفاوضات مع الفارسيين. لو أن الولايات المتحدة أرست حاملتي أو ثلاث حاملات طائرات في الخليج. لو أن الخيار العسكري الامريكي كان أكثر جدية. لو أن المتحدثين الامريكيين بما فيهم الرئيس اوباما نفسه لم يتصرفوا بسذاجة غبية الى هذه الدرجة وشرحوا لكل من يريد أن يفهم الى أي درجة يتوقون الى الوصول الى اتفاق والى أي درجة يشكل الاتفاق خيارهم الوحيد، الى أي درجة الاتفاق فقط سيجلب النتائج المأمولة. في الشرق الاوسط يعرف الجميع أنه ليس بالامكان التجول بدون عصا طويلة في يد واحد على الأقل. الامريكيون في عهد اوباما وضعوا العصا في المخزن. الآن يأملون باحداث تغيير تاريخي بميزان القوة في الشرق الاوسط من خلال هذا الاتفاق مع ايران. علينا أن نأمل أن يكونوا مُحقين.

الكثير من « اذا » و « لكن »

        حتى الآن يدور الحديث عن اتفاق معقول إن لم يكن أفضل من ذلك اذا نفذه الايرانيون بحذافيره (كما نفذوا الاتفاق المرحلي)، فانهم لن يصلوا الى القنبلة في الـ 15 سنة القادمة، هذا كان هو الهدف الذي اجتمعنا من أجله. ايضا هجوم امريكي، الذي لا يقف على جدول الاعمال، لم يكن ليبعدها 15 سنة عن القنبلة. صحيح أنه يوجد الكثير من « ربما » والكثير من « اذا » والكثير من « لكن » في هذه المعادلة، ولكن في هذه المرحلة ليس هناك خيار أفضل. ربما كان بالامكان أن تكون أفضل لو أن اسرائيل كانت تلعب دورا آخر في هذا الموضوع، لكن هذا غير موجود. هذا ما هو موجود لدينا، ومع هذا علينا التعايش، في كل الاحوال ليس هناك سبب للدخول الى الهلع. خلافا لما قاله بنيامين نتنياهو في نهاية الاسبوع فان مسودة الاتفاق مع ايران لا تهدد وجود اسرائيل، يمكننا مواصلة الاحتفال بعيد الفصح وستشرق الشمس غدا، وكما يبدو بعد غد، هذه الصفقة لن تُحسم في الاسابيع القريبة، الحديث يدور هنا عن عملية طويلة الأمد نتائجها لن تُحسم بالخطابات ولكن بالأفعال.